الخميس، 7 مايو 2015

عبد الرحمن الداخل وتأسيس الدولة الأموية في الأندلس



مركب الغريب في 30-9-2011 لميسون عوني وأعيدت كتابتها في 8-4-2015

الدولة العباسية (مدونتي الفصل الخامس من تاريخ العراق)
بني العباس يقتفون أثر بني أمية والقضاء عليهم

ضجت المدينة بالصراخ والهتاف وجند الدولة العباسية يقتحم المكان للقبض على الأمير عبد الرحمن بن معاوية حفيد هشام بن عبد الملك
إستفاق من كابوس، سيكتم أنفاسه ،ويقضي على حياته ،كما أسرته الأموية، وجائته صرخات العسس والجنود ليحتضنه وأخاه هشام  خادمهم بدراً في جنح الليل ويفرالثلاثة والرايات العباسية السوداء متجهة الى منزلهم فتيقنوا إنه التعذيب والموت

رحلة العذاب
وبظل واحة بالصحراء جلس الأمير عبد الرحمن يفكر ماذا سيصنع،وكيف سيتدبر؟وأخذ ينظر الى بدر مفكراً
إسمع يا بدرأريدك أن تحزم أمرك وتفارقنا
آمرك أن تتركنا
لماذا سيدي؟
أنت ماذنبك، لكي تغرم،وتتعذب ، ولم يكن لك فيها مغنم
نحن ندفع ثمن عز وسلطان وأنت تدفع ثمن ماذا؟
أدفع ثمن حبي وولائي لكم سيدي
صدقني
هي ليست بدون مغنم ،أبداً ستكون آخر الرحلة فيها أعظم الغنائم ،ستردها إلي مضاعفاً،ستكون الإمارة لك والسلطان بين يديك،وسأكون معك
ولكنها رحلة مرة ، مذاقها علقم ، وشهدها كطعم علقمها ، وفي أي لحظة يمكن لبني العباس أن يدركوننا،وتنتهي فيها حياتنا أنا سأكون مع أهلي يا بدر وأنت ؟
إذا لم أستطيع أن أفديك فسأموت سعيداً معك
سأضعك بين هُدبي، وأحتضنك في شغاف قلبي، وأفتديك بروحي
بدر يتظاهر بالقوة وقلبه يرتعش خوفاً ليس على حياته ولكن على حياة أعز ناسه ،الأمير عبد الرحمن حفيد الخليفة هشام بن عبد الملك والذي تنبأ له جده الخليفة بأنه سيجدد الخلافة الأموية في الغرب بعد أن تنتهي في الشرق
بدر
عارفاً ومتأكداً بإنها رحلة الآلام ولكن يا للعجب كيف إستقر الإمان بقلب هذا الرجل والثقة بإنهم سيصلوا،كيف لهذه الفطرة النقية ، أن يكون لها مثل هذا الحدس ،ولقلبه هذا الإيمان

مقتل الأمير هشام      أخو الأمير عبد الرحمن

تعقب جند الخليفة الهاربين وأعطوهم الآمان إذا سلموا أنفسهم فأقتنع الأميرهشام    بكلامهم وحاول أخاه معه أن لايسلم نفسه لجنود آل عباس ،إرجع يا هشام ،إرجع يا أخي ، فلم يسمع فقتل في الحال

جرح ينزف في صدر الأمير عبد الرحمن وهو يرى دماء أخيه ،كما صبغت الموج ،وغلفت خفق الفرات ، وشحت روحه بالإلم النازف ،وسفك دم أخيه ينبض في قلبه ،ويعصروجدانه
وهل سينسى وكيف سينسى وهل
آن الأوان يا فرات الأمل أن يكون في أعماقك  الأمان ،وفي إيهابك النجاة، لينجو عبد الرحمن وبدر في أول خطوة من رحلة العذاب، التي إمتلئت بالإشواك التي لم تجرح أقدامهم فقط ،ولكنها جرحت قلوبهم
فنجا الداخل سَبْحا بالفراتْ   تارك الفتنة تَطْفَى وتَنُور(أحمد شوقي)

فهل سيلطف

نهر الفرات نهر الحلاوة والآمان من عنت رحلتهم، وفي عقلهم يدور،هاجس وسؤال،هل سيكون أعذب أنهار الدنيا ،عَذباً أم عذابا ،نجاتاً أم موتاً ، ملاذاً أو هلاكاً، أم يقسو موجه ويأخذهم في خضمه قتلاً وغرقاً
لماذا يا فرات الشهد لم تكن رحيما بهم وأصطبغ رقة موجك بدماء عكرت خفقك الرفيف وموجك الرقيق

وجائتهم المواساة

 أنجدهم الفرات هذه المرة ،وجدفت سواعدهم الى بر السمراء، فماذا سيكون عليه الحال، أتكون رمالها حامية أم أشواكها غارزة
الأمير عبد الرحمن والمولى بدر في رحلة الخلاص

هل هي آماناً ؟أم سراباً كآبارها ؟تضئ لتغري العطشى، ولكنها تطويهم على الضماْ والجفاف،أم ستدفأهم رمالها وسترويهم وآبارها ويحميهم نخيلها
المولى بدر هو الذي سيحول سراب الصحراء نبعاًيروي، وآماناً يحمي
في كل خطوة  يلاقيهم اليأس فيكون أمل ، أن يبتلعهم جب القتل ،فيكون نجاةً

يشعر جند الخليفة بحركة الفارين،

من أنت؟ فأسقط بيد، الأمير عبد الرحمن،يارب السموات والأرض إنجدني،هل وقعت بيد بني العباس
وبلمحة ظهر بدر وألهمه العلي القدير بما لا يتصوره إنسان،ألهمه العلي القدير الذي منح هذا الرجل الحكمة والتدبير،إنها لحظة فارقة في رحلة الهروب

وصرخ غاضباً مخاطباً أميره
ها قد وجدتك أيها العبد أتنوي الفرار مني؟
وألتفت الى الجند
هذا العبد تمرد علي وأنكر فضلي عليه عندما إشتريته من مولى يظلمه
فصرخ به كبير الجند
نحن نتعقب عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك
عجباً سيدي
الأمير عبد الرحمن؟ أتقصدإن هذا العبد النمرود، أهذا المملوك، من سلالة بني أمية ،سلالة الخلفاء ما أظلمهم ، ،ألا ترى كيف أزال الله عن المؤمنين عنت الظالمين، تعساً لهم أزال الله ملكهم

إقتنع الجند بما لايقبل مجالاً للشك إن هذا الواقف حائرا يتلفت إنه عبد لهذا المولى

إنصرفوا وحين إختفائهم إنكب بدر على يد الأميرعبد الرحمن يقبلها،سامحني يا سيدي سامحني يامولاي،أنا خادمك أنا عبدك فلا تغضب مني لولا ما قلت لما إقتنعوا بإنك لست الأمير عبد الرحمن
ولكني
أراك قدإستمرأت ما قلت ؟
لولا هذا لما إنطلى عليهم شأننا
حسن تصرف المرء في مواجهة المشكلات والمعضلات الصعبة في الحياة !iq

موقف آخر

النفس الإنسانية بتنوعها وإختلافها

في رحلةالموت الذي خبى فيه الأمل وأظلم النورإلا بصيصا،فهل سيهدي هذا البصيص من سيعيد لإهله وأجداده ملكهم في الغرب ،وما الذي ينتظر الهارب وأين المفر؟

قصدوا، خاناً ليرتاحوا فيه،فشك صاحب الخان بإمرهم ، ترى من هؤلاء ،أحقاً ،ماسمعته و الذي معه يناديه مولاي،له ظفائر، وفي عينيه رمد،أهو الأمير عبد الرحمن ؟، أكيداً إنه هو ،إذن ليسارع يخبرالجند ويحصل على المكافأة عشرة ألاف دينار، لو قضى مع عمره أعماراً، فلن يستطيع أن يحصل ،على جزءاً من هذا المبلغ
أسر السر لزوجته، فثارت في وجهه ،كيف تخون من إلتجأ اليك ، آمنا ،هل تبيع آخرتك بدنياك ،لا والله أموال الدنيا كلها، لا تساوي دناءة الخيانة،
فأضمر النية ، ليخدعها،ولكن حدس المرأة هداها الى غدره وتصرفت كما أملتها عليها فطرتها وإنتمائها، أنا بنت الشام ،لا أخون من تسري في دمائه روح الشام ومجدها ، لا أبيع الأمير عبد الرحمن بكنوز الدنيا
وعندمارجع زوجها، مع جند بني العباس كان عبد الرحمن وصاحبه قد تركا المكان
إيخونني رجل وتنجدني إمرأة
وهل المروؤة تقتصر على الرجال وقلب المرأة الحرة كنزاًيفوق ما عند الرجال

فلسطين

لاحت لهم تباشير القدس المقدسة

هيا يابدر سنتوجه الى القدس ،أود أن أزور أول القبلتين وثالث الحرمين ،وأن أتيمم في أديم أسرى منه جدي الرسول وعرج في أنحائه صاعداً الى سدرة المنتهى،أن أُجلي النظر في قبة الصخرة والمسجد الأقصى  ؟ أنحني للتاريخ البشري في كنيسة المهد وروح القيامة

سيدي أنحن في زيارة أم هروب؟

سنتَخَفْى يا بدر نزور، ونغادر ،متوجهين الى مصر، وهناك سيقترب الأمل ونكون ، قد قاربنا أن نصل الى أخوالي في المغرب
هل هذا كثيراً علينا

تعال يا بدرنودع أرض الشام ،لإننا لن نراها ثانية، لنلقي ،النظرة الأخيرة ،على سهول بلادنا وخضرة وادينا ،ورهافة نسائمنا ،ورقة حواشيها
تعال يا بدر، نودع مهد أهالينا، ومنبت أجدادنا ،وحضارة ماضينا
بالله عليك
كيف هانت علينا ،الغوطة وروابي قاسيون، وحلاوة بردى، وهل سنشم ثانية عبير الياسمين الدمشقي ، وقدغطى نوافذ العشق، 
وعبق رحيقه، يشفي القلب والروح

الأمير عبد الرحمن يسترسل وقد ذاب قلبه وجداً ورقت حنايا قلبه 
حنيناً

بدرمذهولاً

بالله عليك سيدي لا يكلف الله نفساً إلا وسعها ،وتكلف نفسك ما لا تطيق،ما تقوله يذيب الصخر،لن نغادر الشام، سنحملها في قلوبنا ،إينما ذهبنا ،وكيفما حللنا،وسترى سيدي ،كيف ستعيد رصافة جدك  هشام زاهية في الأندلس ، كما كانت في دمشق ،ستطوى الأيام، ويحكي الزمن عن حضارة قامت من العدم ،وعندما تنتهي حياتنا ويطويها،التراب،سَتُكتب سيرتنا بأحرف من نور،وتكون أرواحنا ترفرف تحي المجد الذي ستصنعه، نحن في خطر ،الموت يترصدنا، فأتوسل إليك أن نغادر

وكما كانت القدس شفاء لقلوبهم ، هيأ القدر لهم من ضمد عيني الأمير عبد الرحمن وأنقذ إحدى عينيه من التلف

الرحلة الى مصر

وبدأت الرحلة الى مصر في قلب الصحراء وتجنبوا الشريط الساحلي خوفاً من ملاحقة جند العباسيين، فلاقتهم كثبان الرمال وكادت أن تبتلعهم،
أثقلت الرمال خطى الهاربين ، فهل ستقوم الصحراء بقتلهم نيابةً عن بني العباس ،ترى؟ هل سيدفنون هنا وتمحى آثارهم ؟
عجباً لتصاريف القدر وصلوا مصر وهم على وشك الموت ،وصلوا مصر وقد نفذ مائهم وزادهم وبوصولهم ،كتبت لهم حياة وآمال
بحثوا عن غرفة يؤجروها ،تلفتوا فإذا بشابة تنادي على نزل تؤجره
، وعندما توجهوا الى المكان، وجدوامن يسكنه،يا للمرأة كيف خدعتنا ، لا تحزن يا بدر كيف لا أحزن سأفتش عنها حتى أحصل على ما أخذته منا، وبدلاً من أن يحصل منها على ما أخذته، كانت المرأة قد أخذت قلبه ،أحبها ،لم يسألها لماذا، ولكنها حكت له ،بإنها تعيل أمها المريضة، وأنتم رجال ماذا سيضركم ، أمي أولى بهذه النقود

إنطلقت شرارة الحب في قلب بدر،إمتلكت سمراء النيل قلبه ،وهل ممكن أن تكون الخديعةوسيلة لتمتلك هذه المرأة  قلب بدر؟
ما أسمك
زينب
الله إنه أحب الأسماء
وأنت

ما أسمك ؟ بدر
بدر!
إنه إسم لخادم، كياقوت ومرجان ،هل رأيت أحداً من سادة العرب إسمه بدر
يا للمرأة وقوتها لا يكفيها أن تأخذ ما لاحق لها فيه ،ولكنها تستهزأ بأسمائهم
ولكنها أحبته آسرها الذكاء وأخذ قلبها النقاء ،
كيف لها أن لاتحبه وقد فاض وفائه، ومس روحها ،ونخوته،لمست قلبها
وكأن الله قد بعث بزينب لكي تكون لهم حصن الأمان
فأعلن بني العباس النفير العام للقبض على عبد الرحمن ومولاه،وهنا قال الحب كلمته،فسارعت زينب ،وخبئتهم في دهليز الى أن إنتهى التفتيش ومن هذا الدهليز بدأت رحلتهم الى المغرب الى أخواله وموطن أمه وعشيرتها
خذ يا بدر هذه نقودكم وفوقها هدية مني إليكم
ألان الحب قلبها وشف وجدانها ونسيت حاجتها
الوداع
وعد بدر زينب بلقاء آخر
فضحكت في سرها أي لقاء هذا الي يعدني به
جلس الأمير عبد الرحمن يرقب وداع الحبيبين ،   غلف قلبه الشجن ، ومس روحه الشوق الى أهله في دمشق ،ترى هل سيلتقي بهم ثانية

وقبل أن يدخل المغرب، وصل الى برقة في ليبيا و إمتدادها في قبيلة أمه في المغرب

المغرب

وفي كل خطوة تقربهم من المغرب ، هان عذاب الرحلة،إستظلوا بالواحات ومعها الأمل ركنوا إلى الأمان وقد أرهقهم السفر ،ولا حت لهم بشائر قبيلة نفزة ،قبيلة أمه ،وقد وقفوا ينتضرون الغائب، إبنهم الذي يروه أول مرة
وقف عبد الرحمن وبدر ينظران

 وتقدمت إمرأة مسنة

أنت الأمير،أنت إبن راح ،تشبهها ،ملامحها،حلاوتها ، إنزل يا فتى قبل يد خالتك
فتقدم عبد الرحمن يحتضن خالته ويقبلها وهي تكاد تطويه بين ضلوعها
أهلاً بك أيها الأمير العربي، أهلاً بحفيد النبي الرسول ، قبائل الأمازيغ ، كلها ترحب بك وتحتضنك وتضعك بين حناياها
نعم
وصلوا الى واحة الأمان وحضن الأهل ونبض الدم

ومن هنا بدأ تأسيس الدولة ، دولة الأمويين في الأندلس

تم ترتيب الخطة
أراد إستطلاع الوضع في القيروان فغادر أخواله الى هناك ولكن الخوارج إجتمعوا عليه وكادوا أن يقتلوه فهرب من جديد الى أخواله ويبقى معهم ويذهب بدر الى الأندلس ليأتي بالبيعة له
فكر عبد الرحمن ترى أية بيعة هذه ؟ أستكون أم لا نكون ،وإستمرت المحاولات والمعاهدات طيلة أربع سنوات (حتى سنة136هج -754 م )وكان قد بلغ من العمر ثلاثة وعشرين سنة


بدر يغادر قبيلة نفزة ويتوجه الى الأندلس

ويبدأ بدر في مشوار لا يقل صعوبة عن مسار رحلتهم ،إتصل بشيوخ اليمانية والقيسية بذل المستحيل ليقنعهم ،إستغل الخلاف الذي بينهم  شاور ،فاوض ،تنازل، ترفع
نادى على بني أمية يخبرهم بأن البيعة للأمير عبد الرحمن قد حانت ،لم شملهم ، حفزهم أخذ البيعة منهم،إستغل كره الناس، لوالي العباسيين ، الفهري،
وفي كل خطوة يصل فيها الى نتيجة يغير طرفُ من الأطراف ،موقفه ويستميت، في التفاوض والحوار، لا يعرف بدر اليأس والإحباط  
الأمير عبد الرحمن وقد طال عليه غياب بدر،عام ونصف وكاد الصبر أن يجف لحظت خالته، سهومه وإستغراقه في التفكير
ها أيها الأمير
أطال غياب صاحبك؟
لا يرد
أتشك في إخلاصه ؟
لا أشك به
نحن بشر
 ولكن
ضع الله في قلبك يا عبد الرحمن ،ودع نوره يهديك ويسدد خطاك

فليكن حزنك على أهلك يقوي عزمك ، إنظر الى الغيمة، وقد إمتزج لؤلؤها مع زرقة سمائها،أترى كيف تشف رقة وأملاً ،ترقب غيثها ،فأهلك يسكنون في عطرهاو ليس في  اللحود الفانية
أنها السلطة يا عبد الرحمن ،لا تعرف الرحمة ،وقاك الله من شرورها،وإنتقامها، فالإنتقام لا يورث إلا الإنتقام ،حذ حذرك لا تدخل في هذه الدوامة المرعبة،


وسار مع خالته الى شاطئ البحر يستطلع

وهو يستطلع كل يوم ،

ويستشرف البحر كل يوم

وفي لحظة فارقة من عمر الزمن سطرها تاريخ هذه الأمة ،لاحت في الأفق خيال سفينة تتقدم نحو الشاطئ ،فتنبه عبد الرحمن والسفينة تظهر معالمها ،أهو خيال بدر، لا إنه بدر فعلاً ، يلوح بيديه  وقد فاض بشراً وأملاً،ورست السفينة ،وهلَّ على عبد الرحمن ،بدراً تماماً ، ،وتسابقا للعناق والبشرى، نعم سيدي ومولاي، جئتك بالبشرى ، جئتك بالبيعة

وودع عبد الرحمن أهله وقبل يد خالته ووعدها بلقاء قريب

سار الركب متوجهاً الى الأندلس

عبد الرحمن الداخل

ففتح بدرذراعيه، إدخل يا سيدي، إدخل يا مولاي أنت أول الداخلين ،أنت عبد الرحمن الداخل

كيف ذلك يا بدر ولست وحدي ،أنت معي
وهل للخدم مكان في صفحات التاريخ سيدي؟

تأسيس الدولة

وهنا تبدأ الرحلة الأشق في مشوار كفاحه ليؤسس هذا الشريد الدولة الفتية ، وليقيم دعائمها  ويشيد بنيانها ،وسط الأحداث الجسام ،وأهوال
الصعاب ، التي تصد أقوى العزائم وأشد المراس وبدأ الكفاح
الأكبر من  رحلة هروبه ،آمنا ولكن من خوف ، سالما ولكن  عن
 وجل ، خائضا أحداث جسام  أقوى من الزمان ، فجمع حوله كل المتضررين من حكم  بني العباس وواليهم في المغرب ،

ونادى  بني أمية

 ليلحقوا به  ،فأصبحوا اساس دولته ، وها هو الشريد الوحيد الذي كان مصيره مجهولاً وحياته مهددة، أن يصنع معجزة قيام دولة 
كتبت في صفحات الخلود

عبد الرحمن الداخل يدخل قرطبة

وفي ربيع الثاني سنة -138هـ- 755م -شاءت الأقدار ورب الأقدار أن يعبرالأمير، عبد الرحمن بجيشه القوي ومن معه من القادة مضيق جبل طارق إلى داخل الاندلس ومعه مائة ألف مقاتل بهيبة وعظمة الفاتحين المنتصرين وانضم إليه أنصاره وأخضع كافة البلاد في طريقه وزحف إلى إشبيلية واستولى عليها وبايعه اهلها، ثم نجح في دخول قرطبة العاصمة، بعد أن هزم جيش يوسف بن عبد الرحمن الفهري في موقعة المصارة في العاشر من ذي الحجة سنة 138هـ ليؤسس بذلك أول أساس دولته في قرطبة عام 138هـ/756م
.وكان المولى بدر قد توجه الى موالي بني أمية في الأندلس يطلب أن يعاضدوا الأمير الأموي فأستجاب أبو عثمان كبير موالي بني أمية، وعرضوا الأمر على الصميل بن حاتم وهو من زعماء المضرية فخاف على نفوذه ، من وجود عبد الرحمن،ونكص عن التأييد ،وكانت الأندلس تغلي بسبب العصبية القبلية بين المضرية واليمانية ،فوافقت دعوة عبد الرحمن رغبة اليمانية للثأر من الفهرية والقيسية ،فبايعوا عبد الرحمن وأرسل كبير موالي بني أمية مركباً ، فوصل الأمير عبد الرحمن الى ثغر المنكب في ربيع الثاني سنة 138 هج(وفي المنكب عمل له الإسبان تمثال له ويحتفلوا به في مواسم معينة)

الأمير عبد الرحمن الداخل في قصر قرطبة

بعد كل هذه الأهوال والمحن والألام ،ها هو عبد الرحمن الداخل في قصر الإمارة، ترى أحلماً هذا أم حقيقة ،أخيالاً يتراءى له أم واقعاً،هل سيجف نزيف الدم الذي إنفجر في دمشق وإنحدر معه ليمتزج مع شفيف موج الفرات ،ولَوَن السراب ، وإرتوت منه رمال الصحراء
وأي بيان يقدر أن يصف هذه اللحظة المذهلة،في حياته أو في تاريخ عائلته ،و أمته ،كيف أحيا هذا الرجل مجد أبائه وأجداده ، زاهراً مورقاً ،ونموذجاً،أي قلم مغموساً بتبرمنير يستطيع ، أن يجسد معاني هذه اللحظة الفارقة ،
توقف نبض الزمان ،هيبة وإجلالاً ،لهذا الفتى ومولاه
شهقت البشرية دهشة،ترقب هذه الهمة والعزيمة، التي إستنهضت العدم ،وأستنفرت المستحيل وجعلته حقيقة وليس خيالاً
تعانق عبد الرحمن مع بدر وأختلطت الدموع مع البسمات،إمتزج القلبان بوشاح رباني زادته الأهوال قوة ومتانة،وسيفيض التأسيس الأول عزة ومنعة
ها سيدي ،أين نحن الآن ؟

بدر قائداً للجيش

في الإندلس في قصر الإمارة،وأنت يا بدر قائد الجيش ،وأمين الأمير ،ومستشاره وصديقه

تلفت عبد الرحمن الداخل فرأى حليفه أبو الصباح قد ثارت عصبيته القبلية وأراد أن يسلب ممتلكات القصر ويسبي نسائه
كلا يا ابو الصباح ، نحن نؤسس لدولة وليس لقبيلة ، نحافظ على حُرم الحاكم ونؤمن لهم داراً ومستقراً ،وخاطبهم، وسيتم حمايتكم، الى أن تصلوا داركم،فتملكهم العجب والدهشة،وأرادت زوجة الحاكم ، أن تعبر له عن إمتنانها (فضلك سيدي سيطوق عنقنا الى الأبد وإسمح لي أن أهديك جاريتي فأنت تستحقها)
الجارية حلا غير مصدقة بإنها ستتخلص من هؤلاء الذين أذلوها وضربوها وكانت مطمعاً لإبنهم لكي يلهو بها ،ولم تكن حتى في جموح خيالها، إنه سيأتي يوماً ،سيفك أسرها منهم

الأمير عبد الرحمن يسأل الجارية، وهي تغض البصرخجلاً منه
ما أسمك
حلى
وفي سره إنه إسم على مسمى

أنت أعرف بالقصر فأختاري لك مكاناً
هل أعدالعشاء
إخبري من يعده
وقفت حلى تخدم الأمير كما كانت مع سادتها
إجلسي وشاركيني طعامي
كيف ذلك يا سيدي أنا لخدمتك ورهن إشارتك
وهل الذي يخدم لايأكل ، ونظر إليها متمعناً، أمي كانت جارية مثلك ،وكانت  الأثيرة عند أبي
أعادت الجارية حلى ذكرى إمه نابضةً حية
غرست في قلبه عدلاً لكل البشر  ،رواه الجذر، بفيض الحب ،ولفه حضن الحنية،واحاطت به أمواج اللهفة ،ورست على شاطئ الإنسانية
وتفجرالنبع مدراراً، ليغمر حلى بكل ما مثلته أمه، بحنانها وحكمتها

 أمي إبنة الأمازيغ يا حلى ،الذي يضرب بهم المثل ،في القوة والرفعة والصبر، ومنهم تعلمت إن

العروبة ليست فقط دماء ،إنها لغة وثقافة وإنتماء ،أنتي عربية يا حلى ،من يتكلم العربية ويشرب من بحورها هو عربي ، سأجمع في دولتي  الإنسان وليس فقط الدماء
أتعرفين يا حلى كيف وصلت الى هذا القصر ؟بسند مولى رومي ،إفتداني بروحه، وشد أزري بعزيمته وبحماية عشيرة أمي (الأمازيغ)التي أسبغت علي حمايتها وكنت آمنا وأنا بينهم

ومن هذا المنطلق الإنساني الرفيع، أحب الأمير عبد الرحمن، الجارية حلى  ،  وأنجبت منه الأمير هشام الذي تولى الحكم من بعد ه
بدر يتزوج زينب
بدرإبعث الرسل، وأعد العدة ،لكي تأتي زينب،إلينا ، تتزوجها، وتعيش هنا معززة مكرمة
وذهب الرسول الى زينب طارقاً الباب
من؟
رسول يا سيدتي
فتحت الباب ،مستغربة ، رسول !؟
نعم من قبل قائد الجيش سيدي بدراَ
أعرف، بدراً خادماً ،ولا أعرفه قائداً للجيش
نعم يا سيدتي هو الآن قائد الجيش وأمين الأمير عبد الرحمن الداخل
وقد جئت اليكي موفداً من الأمير لكي أنقلك معززة مكرمة الى الأندلس
يا رب السموات والأرض ماذا أسمع أنا في حلم أم علم؟
إسمع أعد عليَّ ما ذكرته
هو ذاك سيدتي
زينب تدخل الى الأندلس في حملة قل نضيرها
ما هذا يا بدر ؟
إنه من بعض فضلك يا زينب
إنه بفضل حبك يا بدر

الأمير عبد الرحمن الداخل يوطد دولته

بعد أن باغت جيش عبد الرحمن الداخل ، يوسف الفهري
 ودخل قرطبة بعد أن إستولى على إشبيليه وكان دخوله لقرطبة بعد معارك وشدائد إنتهت بهزيمة يوسف الفهري، وتوجه الفهري الى طليطلة وأعد جيشاً ولكن النصر كان كذلك لعبد الرحمن وجيشه ولم ييأس الفهري فتحالف مع الصميل ،وكان النصر كذلك للداخل ، فعقد إتفاقاً بينه وبين الفهري والصميل أن يعترفا بإمارته وأن يؤمنهما على النفس والمال و يعيشا في قرطبة، وأن يأخذ إبني يوسف رهينة عنده  ،في حالة أي تمرد منهما، يكون القتل مصيراً للإبنين ،فتم الصلح بين الفريقين ،على أن يفرج الأمير عبد الرحمن عن خالد بن زيد أحد قادة الفهري في مقابل أن يفرج يوسف عن أبي عثمان كبير موالي بني أمية


الفهري ينقض العهد

لم يطق الفهري صبراً فعزم الإستنجاد بقبيلته وعرض على الصميل أن يشترك معه للقضاءعلى الداخل ،فرفض الصميل عرضه لقد عاهدته ولا أستطيع أن أنقض العهد، ولا تنسى إن أبنائنا رهينة عنده ،ولم يبالي الفهري فتزعم جيشاً لإنهاء حكم الداخل
ولكن النصر، كان للإميرعبد الرحمن ، ،وقتل الفهري وإبنه ،وجميع أنصاره ثم قام بقتل الصميل تحسباً من تمرده

هل عزة الإمارة ستنسيه عذابه أم سيحدث ما يشتت عقله وضميره بأن وصلته الأخبار عن تآمر إبن أخيه عبيد الله مع إبن الصميل

هذيل إبن الصميل ينتقم

وكان إبن الصميل يراقب ما يحدث ورأى إن مقتل أبيه كان ظلماً بيناً،وصمم الإنتقام له  مهما كانت الوسيلة ،فقام بتحريض المغيرة بن الوليد فكشفت الخطة فقام الأمير عبد الرحمن بقتل إبن أخيه ،ونفي الوليد الى المغرب

قامت 25 ثورة على حكمه الذي إمتد 33 عاماً،أخمدها كلها ،
وإستقرت إمور الدولة له،وهنا لنا وقفة بغاية الأهمية 

ترى ماذا 

يحدث في العراق ؟

ماذا يحدث في العراق –الأنبار- شيدت بغداد في 142 هج

أبو جعفر المنصور ثاني خلفاء العباسيين وموطد دولتهم يرقب ما يحدث في الأندلس ويتميز غيظاً كيف لهذا أن يصنع كل هذا،
ترى كيف يكبح جماح هذا الشيطان الذي يكبر ويمتد فأخذ يفكر بحملة يقضي فيها عليه ويلحقه بأهله ،

فجند حملة كبرى بقيادة

العلاء المغيث اليحصبي

عبد الرحمن وقد أخذ منه الغضب،وثارت في عروقه دماء الثأر والإنتقام

أجاؤا إلى هنا ؟،يلاحقونني ؟،إذن سيكون حتفهم ،سيرون كيف يكون إنتقامي لإهلي وأجدادي،وسأريهم كيف يكون الموت أرحم لهم من حياتهم

وهنا كانت المعركة الفاصلة التي إنتصر فيهاعبد الرحمن الداخل،على جيش العباسيين وألحق بهم هزيمة شنيعة وقتل الأسرى الذي بلغ عددهم أكثر من سبعة ألاف، وقطع رأس أبي العلاء المغيث اليحصبي، قائد جيشهم وأرسله في صندوق الى الخليفة أبو جعفر المنصور،(وقد حشي الرأس المقطوع بالملح والكافور)
،وكانت صدمة المنصور وحزنه كبيراً (الحمد لله فصلنا البحر عن هذا الشيطان) أي قوة لهذا الرجل ، كيف تركناه يبني دولته؟

نموذج آخر من البشر

فيبادرأحد إخوته ؟،رعاك الله يا خليفة المسلمين، إنه يرد لنا الصاع صاعين ، أما يكفي ما عملنا بأهله وعشيرته ،ونسينا إنهم أبناء عمومتنا،أخرجناهم من القبور ونبشنا اللحود ، ألم نكتفي بعد كل هذا،نوجه عدائنا وإنتقامنا الى عبد الرحمن ، إنظر لإبي مسلم الخراساني ماذا يعمل في خراسان؟ونحن نصمت عنه ،ألم تصلك أخباردعوته ،بإنفصال خراسان عن دولة الخلافة ،والبقية سوف تأتي ، أليس أبناء عمومتنا  أحفاد عبد مناف ،أرحم من هذا، الذي يستعلي علينا ،وحلمه أن يعيد دولة فارس ،ونكون لهم خدماً وأتباعاً، أليس كذلك ؟أستحلفك بالله أن تكف حربك عن عبد الرحمن

صقر قريش اللقب الذي إستحقه الداخل

وفي مجلس المنصور،وقد إنعقد بكامل هيئته ، تسائل أبو جعفر المنصور
من هو صقر قريش؟

فأجابته بطانة النفاق أنت يا أمير المؤمنين وتعددت الإجابة،
كل من ذكرتم ،لهم عصبة وجانب  ، وهو بدون عصبة ،صقر قريش هو عبد الرحمن الداخل الذي أسس دولة من العدم ،خاض الأهوال وحيداً شريداً وها هو أميراً جليلاً
عبد الرحمن الداخل يبني ويشيد في قرطبة وأبو جعفر المنصور يبني  مدينة بغداد،كيف لهاتين الدولتين أن بدأت بسفك الدماء، أن تبني كل هذا العز و العمران


رصافة الشام تنبت زاهرة في الأندلس

أتذكر يا بدر عندما قلت لي( ستعيد رصافة جدك هشام في الأندلس!)
وهل هذا ينسى سيدي؟

حلا إحزمي أمرك سننتقل من هنا الى هناك!

إنظري يا حلا هذه رصافة جدي هشام

حلا مبهورة

وقد إمتدت أمامها الحدائق الغناء،وأزهرت الزهور والرياحين وفاح الياسمين الدمشقي ينشر عبيره ،عناقيداً من العذوبة والرواء،وفواكه الغوطة، وقد أثمرت أشكالاً وأنواع،وعرائش العنب تغطي غابات التين ،والزيتون  وإمتدت أشجار المشمش كأنها قناديل تضئ عتمة الليل،وتشع تبراً بالنهار، وترنمت النوافير ،عزفاً لمياهها، تغمر الروح، لم ترى الأندلس على إمتداد تاريخها أجمل من هذا البهاء وأروع من هذا الجمال

سيدي لقد حققت أملك

عبد الرحمن الداخل والنخلة
الشريد – الهارب-القائد – الأمير ثم الشاعر

وفي خلسة من الزمن يسحب عبد الرحمن الداخل نفسه وروحه ،ليختلي بنخلة وحيدة قد نبتت في الصحراء ويرى نفسه وقلبه وذكرياته فيها، يناجيها
يبثها ألامه ،يشتكي اليها شوقه ،الشوق الى الشام، الذي لم يستطع كل هذا العزأن يمحيها من قلبه ووجدانه،

وجادت قريحة الداخل وهو يرقب نخلته

تبدت لنا وسط الرصافة نخلة- تناءت بأرض النخل عن بلد النخل
فقلت شبيهي بالتغرب والنوى-وطول التنائي عن بني وأهلي
بأرض إنت فيها غريبة –فمثلك في الإقصاء والمنتأى مثلي

يا سعوف النخلة ، إفردي ظلك لتواسي الغريب،ويا نثر الطلع إنشر رحيقك، ليلطف قلب الشريد ويا تمرة الحنين إسبغي من عسلك ،حلاوة، ليشفى قلب الجريح،ويا جذع الخير إغمر غرينك بلسماً لروح الأمير
فهل سيظل في قرارة نفسه شريدا، ويبقى غريباً، أم عزة الإمارة ستنسيه غربته


الأمير عبد الرحمن الداخل وبدر قائد الجيش

عندما حدثت موقعة أبو العلاء اليحصبي ، وأمر عبد الرحمن، أن يقتل الأسرى والبالغ عددهم أكثر من سبعة ألاف
تقدم بدراً يناشد عبد الرحمن
أستحلفك بالله يا أبا سليمان أن لا تقتلهم
لا تراجعني يابدرلم أعتد عليهم ، هم جاؤا ليقتلونا ،ولو ظفروا بنا، لعملوا فينا كما عملوا بأهلي وأكثر،ليعرف ،أبوجعفر قوتنا وعدتنا،
هنا كان الخلاف الأول الذي نشب بين الأمير وقائد جيشه
زينب تسأل بدراً
ألست صديق الأمير وقائد جيوشه
لماذا لا تحاول أن تكلمه عسى ما بينكما من ود أن يزيل من نفسه ما يكدرك ويكدره
فيرد بدر
لم أعد الصديق الوحيد،يا زينب ،حوله الأصدقاء والمستشارين من كل حدب وصوب
ولكنك تختلف عن كل هؤلاء!
كنتُ يا زينب ، ،ولكني الآن واحداً منهم،إذا لم أكن أقلهم
وتكررت المواقف عند قتل الأسرى في كل موقعة،ينتصر فيها الداخل ،يطلب منه بدراً العفو عنهم وحاول بدر أن يعفو الأمير على إبن أخيه 
ويرفض الداخل ، لاتراجعني يابدر ،لم نعتدي جاؤا الى حتفهم بإرادتهم وتخطيطهم
قلب بدر الرحيب وفطرته الحية ،غرس الله في قلبه حب الخير ،قائداً للجيش،ولكنه يأبى سفك الدماء،هذا المولى منحه الله العلي القدير حباً للبشر وتقديراً للنفس الإنسانية
وهنا أسند الأمير عبد الرحمن قسماً مهماً من وظائف الدولة ومهماتها الى من يثق بهم وإعتبرها بدر إهمالاً له،وكان عتابا وإحتجاجاً من بدر،وإعتبرها ،الداخل تجاوزا لهيبته وسلطانه

أراك لا ترضى ،فماذا تريد،؟ أتقاسمني سلطاني؟
حاشا لله ،ولكن ، أن أتساوى معهم
وانت ألم تتساوى معهم ؟
لي دور ومقام ،أكبر من دورهم،ومقامهم
إلهذا الحد تستهين، بما يأمر ويقرر أميرك ومولاك
وإذا كنت يا بدر، تُذكرني، فتعال لأُذَكرك،
كنتُ في دولة أجدادي أميراً، وتركتها أميراً ،وتعقبني بني العباس لإني الأمير الذي يخشون من وجوده ،وأنا الآن أميراً، والمعنى إذا غَفلت عنه أوضحه لك
وأنتَ يا بدر ،ماذا كنتْ؟
خادماً ، تركت دمشق خادماً ،وسرت معي في دروب الرحلة خادماً، ودخلت الأندلس خادماً ،و الآن أنت قائد الجيوش ،الذي يرتجف له الأعداء، ويهابه أهل البلاد ،يدخل في تبجيل وإحترام، وتنحني له الرقاب ، هنا يا بدر، من هو الفائز؟ أنا أم أنت ؟
يخرج بدر، هائماً حائراً، ، وفي نفس الوقت الذي خرج فيه  بدرمن مجلس الداخل يرتجف، ،دخل عمه، عبد الملك بن مروان، وأخذ يحرضه على بدروينصحه، أن يقيله من منصب، قائد الجيوش، لإنه الآن مجروح ،فماذا تتصور إلا أن يألب عليك الجيش
وأشتغل الوسواس ،في صدر الداخل
قاتل الله السلطة، لا تقبل شريكاً، وينحدر من أعلى القمة، من يزاحم بطلها ،والذي يعتبر نفسه صاحب عزها وقوتها،
وأستولت الهواجس على عقل الأمير وزادها من زادها ،وأضرم نارها من له مصلحة بها

الأميرعبد الرحمن يعزل بدر من منصبه

وفي صباح يستعد فيه بدراً للذهاب الى ديوانه ،شعر بسكون تام خارج قصره،فخرج يستطلع
إنظري يا زينب أين الحرس؟،لقد إختفى الحرس ،مذهولاً،صارخاً، عزلني من قيادة الجيش، وخرج يهرول الى ديوانه فمنع من الدخول ، وجرى لملاقاة الأمير فمنعه الحرس من ذلك
إحتضنته زينب عارفة بإن مرارة فراقه للإمير صعبة الإحتمال، سأحاول عسى أن يلين قلبه
ولكن سعي بدر كان  مستحيلاً، وأمله شحيحاً ضئيلاً
يا للمصيبة ، بكى بدر ، الطود الشامخ يبكي ،الصامد الذي يضم صدره براءة الندى، يذرف الدموع مدراراً ، وهو يتذكر رحلة المجهول التي عاشاها سوية ،
 كيف إستطاع أن ينسى وهل الذي بيننا ممكن أن ينسى،أهانت عليه العشرة والأيام المستحيلة

هانت عليه ،إنتبه، فأنت على وشك، أن تهون على نفسك، وتبذل عزتك ،عرفتك نبيلاً، وأنتم في مصر ،لافرق بينك، وبين أميرك ،فشد من عزمك وأحسم أمرك،إتركه، إستعطافك له، يزيده عناداً وانا معك لاأفارقك،
وهنا قرر بدر
 وزينب الهجرة خارج قرطبة في قرية أخذوا يزرعون ويأكلون محصولها

الداخل ورحلة حياته

بعد كل هذا هل،إستتب الأمر للداخل ؟، وفي يوم وهو جالس أمام النخلة ،يكلمها ،الحمد لله الذي خلقك نباتاً ،مزهراً مثمراً وليس إنساناً ، لإشعر بالإمان ،وأنا معك،على يقين بإنك لن تخذليني سأحتمي بسعوفك وأتدفئ بفسائلك وأنا آمن ومطمئن ،ولا أريد إلاحلاوة تمرك
 إستعاد أحداث حياته ورأى نفسه وبدراً في رحلتهما الإسطورية ، التي كانت أقرب للخيال منها للواقع
مرت الأحداث أمامه، مع بدر متتالية ،من الشام الى مستقرها في الأندلس ، فهفه الشوق إليه، والحنين أن يراه ويكلمه، فسارع يركب فرسه ،وتوجه إليه مستطلعاً، فرأه جالساً يفكر ،

إلتفت بدر فرأى الأمير عبد الرحمن أمامه

إعذرني سيدي لا أستطيع القيام لأرحب بك
أين زينب ؟،فأشار بدر الى شاهد قبرها
أه يا بدر هل تذكر رحلتنا ؟
وهل هذه تنسى سيدي؟!
سأصدقك القول يا بدر، بعد كل ما رأيت ،لم تبقى لي ضغينة ،على بني العباس ، السلطة يا بدر أما لهم أو لنا ، وإستعمل كل منا وسائله للوصول إليها ،والتربع فوق قمتها،وأرى وسائلنا قد تشابهت وتماثلت،جئت الى الأندلس، أحمل وصية خالتي، فلم أستطع تنفيذها، فأنا أما قاتلاً أو مقتولاً
الملك عقيم
هل تعرف يا بدر من أطلق هذا القول
إنه جدي الخليفة عبد الملك بن مروان وذلك حين أتاه مقتل أعز أصدقائه مصعب بن الزبير
 ( إن قلبي يتمزق ألماً على مصعب ولكن الملك عقيم )، هل رأيت يا بدر نار هذه السلطة المحرقة،التي تحرق أعز الناس وأقرب الأصدقاء ،وحتى الأهل والأقرباء، لهيبها يشعل القلب ولا تجد دموعاً تطفئها ،لإن الدمع يكون قد جف،وأبتلعه الكبرياء
فيرد بدراً
وأنا يا سيدي أغبط، أبو سلمة الخلال، وأبو مسلم الخراساني، ما أسعدهما في مقتلهما،سيكتبه التاريخ لهما وهما قائدان ، أما أنا فسيذكرني التاريخ المولى بدر أو الأمير وخادمه ،

قل بلله عليك لماذا لم تقتلني؟

لم تجرم فأقتلك أخطئت فعاقبتك ،
 وهل كان عقابك على قدر خطئي؟
في وقتها نعم
والآن؟
جئت لكي أرجعك معي الى قرطبة
لا يا سيدي لاأستطيع أن أترك زينب في وحشة هذا المكان وحيدة، كيف لي أن أتركها؟ولقد تنكر لي الكل ،وبقت معي تواسيني ،وتحمل عني عبئاً ،كبيراً من أحزاني

وإمتطى الداخل فرسه وتوجه الى نخلته يحتضنها

أيها الركب الميمم أرضي

أيها    الركب    الميمم    أرضي        أقر  من  بعضي  السلام    لبعض
إن  جسمي  كما  علمت   بأرض        وفؤادي      ومالكيه       بأرض
قدر     البين     بيننا      فافترقنا        وطوى البين عن جفوني غمضي
قد   قضى   الله   بالفراق   علينا        فعسى  بإجتماعنا  سوف    يقضى

ولد عبد الرحمن الداخل في 113 هجرية 731 - ميلادية وتوفي في 171 هجرية -788 ميلاديةعاش 19 سنة في دمشق والعراق و6 سنوات هاربا ومختفيا  ومخططا و34 سنة في بلاد الأندلس**أسس أول إمارة في قرطبة سنة  138 هجرية في 756
*المولى بدر،يكنى بأبو النصر وكان شجاعاً داهية  ومن أعلام الوفاءوالفروسية يتقن الحكمة ويمتشق السيف
ذكرى الداخل في إسبانيا
في سبتمبر القادم من العام الجاري 2015 ستمرّ 1227 سنة على رحيل عبد الرحمن الداخل الملقّب بصقر قريش، (وُلد عبد الرحمن الداخل في دمشق  مارس731، وتُوفّي في قرطبة، سبتمبر788م
. الشخصية التاريخية الفريدة في تاريخ الأندلس على إمتداد العصور والدهور، فمثلما نحتفي نحن بهذه الشخصية العربية الإسلامية التي لعبت دورا حاسما في إقامة أركان صرح الدّولة الإموية، وبناء الحضارة الإسلامية فى الأندلس، كذلك يحتفي به الإسبان على إختلاف مشاربهم من دارسين، وباحثين، ومؤرخين، وساسة، وشعراء،ومفكرين ، وسينمائيين ،فها هو ذا تمثاله أو مجسّمه الشامخ يرتفع فى الأعالي، فى عنان الفضاء الواسع على ساحل مدينة المنكّب الإسبانية – حاليا يُطلق عليها الإسبان إسم ألمونييكر- يبلغ طول هذا المجسّم تسعةَ أمتار، وقد رُفِعَ على أكمة فى نفس المكان الذي وطئ فيه عبد الرحمن الاوّل أديمَ هذه الجزيرة المحروسة سنة 138هـ= 755 م .
لهذه الشخصية الفذة، لهذا الصقر القرشي الفريد بشبابه ، وبعد نظره الثاقب، وبحكمته البليغة وطموحه المبكر، حظوة كبيرة خاصة لدى الاسبان، كتابا ،وشعراء، ومسؤولين بل ومواطنين عاديين، وقد صدرت بشأنه في إسبانيا عدة كتب ودراسات، وعُقدت حوله الندوات واللقاءات في مناسبات شتى، هذه الشخصية التي استحوذت على قلوب الاسبان، توّج إعجابهم الجماعي بها بإنتاج فيلم سينمائي مطوّل كبير حول حياة هذا الأمير الأموي الهارب من بطش بني العبّاس الذي هيأ لي القدر فرصةً رؤيته والإستمتاع به به مؤخرا فى نسخته الإسبانية ، وعلى الرغم من أن الفيلم حقق نجاحا منقطع النظير
،إلاّ أنه لم يحظ بكبير إهتمام حتى الآن فى البلدان العربية ،ترجمةً أودبلجةً، أو توزيعا أو تعريفا ،أو إنتشارا أو ذيوعا.
و ” المنكب”… التي نزل بها عبد الرحمن الداخل مدينة ذات إسم عربي فصيح، تسمى اليوم فى اللغة الإسبانية ” ألمونييكر” وهي ثغر جميل يقع على بعد 80 كلم من مدينتي مالقة و من غرناطة، و أوّل ما يثير الانتباه في هذه المدينة ويفاجىء زائرها ،عربياً كان، أم أمازيغياً أم أجنبياً ويملأه فخراً، واعتزازاً،وإعجاباً هو تمثال عبد الرحمن الداخل ( صقر قريش) الذي ينطلق شامخا في عنان الفضاء بمحاذاة شاطىء البحر الأبيض المتوسط، في عين المكان الذي نزل فيه أرضَ إسبانيا، ووطئ أديمها. و قد تمّ تنظيم العديد من التظاهرات الثقافية بهذه المدينة فى تواريخ متفاوتة ،ومناسبات شتّى حول فنّ العمارة في الأندلس بشكل خاص، والطبّ الأندلسي فضلا عن لقاءات أخرى عديدة حول الشعر والأدب والتاريخ إلخ، والتي تشرّفتُ بالحضور فيها، والمشاركة فى فعالياتها ،وأعمالها فى العديد من المناسبات
صفات الداخل
وصفه بن حيان الأندلسي بأنه راجح العقل، له دهاء بني أمية ولينهم، وقوتهم ،عند الحاجة،لايعرف الراحة قليل الطمأنينة، ،محسناً ،سخياً، يأكل مع الناس وطيلة حياته لم يأكل لوحده ويدعو من كان موجوداً بجانبه يستشير ويفكر بالإستشارة،شاعراً حمل في صدره حزناً وألماً لم يفارقه
أعمال الداخل
-إنشاء جيش قوي-إعتمد فيه على أهل البلاد (المولدين –وهم أهل الأندلس الأصليين وأعتنقوا الإسلام وأحبوا عقيدته) ثم الموالي(موالي بني أمية)-جلب الصقالبة –(أطفال من المسيحين إشتراهم من أوروبا ورباهم تربية إسلامية)فأعتمدفي جيشه على كل الفصائل والقبائل الموجودة على أرض الأندلس وضم الفصائل العربية وحاول قدر الإمكان أن يتغلب على النزعة القبلية التي كانت السبب بإضعاف الأندلس بعد الفتح الإسلامي في 92 هج بقيادة طارق بن زياد-ووصل تعداد الجيش الى مائة الف فارس بالإضافة الى أربعين ألف لحرسه الخاص(الجهاد المستمر لإرباك العدووكانوا يجاهدون بالصيف حيث يذوب الجليد وتسمى الجيوش( بالصوائف)وكانت أمراً ثابتاً يتناوب عليه قادة الجيش ويسمى الآن في العلوم العسكرية الحديثة بالهجوم الإجهاضي المسبق
-لعلمه بخطردولة ليون في الشمال الغربي من الأندلس وفرنسا في الشمال الشرقي فبدأهذا الرجل العجيب ،في تنظيم الثغور الملاقية لهذه البلاد ،ووضع جيشاً على كل ثغروأنشأ الثغر الأعلى (سرقسطة-لمواجهة فرنسا)الثغر الأوسط(من مدينة سالم الى طليطلة)الثغر الأدنى (في مواجهة دولة ليون
-بناء مسجد قرطبة الذي يعتبر جامعةبحد ذاته وجلب الكتب والمخطوطات وعمر دور للكتب
-بناء الرصافة التي جلب لها المزروعات من الشام ومن كل العالم والتي لم تكن الأندلس تعرفها
-دار لسك النقود
-إهتم بالإنشاء والتعمير وبناء الحصون والقلاع والقناطر وربط أول الأندلس بأخرها
- دار للإسلحة وإسطول بحري وإنشاء أكثر من ميناء(طرطوشة وماريا وإشبيلية وبرشلونه)
يوسف الفهري –هويوسف بن عبد الرحمن الفهري ويرجع نسبه الى فاتح الأندلس عقبة بن نافع الذي بنى مدينة القيروان في عهد معاوية بن أبي سفيان
تحالف مع الصميل ضد الأمير عبد الرحمن وفي 10 ذو الحجة 138 هج قامت المعركة التي إنتصر فيها عبد الرحمن الداخل(معركة المصارة)
من أوراق الدكتور بشير عليية،حول عبد الرحمن الداخل
كما ذكر برونسفال نقلا عن الموسوعة الإسلامية ومجموعة "دوزي"و"المقري"وإبن الخطيب  فإن الداخل هرب مع بدر الى مصر ومنها الى برقة والى قبيلة نفزة التي لها إمتداد في المغرب ،ثم واصل الى تونس وخاف واليها حبيب الفهري من إلتفاف الناس حول الداخل فأراد التخلص منه فرجع الى أخواله وبقي لمدة أربع سنوات،وأنتقل الى قبيلة مكناسة في الجزائر ومنه الى المغرب في حماية قبيلة نفزة (أخواله)ومنها الى حصن قائد جند الشام عبد الله بن عثمان في مدينة طوريكس وواصل زحفه الى أشبيلية ومنحه أهلها الولاء ،ثم واصل الى قرطبة،ومما يذكر له إنه منع من نهب المدينةوحمى حريم يوسف الفهري من السبي

نظرة على أعمال الداخل
راجح العقل ،شديد العزم،راسخ الحلم
لم يبادر الداخل أحداً بالعداء ،ولكنه لم يكن متسامحاً مع الخطأ حتى ولو كان بسيطاً ،أما تصديه للثورات فكان عنيفاً ،مقاتلاً ، يقضي على أعدائه قضاءاٍ مبرماً ، ويقتل الأسرى ولايبقى على واحد منهم، وعندما تآمر إبني أخيه (المغيرة بن الوليد وعبيد الله بن أبان )بمناصرة أبو عثمان والهذيل إبن الصميل ، قتل إبني أخيه ،ومعهما إبن الصميل ، وعفا عن أبا عثمان كبير موالي بني أمية لسابق فضله على الداخل
أما الثورات التي حدثت في عهده البالغ ثلاثة وثلاثين عاما فكانت خمسة وعشرين ثورة لا يكاد يقضي على واحدة حتى تلاقيه أخرى ورد حملة شارلمان وعجزعن رد المدعي شقيا عبد الواحد بإنه سليل النبي ومن ولد فاطمة ، فذاعت دعوته بين البربر في شمال شرق الأندلس ومن عادات البربر بإنهم ينقادون لأي من يظنون إن له كرامات،فعظم أمره وفشلت جميع المحاولات لقهره وإستمر لمدة عشر سنوات يضم اليه الأنصار ،ولم ينتهي شقيا وسحره الى أن كشفه أنصاره وقتلوه
عند بناء جامع قرطبة الكبير أراد الداخل توسيعه فأضطر الى إستملاك البيوت التي تحيط بالجامع وهنا تظهر حكمة الداخل،فأخذ بزيارة أصحاب البيوت والتفاوض معهم ،وإرضائهم بالسعر الذي يطلبوه بل يضاعفه لهم ،ويحكى إن مالكة بيت طلبت بيتاً أمامه نخلة فأمر بذلك فتم تجهيز بيتاً بنخلة لإرضائها قائلاً لا نأخذ أملاك الناس بالخسف ولا بالقوة
يشبه عبد الرحمن الداخل أسلافه في تمثل دمشق في كل شبر في الأندلس وجاء في نفح الطيب إنه حتى قادة جيوش الأمويين يتمثلون دمشق ،فعندما وصل موسى بن نصير  الى سرقسطة وشرب من مائهاإستعذبه ، قائلاً هذا نهر جلق وهذه غوطة دمشق وهذه بساتينها
المصادر
أوراق الدكتور بشير عليية
صقر قريش /سيمون الحايك
دولة الإسلام في الأندلس /عبد الله عنان
صقر قريش /كرم ملحم كرم
مسلسل صقر قريش /الدكتور وليد 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق