وهنا لابد ان نستعرض جانبا من العلاقات المصرية السعودية بعد ثورة
يوليو لتكون إشارة لما جرى
بدأت العلاقات المصرية السعودية بعد ثورة يوليو كإنها تسير في
إتجاه معقول وتبودلت الزيارات فيما بين البلدين وقد سأل الملك سعود جمال عبد
الناصر في إحدى الإجتماعات
طال عمرك كيف تنصحنا بترتيب أوضاعنا في المملكة فبدا عبد الناصر
محرجاً ولكن الملك سعودرجاه أن يتكلم بدون قيود
وشرح لهم عبد الناصرفكرته بقدر ما رآه ملائما
إن أهم شئ في نظره هو العدالة الإجتماعية وعلى قدر ما تسمح
ضروفكم تجنب تكدس الثروة في طبقة معينة وحرمان بقية الشعب منها
وإستمرت العلاقات بصورة جيدةولكن كيف لإمريكا والقوى الأخرى أن
ترضى بهذا التقارب وكيف يهنأ لهم بال والعرب قد ساروا في طريق يختلف عن أهدافهم
وتقاربهم سيهدد شغلها الشاغل إسرائيل
وحبكت الخطط لكي تفرق بين
مصر والسعودية
وجاء الفصل الفاصل
وفي خضم الأحداث التي
مرت لإعلان الوحدة بين مصر وسوريا أستفزت الأطراف التي شعرت بإن ذلك يمسها ولايمكن
السكوت عليه فمجرى الأحداث سيجرف نظمهم ويهدد على الأقل إمتيازاتهم
يذكر محمد حسنين هيكل
في كتابة سنوات الغليان ما يلي
تواردت أنباء عن مقابلة
الملك سعود في بادن بادن لبعض المصريين من رجال العهد الملكي السابق وإنهم عادوا
الى بيروت وأخذوا يتحدثون على إمكانية التغيير في مصر
وفي زيارة للملك سعود
الى عمان تلقت القاهرة معلومات عن قول للملك سعود إن الجماعة في مصر(مصبحين أو
ممسين)
وطلب ضابط مصري هو
العقيد عصام خليل مقابلة عبد الحكيم عامر ذاكراً له بأن أحد أقاربه وهو من أنسباء
الأسرة المالكة حاول تجنيده لإقامة إنقلاب عسكري في مصر وسلمه مبلغ 162000 جنيه
إسترليني وقام الضابط بتسليم المبلغ الى عبد الحكيم عامر ،فإنكشف السر وأحسوا في
السعودية بإن القاهرة تعرف كل شئ
وطار الشيخ يوسف
ياسين مستشار الملك سعود لينفي الأمر كله وإن الملك لادخل له في الموضوع وعرض
عليه جمال عبد الناصر وثائق العملية فرأى الشيخ يوسف ياسين إن هذاالأمر أكبر من أن
يعالجه فرجع الى السعودية وجاءالأمير فيصل ولي العهد محاولاً بكل طريقة نفي علاقة
الملك ولكن الحقائق كانت واضحة فرجى الأمير فيصل عبد الناصر أن لا يثير الموضوع
علانية وإنه سيرجع الى المملكة لمعالجة الأمر مع الملك سعود ،ولكن يا سيادة الرئيس
هل إنت مستعد لمقابلته فرد عبد الناصر بكل تأكيد أذهب إليه في السعودية بشرط أن
تكون معنا وسافرالأمير فيصل الى السعودية ولم يسمع منه عبد الناصر شيئاً ولكنه سمع
من الملك سعود نفسه
بإن تتم وحدة عربية بين
العراق والسعودية والأردن وسوريا ويكون عبد الناصر هو المتصرف الوحيد فيها
وبدا لعبد الناصر إن
الملك سعودحائراً ومحرجاً ولكن الملك سعود لم يكن حائرا ولا محرجاً كان يعمل بكل
طاقته لهدم الوحدة
تم الإستفتاءعلى الوحدة
وأنتخب جمال عبد الناصررئيساً
وصل جمال عبد الناصر
الى دمشق في يوم 24 فبراير 1958 وبدأت الجماهير تزحف بأمواج من البشر لاتخطرعلى
بال إنسان وأطل عبد الناصرعلى الجموع عدة مرات، ثم دخل ليرتاح قليلاً وكان معه عبد
الحميد السراج
السراج -هناك أمراً في غاية الأهمية أريد أن أعرضه
عليك
عبد الناصر - ألا ينتظر
للصباح
السراج - أعرف مبلغ
إرهاقك ولكن الأمر لا يحتمل التأجيل
عبد الناصر - هل يضايقك
أن اسمع وأنا مستلقي على السرير
السراج - سيدي أريدك أن
تستريح ولم أكن اشغلك لولا خطورة الموقف
ثم راح السراج
يروي تفاصيل ما لديه وهو يخرج مجموعة من الأوراق ويضعها على مائدة بجوار السرير
إن الملك سعود له صهر
إسمه أسعد إبراهيم والملك متزوج من إبنته التي أنجبت إبنه خالد،وبواسطةوسيط
عرض علي مبلغ مائة مليون جنيه إسترليني إذا قمت بإنقلاب يحول دون الوحدة وقبل الإستفتاء
وعرضوا أن يدفعوا عشرين مليون جنيه مقدماً على أن يدفع
الباقي عند نجاح العملية
نهض جمال من فراشه وأخذ
مقعداً في مواجهة السراج وأخذ يقرأ الأورق التي أمامه والسراج يسترسل في سرد
الأحداث وإن الملك سعود أرسل الشيك على حساب في البنك العربي وتم تحويل المبلغ الى
حسابي في سويسرا وهذه هي كل المستندات وليس هذا فقط ولكن هناك تفاصيل لعملية
ثانيةبديلة بضرب طائرة عبد الناصر في الجوإذا جاء الى دمشق بعد الإستفتاء
وطلب عبد الناصر من
السراج أن يروي ما حدث أمام شكري القوتلي ،وضرب القوتلي كفاً بكف مردداً لا حول
ولا قوةإلا بالله
وبعد أقل من ساعة كان
جمال عبد الناصر في شرفة قصرالضيافة في دمشق يروي للجماهير المحتشدة،في ساحته
والمزدحمة حتى سفوح جبل قاسيون تفاصيل القصة وأسرارها ولم تسمعها الجماهير وحدها
وإنما وصلت الى كل الأمة العربية ،والى أركان الدنيا بما فيها السعودية وأمريكا
رد الفعل في السعودية
وكانت بمثابة قنبلة
إنفجرت في الرياض وهرع بعض من الأمراء الشبان الى القصر الملكي فإذا الملك في
المدينة المنورة ، وكان الأمير طلال* هو أول من تمكن من الإتصال بالملك ودعاه لكي
ياتي إليه في قصره في المدينة المنورة ودخل الأمير طلال وكان مع الملك نائب
الأميرللمدينةعبد الله السديري وسأله الأمير طلال إذا كان قد سمع ماقيل في دمشق
ورد الملك هل صدق
أهل المدينة ما قاله الحاسدون في دمشق ،وسكت نائب أمير المدينة وكان صمته
جواباً
وأحس الأمير طلال بأن
الملك يراوغه فقال له منفعلاً
بالله يا طويل العمر،أن
تبيض وجوه آل سعود لو تركنا ما أذيع بدون رد لسودت الفضيحة وجوهنا ،ونحن لانمثل
فرداً او إثنين ونحن خمسة آلاف من آل سعود وتصنع الملك إبتسامة ثم قال لطلال(إبشر
إبشر ما يخالف لا تنزعجوا)وفي الصباح قصد الملك الرياضونزل في مطار خاص ودعا مستشاريه ولم يكد المجلس ينعقد حتى دخل
عم الملك الأمير عبد
الرحمن بن سعود ويعتبر عميد الأسرة السعودية ، وقد ساد الصمت
المطبق إلا من جملة يرددها الملك لكل واحد كيف حالك كيف حالك
ونهض الأمير عبد
الرحمن واقفاً يقول للشيخ يوسف ياسين مستشار الملك( الى أين تذهبون بآل
سعود يا يوسف الى الأرض الحضيض أو الى جهنم والله) قالها وأنصرف
وصدر عن الديوان الملكي
بياناً (إن جلالة الملك اصدر قراراً ملكياً بتكوين لجنةللتحقيق في الأمر وسوف
تنشرالحكومة نتيجة هذا التحقيق )وأعتكف الملك في منزله لا يقابل أحداً ولا يأذن لإحد بالدخول عليه
وكان كبش الفداء البنك
العربي الذي أتهم من قبل الديوان الملكي بإنهم لم يراعو السرية في تحويلات المبالغ
ومن ثم إستدعى الملك الأمير فيصل وخوله كل
سلطات الملك الدستورية وفي النتيجة الأخيرة من هذا الفصل تنازل الملك سعود للأمير
فيصل عن الحكم ،ومن المفارقات التي حدثت بعد ذلك إختيار الملك سعود القاهرة ليعيش
فيها وقبل عبد الناصر ذلك
*تفاصيل ماحدث بين
الأمير طلال والملك رواها الأمير طلال الى جمال عبد الناصر شخصياً وبنصوصها
الكاملة مودعة في أرشيف
منشية البكري وبخط السيد سامي شرف
أمريكا بعد سماعها
الخبر
وكان إيزنهاور في واشنطن يتابع ما
يجري في المنطقة وكانت التصرفات المفضوحة التي إنكشفت بتلك الصورة صدمة لإيزنهاور
لإنه كان يخطط لتحالف يواجه الجمهورية العربية المتحدة ومعلقاً على فشل ذلك
(كان المفروض أن تتم
هذه الخطوات بطريقة سرية ومحكمة وليس بهذه السرعة والتخبط)وكان ايزنهاور يتمنى
دائما بأن يتحالف عبد الناصر معهم وطبعا وفقا لشروطهم
ومن الناحية الأخرى عرف
عبد الناصر بما لايترك مجالاً للشك بإن الرد على ماحدث سوف يأتي له سراعاً
العالم العربي بعد
سماعه الخبر
كان وقع الخبر، شديداً
في العالم العربي الذي مثل لهم هذا الموقف ،إعتداءا على مشروعهم متمثلاًبإبنهم البار
الذي إدخروه لإيامهم القادمة، وأملاً لهم ، لتشرق شمسهم من جديد ،لوطن أفضل بإرادة
حرةووطن تقام فيه أسس العدالة الإجتماعية ، في مجتمع الكفاية والعدل
وهذا فصل واحد للعلاقات
السعودية المصرية في عهد عبدالناصرلتوضح ما جرى بعد ذلك وتبعتها فصولاً اخرى لم
تهدأ ولم تسكت إلابرحيله ، و لم يسكتوا حتى بعد رحيله ،والهدف كان بكل وسيلة كسر
مشروعه وجاء خليفته السادات ليبدأ عهداً جديداً ومختلفاً كل الإختلاف فقد أصطفت
السعوديةمع أمريكا لمساندته وبكل طريقة
وهنا
لابد من إلقاء نظرة على محاولات السعودية نشر المذهب الوهابي في مصر منذ أيام
الملك محمد بن سعود لنلم بالصورة كاملة
إلتقاء
المحمدان
عند
إستقرار محمد عبد الوهاب،في الدرعية إلتقى بمحمد بن سعود وسمي (إلتقاء
المحمدان)وكان هذا اللقاء بتوصية وتشجيع من زوجة محمد بن سعود (هذا الرجل
ساقه الله لنا وهو غنيمة فإغتنم ما خصك الله به)وهذا كان بداية المشوار
السعودي الوهابي في المملكة ثم إنتشاره الى مصر
يشير
الكاتب صبحي منصور في كتابه جذور الأرهاب في العقيدة الوهابية السعودية والإخوان
المسلمين
كالآتي
وتتلخص هذه الرؤية فى التمسك بالأيديولوجية الوهابية والتسلل بها
إلى مصر لتكون مصر عمقاً استراتيجياً للدولة السعودية، وتستطيع من خلالها السيطرة
على العالم الإسلامى. وكانت النتيجة نجاح عبد العزيز آل سعود فى تحويل التدين
المصرى القائم على التسامح حتى فى العصور الوسطى إلى تدين وهابى متشدد فى عصر
حقوق الإنسان.
ونأتى للسؤال التالى، وهو كيف
تم هذا التحول؟
فى الوقت الذى كان فيه عبد العزيز وآله
لاجئين تحت رعاية آل الصباح فى الكويت كان الإمام محمد عبده فى مصر يعلن
تطليقه للسياسة والثورة وتفرغه للإصلاح الدينى والفكرى، واعتبر التصوف خرافة
كما وقف موقفاً حازماً من الفقه والأحاديث، واعتبر الأحاديث كلها أحاديث آحاد،
وأعاد للأذهان ما قاله الأئمة المجتهدون فى عصر الازدهار الفكرى. وكان محمد عبده
يأمل فى تأسيس مدرسة فكرية للاجتهاد الدينى تقوم بإصلاح عقائد المسلمين وتسهم فى
تطورهم العقلى والعصرى، وكان هذا اقتناعه بعد تطليق السياسة ولعنها.
ولم يكن محمد عبده يدرى أن حركته سيقوم بإجهاضها تلميذه رشيد
رضا لصالح السعوديين وأيديولوجيتهم السلفية الثورية.
مات محمد عبده سنة 1905، وفى ذلك الوقت كان عبد العزيز قد هرب
من الكويت بأربعين من إخوانه وبهم استولى على الرياض سنة 1902 ثم سيطر على
أواسط نجد سنة 1904. وبعد موت محمد عبده فى مصر ورثه رشيد رضا.
وكانت الأنباء تأتى إلى مصر بانتصارات الشاب ابن سعود ونجاحه فى ضم الإحساء
والمنطقة الشرقية، ثم بعدها فى ضم عسير، وحاصر الشريف حسين فى الحجاز، ثم انتزع
منه الحجاز سنة 1926 ليحتل ابن سعود بعدها موقعاً متميزاً جفف به دموع
الملايين الذين حزنوا على إلغاء الخلافة العثمانية. ثم قام ابن سعود بإعطاء مملكته
الوليدة اسم أسرته السعودية سنة 1932 بنفس المنهج السائد فى العصور الوسطى
حين يطلق الحاكم على دولته اسمه أو اسم أسرته، كالدولة الأخشيدية والطولونية
والفاطمية والعباسية
ومع
هذا النجاح لابن سعود فقد كان يدرك أن توسعه فى شبه الجزيرة العربية قد أضاف
ألغاماً كثيرة تحت عباءته، فأعدى أعدائه وهم الشيعة يرتكزون فى المنطقة الشرقية،
كما أن الأشراف والصوفية فى الحجاز لا ينسون ثأرهم عنده بعد ما فعله بالحجاز وأسرة
الشريف حسين، وفى الخارج يقف أعداؤه الشيعة الزيدية فى اليمن بعد أن استولى على عسير،
وهناك شيعة إيران والعراق والخليج وهم لا ينسون ما فعله وما سيفعله بالمشاهد
الشيعية فى العراق، عل
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق