الاثنين، 27 أكتوبر 2014

مولانا جلال والتبريزي الجزء الاول


الفصل الأول 

مولانا جلال الدين الرومي وشمس التبريزي لميسون عوني في 24 -2 -2014

إن كنت لاتريدني ..فأنا أريدك بالروح،
وإن لم تفتح لي الباب، فأنا مقيم على أعتابك.
فأنا كالسمكة إذ يلقيها الموج خارج البحر،
لا ملجأ لي إلا الماء
ولا مطلب لي من إياه إلاه.
وإلى أين أمضي .. ولي قلب !؟
وما أنا و جسدي و قلبي إلا مجرد ظل للمليك.
فأنا بك منفصل عن ذاتي ,إن كنت مهدماً ثملا ،
وبك أيضاً يكون وعيي إن كنت واعياً.
ألست فاتن قلبي.. إن كـان قد بقى لي قلــب؟

الشمس ،شحبت ذبلت، ثم ذابت ،نظر مولانا جلال الرومي، متأملاً ،صحواً،أن تشرق ثانية ،ولكن أين شمس إظلمت الدنيا في كبد السماء ،جفت قطرات المطر،  ومولانا ،حائراً ، متيماً ، مدنفاً ، ثائراً
من ذا الذي قال إن شمس الروح الخالدة قد ماتت ومن الذي تجرأ على القول بإن شمس الأمل قدتولت
إن هذا ليس إلا عدوا للشمس  وقف تحت سقف وعصب عينيه ثم صاح ،ها هي الشمس تموت .
لاأحد يا سيدي يتجرأ على القول بأن شمسك قد ماتت وإن أملك قد ذاب فهي في نبض الروح،وفي دفق العروق،ودقات الخفوق ، حنيناً لذكرى لن تموت ، وأملاً متأججا
 مس شغاف الدم ، فأشتعل هياماً ، مس الروح فهدأت تنتظر لقاءا
أذبلها الفراق ، وأحياها، أحرقته شمسها وحن عليه قمرها
مولانا يبكي حنيناً
مرارة الفراق طمرت في الأعماق أملاً أن تذوب مع حلاوة لقاء
1.     ليالي ذبل فيها الشوق ويأس الحلم بعد إشتياق
شمس لماذا إستعجلت الفراق ؟
 لماذا إخترت الوداع؟
إنه رحيل
 وليس وداع
لإنه من الممكن يكون بعد الوداع لقاء
ولكن رحيلك ليس فيه لقاء
أعرف بإنه
كان قدراً محتوما ، ولكنك تعجلت به
حلما ، غفونا لحظات فإيقظتنا من خياله
خطفا، أو خيالا ومض لمحة شهابه
قطرات شحيحة من شمع الشهد سقيتنا مرارته
روح ملائكية ، سبحنا في أثيره ولم نذق حلاوته
 أذقتني طعم اليتم وكدت قدسلوته،قاربت على نسيانه
فأعاده رحيلك علقماً ، غلبني صبره ،طال ليله وتعتمت شمس نهاره
كأنك
لم ترى الحب كيف كان نظراً ، مشرقاً ، واعداً ،ضمته دفقات القلب ودفئته عصارة الروح ،أراك قد رأيت كل هذا كثيراً علينا ،كيف هان عليك أن تتركنا بدون وداع ،سألت عنك أهلي والمريدين ،دراويش التكية وسكارى الحانة الهائمين ،فقراء القصعة الجائعين،عازفي رقصة التصوف الحالمين(لماذا لا يرقص كلُّ صوفيٍّ كالذرة في شمس البقاء حتى تخلص من الزوال؟)  فتشت عنك ،في كل مكان ، في تكايا المريدين وأناشيد المتصوفين ، في زوايا المسجد وحمى الجوامع ،ووقفت تحت المآذن ،أستمع الى تغريدطيورها والى إعجاز الآيات أسمع ترتيلها،و الدراويش يلتفون بحبل سري للوصول الى الذات العليا، أبكي خشوعاً أذوب تهجدا  وأسجد خضوعا ً،أنتظر رحمة الله ، درت في حنايا داري الذي كنت فيه،حكمة ومعرفة وجمال  لإتملى من طلعتك ، بأمل أن ألقاك ،ولكن بحثي كان هباء وأملي لم يكن فيه رجاء
أذبح العقل قرباناً في عشق الحبيب(مولانا جلال الدين الرومي)
جفف دموعك يا مولانا ، ، لاتدعها تسيل ، إحفظها في المآقي ،قطرات شفيفة ،حتى لا يتفجر جرحك دماً إغمض جفنيك على الوجع  ، لينغمر خفقك أملاً،عذوبة وليس عذابا   
خلجات تنبض في قلب مولانا
إعصار الفراق ،أشعل شوقه
عصف به ،رماه
سحب روحه
بعيداً عن قدس رحابه(الجنة)
رفة الشوق تسري في ضلوعه
ذكرى شمس لا تفارق خياله
يشكو للورد والشجر والوادي والجبل
تراءى ماء النهر معكراً
وعيون النبع جفافاً
وتاج الزهر شحوباً
غص  من هفة الحنين ، ملأ ه هياماً،إستبد به عنفواناً ،وفي سجى الليل،غفى ثم صحى ، عسى الفلق أن يلين عنت الحنين
 ومن يقدر أن يوقف نبض مولانا عن لوعة الحنين
أين أنت يا تؤام الروح وشق التصوف ورحيق المعرفة
أشتاق للإنسان فيك ،للدرويش في حناياك،الى زهد تصوفك ،وللحكمة تقطرمن عذوبة كلماتك
هل يعرف الغوغاء بأنك سبقت عصرك، وفسرت الكون، بحكمتك ومعرفتك ( بمعزل عن الدين) *
وسيجئ بعدك من سينهل من علمك  
 ومن سبقك هل تذكر يا شمسي من الذي سبقك ؟هل أواسي نفسي 

أم أواسيك ؟ أنت تعرفه قضينا أياما وليالي نتغنى بشعره سأذكرك 

به إنه الحلاج يا شمسي 

 الذي أضاء كإبداعك*
يا نسيم الريح قولي للرشا لم يزدني الورد إلا عطشا
لي حبيب حبه وسط الحشا إن يشا يمشي على خدي مشى  
 روحه روحي وروحي روحه إن يشا شئت وإن شئت يشا 

وهنا نرى شدة تأثر مولانا بشعر الحلاج فكتب بالعربية ثلاث أبيا ت إقتبسها من شعر الحلاج 

أُقتلوني أُقتلوني يا ثِقات إنّ في قتلي حياةً في حَياة 
يا مُنيرَ الخَدِّ يا رُوحَ البَقا إجتذب رُوحيوجُد لي باللقا
لي حَبيب حُبه يشوي الحَشا لَو يشا على عَيني مَشى

ويعود ليتغنى بشعر الحلاج
عجبت منك ومني يا منية المتمني ،
 ادنيتني منك حتى       -           ضننت انك أني
وغبتَ في الوجد حتى أفنيتني بك عني
يا نعمتي في حياتي وراحتي بعد دفني  ،ما لي بغيرك انس ، اذ كنت خوفي وأمني
يا من رياض معانيه ، قد حوت كل فني
وأن تمنيت شيئا فأنت كل التمني (كاظم الساهر)

ثم رائعة عمر خيرت الله
الله
والله ما طلعت شمس ولا غربت إلا وحبك مغمور بأنفاسي
ونأتي ع الإبداع الفياض لجاهدة وهبةوهي تغني للحلاج
إذا هجرت فمن لي ومن يحمل كلي ومن لروحي وراحي يا أكثري وأقلي
أحبك البعض مني
يا كل كلي فمن لي إن لم تكن لي


أحكام الحسبة تنفذ بالحلاج كما شمس التبريزي وبشكلين مختلفين
هو الحسين إبن منصور ولد في إقليم فارس في 244هج ببلدة إسمها البيضاء ، في منتصف القرن الثالث الهجري ،ثم نشأبواسط  وأقام في بغداد قتل في 309 هجرية
أيها الناس إعلموا أن الله قد أباح لكم دمي فأقتلوني تؤجرواوأسترح فإقتلوني تكتبوا عند الله مجاهدين وأكتب أنا شهيد 

تلك هي  الصرخة التي صاح بها الحلاج وسط الناس في أسواق بغداد بعدما إجتمع عليه الشوق الى الله والإضطهاد من أهل زمانه،وكانت الإتهامات العجيبة التي ألصقها الجهلة به تتراوح بين ممارسة السحر ، الزندقة ،إدعاء الألوهية،الجنون،هدم أركان الدين وهذه تعتبر هينةأمام إتهامات يشيب من هولها الولدان
ضرب الحلاج ألف صوت ثم رفع على الصليب وقطعوا يديه ثم رجليه ثم حزوا رأسه بالسيف وأحرقوا جثته 
وحملوا رماده الى منارة المسجد وألقوه في الهواء 
،
هذا هو قدر المتصوفة يا شمس فلست وحدك من قتل هذه هي أحكام الحسبة التي نفذت في الحلاج وشمس بشكلين مختلفين فالتبريزي نفذ ت به أحكام الحسبة من قبل عائلة مولانا وإبنه علاء هو الذي خطط ودبر أما 
الحلاج فأشترك في مأساته من كل شكل وملة

أحكام الحسبة التي دمرت ماضينا وأمتدت الى حاضرنا وأشبعته دجلاً وإفكاً ومحاصرة الدجالين لعميد الأدب العربي طه حسين ليست ببعيدة وإحالته للنيابة على أثر كتابه في الشعر الجاهلي ماثلة ومن ثم مأساة نصر حامد أبو زيد الذي تلقفته الجامعات الأوربية بعد أن نفذ بجلده هو وزوجته بليلة ليلاء لم يعرف ليلها 
من صباحها ومات محسورا على حال وطنه

وهنا يا شمس سوف ترى حالك أحسن ومقتلك أشرف قطعوا أوصال الحلاج وحرقوه ولكن خلدوه ، وأنت رميت بالبئر فخلدوك                      

 قل لي يا شمس إخبرني
من ذا الذي سيفسر لي أحلامي ويعينني على رؤاياي وهو معي في صحوي ومنامي
هل مسنا حسد من لا نعرفه
أم غبطنا أهل دارنا ومريدينا
لماذا لم نخبئ نبضنا في أسرار ضلوعنا
ونحتضن ، قلوبنا في حنايا صدورنا
لماذا جهرنا بحبنا ، وعرف الملأ بخلوتنا
لم نعرف معنى الكتمان
فخسرنا الأمان
أنت معي
هل تعرف يا شمس أي معنى أن تكون معي
لسنا معاً
ولكنك معي
لست مفارقاً
أنت معي
وكيف نفارق من سكن الروح وأجج القلب للحب والنور
هذه الخلوة التي أججت روحي للمعرفة وقلبت موازين التصوف كما لم اعرفها إلا وأنت معي
ذاعت في أرجاء قونية
وتخطتها
هل إشتعلت الغيرة لترمينا بعيداًعن  جنتك
ومن دمي ونبضة عروقي(علاءإبن الرومي) من سعى للخلاص منك
وكيف نتمعن في قواعد حبك الأربعين*،وانت لست معنا، ومن معنا لا يفهمها ولا يعرفها ولا يستطيع الوصول إليها
قواعد حبك الأربعين يا شمسي هي دستوراً للإنسانية ،وناموساً للحياة
لم يفهموها ، سخر الجهلة منها، إستهزأ منها الغباء،وأستهان فيها الحمقى
ومن فهمها ، في حيرة يتلهف لنسمة من روحك الخالدة
لدفقة من سموك ، تهف من روافد معرفتك

لم يخطر لي وحتى في الكوابيس أن ترمى في بئر القتلة ،وآتون الغيرة، وإنزلاق الجهلة، وتلمع عيناك في ظلام الرعاع
ورأيت عيناك تنظر لي وحدي ولكني، لم أستطع تفسيرها أهي مشتاقة ، راضية ،أو ساخرة من تفاهة القتلة وعذابي بأنني لم أستطع أن أنجدك ، كنت نائما، غافلاً ، جاهلاً لحد الموت، بأسرار النفس البشرية ،بكل تناقضاتها وعقدها وسننها ، لم أكن قد خبرتها ، فأخذوك بعيداً عني ،رموك ثم قتلوك
 فراقك أيقضني
أشعل شوقي
أجج سنان المعرفة لإبحث وأنقب وأكتب ولمن أكتب ، إليك وحدك
أرادوا محو ذكراك ، فنبض حياً في قلبي ،لإنساك ،فرفرف دافئاً في روحي، لإسهو عنك ،فسرى دافقاً في جوانحي ، كدم الحياة ،وشعلة الإلهام
وهذا البئر الذي رموك في جبه قدصفى أديمه عذوبة ،و راقت مياهه شفافة ،كعطر السماء  تلألأ نورا وسكب لؤلؤا ،لأن هدبك قد إستقر في أعماقه ، وعيونك تبرق في ظلامه ، وروحك ترفرف في أركانه
وهنا
مولانا،يواجه جلال الفراق

وتختلج روحه من لوعة العذاب
وذاع سره في الأرجاء
الكتمان إحترام ولكن من أين له بالكتمان
فهو ترف خرج عن إرادته
فليعلن حبه في وجوههم ويجهره شعراً ونثراً حكمة وأملاً ليسطر في سجل الخالدين
لو كنت أشعر بقرب فراقك لوضعتك في قلبي سراً ،وصنت ذكرك عن عيون الحاسدين

الخلوة

وما أتذكر وكيف أنسى خلوتنا ،في حجرة مغلفة لمدة أربعون يوماً ،تذاكرنا فيهاسر هذه الحياة، التي يتفجر منها الموت، والموت الذي ينبثق من الحياة،  ولكننا لم نتوصل إليهابعيدين عن سرها ، جاهلين حكمتها،ولم يخطر لي ولو لهينة بإنني على بعد خطوات من فراقك ،الذي أعتبره موتاً لروحي،وجدباً لحياتي، إنغمرنا في ملكوت الأديان لنعرف ، لا أنسى يا شمسي كيف إبتدعت نهج التصوف الذي هو خليطاً، من فلسفة المعرفة، وزهد الحكمة ، وغمرتنا الحياة  بلحن الموسيقى ورقصة الدراويش الذي يناجي الراقص الروح الإلهية ويتماهى فيها،ويصل الى ملكوتها ينزع قشرتها ليصل الى لبابها،يرمي فتاتها ليصل الى درها، تجولنا في أرجاء الكون سمائها ونجومها  شمسها وقمرها،لنشعر بالفجر كيف يتنفس ، وسجود العصر رائقا متمهلاً  والأصيل من درة الشمس متأججاً ،والشفق يتماوج غروباًوأرى فيه ، عيون عتابك لي،   يضئ مع الشفق ليعبق عطرك فيه
وفي نصاعة الفلق
 رأيت سواد فراقك
عذاب فراقك
 مرارة فراقك
وكنا معاً  لنحل أسرارها ونتجلى روائعها ، وفي آخر المطاف سلمنا أمرنا لمالك كل هذا جلت قدرته الى اليقين في خالق كل هذا عظمت مشيئته
أذكر كأنه الخيال وهو ليس خيال ، هو حقيقة أجمل من الخيال كيف إبتدعت يا شمس  رقصة (الدراويش)  
تسامينا عن التعصب و دوامات الفرقة وفتنة الأديان ، ولجاج جُب الطوائف، آمنا في كل الأديان، إحترمنا الملل  وتسامينا عن عنت التعصب
شعرنا بصراخ الغوغاء
ولمسنا بساطة الدهماء
وإنغمرنا بروح الأديان
وأراك تشارك البوذي نبله
يكفيك، نزراً بسيطاً ،من قصعته
وبكينا بدموع ساخنة على حيرة الملحدين
لإنهم لا يعرفون ماذا فقدوا
فقدوا حلاوة الإيمان ،التي ترطب القلب ،وتنعش الروح
ماذا يعرفون عنك ؟
غيرأنك درويش هائم في ملكوت الله
واعرفك عالماً ودارساً وفقهياً في ملكوت الله
و بإنك ستعذر من قتلك، لإنك أكبرممن  قتلوك
يجهلون بإنهم وضعوك في جلال الخلود
أتراهم لم يعرفوا بإن بئر الموت قدأنار دروب الوجود
ألم يدركوا بإن إلهامك يشع من حنايا المقتول
وإن رونق النضرة لايذبل على عودك المجدول
وأن دمائك التي إمتلاً بها جب الغدر ، ستسري في الخفوق ، وتستقر في النفوس
كأنهم إفتدوك ، لنذكرك ،قتلوك ،لتضئ ،و ليبقى ذكرك، في خوافق الأرض، وتحن عليك عطور السماء
 لنجلك وأولاً وأخيراً ، نحبك
وأنا جلال الدين الرومي
في حيرة كالذي رمي خارج الفردوس* ينظر قضاء الله،يخضع له مرغماً ،محتجاً ،ثم رويداً يتدثر بإيمانه،يدفئه يمنحه أملاً ، يسري في عروقه لتستمر الحياة ، اعرف يا شمس إنها صقيع بدونك تسري برودته في دمائي ،وتتجمد عروق الوتين ، تطلب لقاءك إنتظرني يا شمس سألقاك
(من مدونة ميسون عوني)
*الفردوس  كلمة فارسية الأصل مشتقة من كلمة فارسية قديمة هي (بارادايزا)وعربت الى العربية الفردوس

نبذة تاريخية عن حياة جلال الدين الرومي
جلال الدين الرومي(604 -672 هج)( 1207 – 1273م )(إحتفلت اليونسكو في 2007 م بمرور 8 قرون على ولادة الرومي تخليداً لذكراه)
كتب على مرقده
يا من تبحثون عن مرقدنا بعد شد الرحال قبرنا ياهذا في صدور العارفين من الرجال
محمد بن محمدبن أحمد البلخي القونوي الرومي
وقيل
محمد بن جلال الدين بن محمد بن أحمد قاسم بن عبد الله بن عبد الرحمن بن ابي بكر الصديق
 مولده
ولد في بلخ بفارس وأنتقل مع أبيه الى بغداد ثم إستقر المقام في قونية،سنة 623 هج ويذكر بغنه بفقه الحنفية وصاحب الطريقة (المولوية) نسبة الى مولانا
وعندما إرتحل الى بغداد بصحبة والده وعائلته ،كانت بغداد تودع أمجادهاكعاصمة للدولة العباسية وعند زحف المغول ووصولهم اليهاعام 1258 م رحل الى مكة ودمشق وكرمان ليستقر به الحال في قونية التي كانت عاصمة الإمارة السلجوقيةالتركية ، وكان المغول قبل دخولهم بغداد
قد دمروا الدولة الإسماعيلية النزارية في ألموت شمال فارس سنة 1256

إقامة جلال الدين الرومي في قونية
كان لإقامة مولانا في قونية قد أعطته لقب الرومي،كما جعلته في نظر غالبية المسلمين السنة علماً من أعلامهم، وجزءا من تراثهم الديني والروحي ولكن الأرجح في أصله إنه ولد وتربى مسماً شيعياً من أبناء الطائفة (الإسماعيلية النزارية)الممتد من الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام الى بقية الأئمةونرى تشابه الفكر الإسماعيلي بالفكرالمولوي مثل
التوحيدالمتجاوز للأديان ،الحب في تحديد وحدة البشر ، الإمام او الشيخ كشف أسرارالنص المقدس الباطنية

تعمق جلال الدين الرومي بالمصادر الإسلامية وأثر بن سينا والغزالي في كثير من أبواب المثنوي وكذلك الأشاعرة وأدت روح الرومي الى الذات الإلهية
أعلن إنه على وفاق مع 73 فرقة وهو القائل
عقد الخلائق في الإله عقائداً وانا إعتقدت جميع ما أعتقدوه

يروي الأفلاكي في مناقب العارفين بأخبار جلال الدين
الرومي يتخطى كل الحدود ويخلق عالماً أرحب
 إن أمير شيراز أرسل إلى الشاعر الفارسي سعدي أن ينتقي أطيب غزلية في الشعر الفارسي، وأن يُراعي في اختيارها أن تكون غنية بأسمى الأفكار وأعلى المعاني، فاختار سعدي غزلية من ديوان "جلال الدين" وقدَّمها إليه، قائلاً: إن جمال الكلمات التي صيغت فيها هذه الغزلية جعلتها بحيث لم يستطع أحد في الماضي أن يقول مثلها، ولن يستطيع أحد في المستقبل أن يبلغ مبلغها، وليتني أستطيعُ أن أذهب إلى بلاد الروم لأمسح وجهي بتراب أقدام من قالها! ولعل ما يقوله سعدي يصدق جدًّا على هذه الغزلية المختارة ففيها يتخطَّى الرومي كل الحدود التي وضعتها الفرق ويخلق عالمًا أرحب من الأيديولوجيا
.
أيها المسلمون ما التدبير، وأنا نفسي لا أعرف نفسي،
فلا أنا مسيحيٌّ، ولا أنا يهوديٌّ، ولا أنا مجوسيٌّ ولا أنا مسلمٌ،
ولا أنا شرقيٌّ ولا أنا غربيٌّ، ولا أنا بريٌّ ولا أنا بحريٌّ،
ولا أنا من عناصرِ الأرض والطبيعةِ، ولا أنا من الأفلاك والسماوات،
ولا أنا من التُّراب ولا أنا من الماء، ولا أنا من الهواءِ ولا أنا من النارِ،

ولا أنا من العرشِ، ولا أنا من الفرش، ولا أنا من الكون، ولا أنا من المكان
ولا أنا من الهند، ولا أنا من الصين، ولا أنا من البلغار
ولا أنا من أهل الدنيا، ولا أنا من أهل العقبی
ولا أنا من أهل الجنة، ولا أنا من أهل النار
ولا أنا من نسل آدم، ولا أنا من نسل حواء
ولا أنا من أهل الفردوس، ولا أنا من أهل جنة الرضوان
وإنما مكاني حيث لامكان، وبرهاني حيث لابرهان
فلا هو الجسد ولا هو الروح، لأنني أنا في الحقيقة من روح الروح الحبيب.
من دروس حضرة مولانا جلال الدّين الرّوم
ويؤمن جلال الرومي بوحدة الأديان، وأنه لا فرق بين الإسلام والنصرانية واليهودية، وسائر الأديان؛ حيث يقول 

نفسي، أيها النور المشرق، لا تنأ عني لا تنأ عني 

حبي، أيها المشهد المتألق، لا تنأ عني لا تنأ عني 

انظر إلى العمامة أحكمتها فوق رأسي 

بل انظر إلى زنار زرادشت حول خصري 

أحمل الزنار، وأحمل المخلاة 

لا بل أحمل النور، فلا تنأ عني لا تنأ عني 

مسلم أنا، ولكني نصراني وبرهمي زرادشتي
 

توكلت عليك أيها الحق الأعلى، فلا تنأ عني لا تنأ عني 

ليس لي سوى معبد واحد، مسجداً كان أو كنيسة أو بيت أصنام 

ووجهك الكريم فيه غاية نعمتي، فلا تنأ عني لا تنأ عني 

لقاء مولانا بشمس التبريزي
أحدث هذا اللقاء إنقلاباً كبيرا في حياة مولانا وحوله من رجل دين يخطب في الجوامع الى عالم في الكون وعاشق للناي بل يقال بإن هذا اللقاء قد أحدث إنقلاباً في طرق التصوف وفيه 
إن مولانا قد تجاوز فتن الأديان والطائفية وإحترم كافة الأديان والملل والطوائف وسمى فوق التعصب والكراهية والإقتتال
توجه شمس التبريزي من بغداد قاصداً قونية التي يعيش فيها جلال الرومي ورويت أحداث وقصص كثيرة حول هذا اللقاء، سأوردها في سياقها .
آمن الرومي بالشعر والرقص والموسيقى كسبيل للوصول إلى الله، فالموسيقى الروحية، تساعد المريد على التركيز بقوة لدرجة أن المريد يفنى ثم يعود إلى الواقع بشكل مختلف، ومن هذا المنطلق، تطورت فكرة الرقص الدائري التي وصلت إلى درجة الطقوس (ألطريقة المولوية)، وقد شجع الرومي على الإصغاء للموسيقى فيما سماه (سمع).
.يقوم المريد بالدوران حول نفسه ويكون التنصت للموسيقى كرحلة تصاعدية من خلال النفس والمحبة للوصول الى الكمال وتبدأ بالدوران الذي يكبر المحبة عند الإنسان ، فتخفت أنانيته وحين عودته يكون ممتلأً بالمحبة ليخدم غيره من البشر دون تمييز أو مصلحة ذاتية 

. قصة مقتل شمس

و بحسب القصّة المشهورة، فإن صلة المحبّة هذه أثارت غيرة أتباع مولانا جلال الدّين و أوغرت صدورهم على الدرويش الغامض، فقاموا باغتياله في حادث طرق مثير على الباب ذات مساء، لم يظهر بعدها شمس، تاركا في قلب الصاحب لوعة أفاضت شعرا و فنّا و حنينا و حبّا ما يزال ملهما للسالكين إلى ساعة الخلق هذه

الديوان الكبير*
وهنا إختلى مولانا ألما، وأنفرد بنفسه شوقاً ،ليبدع في ،حب شمس كما جاء في الديوان الكبير(ديوان شمس)

الديوان الأكبر والمثنوي* هي خالصة لك لذكراك لوفائي لك

*يعتبر ديوان شمس التبريزي، أو كما يسمّيه البعض "الديوان الكبير"، أهم أعمال مولانا جلال الدّين الرومي شاعر القرن الثالث عشر (1207 – 1273)، أو صاحب الطريقة المولوية، طريقة الدراويش الصوفية الإسلامية ذات السمعة العالمية الطّيبة، التي تجاوز أتباعها الملايين، و اجتذبت مريدين من المسلمين و غير المسلمين
وهذا الديوان يحتوي على 43000 بيت

لم يستطع الفراق أن ينسي مولانا حبه لشمس بل بالعكس أجج هذا الفراق لواعج الحب وروح الذكريات ومسيرة المعرفة ،وهنا نذكرله ونحن مبهورين

يا مَن أنت الشمس والقمر، يا مَن أنت الأم والأب، لم أرَ نَسَبًا سواك
ولا أريد نَسَبًا سواك، يا شمس تبريز

تجلَّ بوجهك، أيها الحبيب، فإن مناي الحديقة وبستان الورد
وافتح شفتيك، فإن مناي الشهد الكثير
أيتها الشمس، أميطي عن وجهك نقابَ السحاب
إن أملي تلك الطلعة المشرقة الوضَّاء

لقد سمعت من هواك صوتَ الطبول تقرع للسطور، فرجعت
لقد قلت في دلال: "اذهب، ولا تتبعني أكثر من ذلك." وقولك لي هذا هو غاية أملي
ودفعك لي قائلاً: "اخرج، إنَّه ليس في المنزل"، كذلك دلَّ حارس الباب وكبره وخدنه
أولئك كلهم آمال أرتجيه

أيتها النسائم العبقة التي تهبُّ من بستان الحبيب، مرِّي عليَّ، فإني مؤمل بشارة الريحان
إن خبز هذا العالم ومائه كسيل لا وفاء عنده
وأنا حوت عظيم، وليس لي أمل إلا بحر عُمان
وإني أردِّد دائمًا عبارات الأسى، مثل يعقوب، ذلك لأن أملي وجهُ يوسف المليح
والله ما المدينة من دونك إلا سجن لنفسي! فليس لي أمل سوى الحيرة بالجبال والصحارى

مولانا يستمر في شرح ولعه
فيا شمس الحقِّ التبريزي، يا أصل أصل الروح
إني لم أرَ تمرةً واحدةً إلا في بصرة وجودك
بل إن أملي أن أمسك كأسَ الشراب بيد وشعرَ الحبيب بالأخرى
وأن أرقص على هذا النحو وسط الميدان
ما أشد ضيقي بهؤلاء الرفاق ذوي العناصر الواهية!
إنني أريد أسد الله، أريد جلال الدين بن سنان

مكانة شمس عند مولانا

أيها الساقي المختار، يا مَن أنت منِّي بمنزلة عيني، مثلك لم يجئْ في العجم
ولا رأيتُ نظيرَك في العرب، صُبَّ لي كأسًا من الخمر ما أتخلص به من ذاتي
فإني لم أرَ في الذاتية والوجود سوى التعب
يا مَن أنت اللبن والسمكَّ

أيها العشق الذي لا يزول، أيها المطرب الإلهي، إنك أنت الملجأ والظهير
وما رأيت لقبًا يفيك حقَّك
نحن قِطَعٌ من الفولاذ، أما عشقك فمغناطيس
وأنت الأصل في كلِّ طلب يجذبنا إليك، وليس ذلك في نفوسنا
فلتسكت، يا أخي، ولتدعْ حديثَ الفضل والأدب
فلست أرى أدبًا عندك مادمت دائبًا على حديث الأدب

مولانا يغوص في أعماق النفس البشرية

إن في يد كلِّ موجود فُتات من الحُسْن، لكن أريد منجم الملاحة كلِّه
ومهما كنتُ مفلسًا فلن أقبل نثار العقيق
فلا رجاء لي إلا منجم العقيق النادر المتلألئ
وإنني من هؤلاء الخلق لمليءٌ بالشكوى، باكٍ ملولٍ
ولهذا أريد صياحَ السكارى، أريد ضجيجَهم
لقد أصبحت روحي ضائقةً بفرعون وظلمه
ولهذا فإن أملي نور وجه موسى بن عمران
لقد قيل لي إن هذا لا يوجد، ولقد طال بحثنا عنه، ذلك الذي لا يُعثَر عليه
إنني أصدح مثل البلبل، ولكن من الحسد العام خُتِمَ على لساني، وما أملي إلا النواح
بالأمس، كان الشيخ يحمل سراجًا ويطوف بالمدينة قائلاً
"لقد ضقت بالشياطين والوحوش... إنني أنشد إنسانًا
بل إن أمري قد خرج عن كلِّ حنين وكلِّ أمل
إن أملي أن أودِّع كلَّ كون وكلَّ مكان متجهًا صوب الحقيقة، نحو الحبيب
فهو هناك، محتجب عن العيون، ولكن كلَّ المرئيات من فعله
لقد سمعت أذني قصةَ الإيمان، فسكرتْ بها. فلتقل إن الإيمان بذاتي
وكنهي هو أملي ورجائي

مولانا يحدثنا حديث الروح

كيف لا يحلِّق الروحُ حينما يأتيه من جَناب الجلال خطابُ اللطف حلوًا
كالسكَّر يناديه: تعال؟
كيف لا يقفز السمك متعجبًا من اليابسة إلى اليمِّ
حين يطرق سمعَه صوتُ الأمواج من البحر الزلال؟
ولماذا لا يطير الباز عائدًا إلى سلطانه

عندما يسمع نداءَ العودة تردِّده دقاتُ الطبول؟
لماذا لا يرقص كلُّ صوفيٍّ كالذرة في شمس البقاء حتى تخلص من الزوال؟
أيكون بمثل هذا اللطف والإنعام بالحياة ويعبِّر عنه إنسان؟
ألا ما أعجب هذا الشقاء والضلال
لنَطِرْ، لنحلِّقْ، أيها الطائر، نحو معدنك حتَّى تخلص من القفص

وتصبح كالبازي
خوافي وأقدام
ولترحل من الماء الملح نحو ماء الحياة، ولترجع نحو صدر عالم الروح
تاركًا موضع صفِّ النِّعال
لتذهبي، لتذهبي، أيتها النفس! وإننا أيضًا لقادمين من عالم الفراق إلى
عالم الوصال
فلسفة وحكمة

حتَّام نحن في التراب، نملأ جحورَنا بالتراب والحصى وحطام الخزف؟
فلنرفع أيادينا من التراب، ولنحلِّق نحو السماء، ولنهرب من الطفولة إلى مأدبة الرجال
ألا فلتنظرْ كيف أن الهيكل الترابيَّ مثل حقيبة أحاطت بك. فلتمزقْ هذه
الحقيبة، ولترفعْ رأسَك منها
ولتقبضْ على هذا الكتاب حتَّى لا تعصف به الرياح
فأنت لست طفلاً لا يدري
إن الله قد أمَرَ رسولَ العقل أن يمضي كما أمَرَ يدَ الموت أن تفرك أذن الحرص
فسمعتِ الروحُ نداءً يهتف بها: "اذهبي إلى الغيب، ولا تنوحي بعد اليوم
خذي الكنز والنوال"
فاهتف مغادرًا، وارفع صوتك قائلاً: "إنَّك أنت السلطان
وإن لك لطفَ الجواب كما لديك علم السؤال".

مولانا يتغنى بالعشق*(كلمة فارسية أشاك وعربت الى العشق)
العشق

أنا قيثار العشق، والعشق قيثاري، ولي أمل في يد عثمان وصبره وأنغامه
هو الحنين الى الأصل وهو الذي يخلص الإنسان من العيوب ويرتبط العشق بإدارك الجمال والحياة بكل مظاهرها تعبر عن تجليات العشق وثمرة العشق والتجاذب بين العاشق والمعشوق يخلق حركة نحو الكمال
كل ما أقوله عن شرح العشق ذاته كالعشق الصامت أبلغ من أي بيان فبينما القلم مندفع في الكتابة إذا به ينشق على نفسه حين جاء الى العشق
نار الناي هي سورة الخمر، وحميا العشق
العشق زاد الحزن رقة والألم حرقة،
مولانا يخاطب شمس التبريزي
تجل يا شمس تبريز
أنا قيثار العشق، والعشق قيثاري، ولي أمل في يد عثمان وصبره وأنغامه
وهذا القيثار يحدثني قائلاً: إنني من شوقي الدائم أرجو ألطاف رحمة الرحمن
ولتجْلُ لنا، يا شمس تبريز ومفخرتها، مشرقَ العشق
فإني أنا الهدهد، وما رجائي إلا حضور سليمان
أيها الحبيب، إني لم أرَ طربًا في الكونين من دونك
لقد رأيتُ كثيرًا من العجائب، ولكنني لم أرَ عجبًا مثلك ولم أرَ محرومًا
من نارك سوى أبا لهب

مولانا يُعرف الألم
إنه ضروري كالفرح وبغير الألم يتحول الإنسان الى قاطع طريق، الألم والفرح شاهدان على إلوهية الله تعالى
لمحة
الحزن صفة إنسانية راقية، نبتة الرحمن في قلب البشر، تسمو بالمشاعر وترفرف في الوجدان تنقي الضمير وتمتزج مع الام البشرية، تجفف دموعها وتحنو على آلامها مواسية لجروحها
أما الفرح فمهما تألق لن يكون إلا سحابة تذوب مع ذبول الشروق ويبقى الحزن بمعانيه النبيلة أصيلاً يقربنا من عذاب النفس البشرية ، نتماهى بمعاناتهم ونحس بإنسانيتنا معهم
ويبقى في القلب ،وشم لايمحى ،وعرق لايذوب ،نقشاً في الصدور، لإوان القطوف ،ويستحيل إنتزاعها من الخفوق(من مدونة ميسون عوني)

الناي يحكي حكايته كما يصفه مولانا
كل إنسان أقام بعيداً عن أصله يظل يبحث عن زمان وصله
أنصت الى الناي يحكي حكايته ومن ألم الناي يبث شكايته 

ومذ قطعت من الغاب والرجال والنساء لإنيني يبكون

أنين الناي نار لا هواء

فلا كان من لم تضطرب في قلبه النار

فمن رأى مثل الناي سماً وترياقاً؟

ومن رأى مثل الناي خليلاً مشتاقاً؟

إنه يقص علينا حكايات الطريق التي خضبتها الدماء

ويروي لنا أحاديث عشق المجنون

الحكمة التي يرويها، محرمة على الذين لا يعقلون،

إذ لا يشتري عذب الحديث غير الأذن الواعية

الناي يكلم نفسه
وهكذا غدوت مطرباً في المحافل
أشدو للسعداء، وأنوح للبائسين
وكلٌ يظن أنني له رفيق
ولكن أياً منهم (السعداء والبائسين) لم يدرك حقيقة ما أنا فيه
لم يكن سري بعيداً عن نواحي، ولكن
أين هي الأذن الواعية، والعين المبصرة؟
لمحة
الناي
هو سحر الشرق ،بكل عراقته ، و فطرته ، عصارة الحزن ممتزجاً بالروح ،محلقاً مع الخيال ،تسري نغماته مع زهور البيداء يهفو ليحنو على آمال العاشقين ويلطف
من لهفة المحرومين ،وينبض مع خفقة القلوب ، ويمتزج مع لؤلؤ نقاء الدموع ،تواسي عصارة الكبرياء
 لمن تذوق حلاوة  الحب ثم الحرمان، تقوي روحه ، وتمنحه الأمل رياً واليأس أملاً ،هفهف ليحتضن عاشق التوباد وقد تنفسه مع ريح السمراء تسري نغماته محتضناً قصة الحب الأزلية ، بكى هياماً وإشتكى وجداً  وبلل الدمع سهوله شغفاً ، و لم يتذوق شهد الحب إلا مرارة ، وفراقاً وحرماناً ، وظل يأمل في يوم يكون فيه لقاءا الذي حكم القدر ان لا يكون لقاءاً(من مدونة ميسون عوني)



الغزل الصوفي والمحبةالإلهية
دعاء
إلهي لاتترك سبيلاً الى ذلك الحبيب ولا تجعل للإنحناء سبيلاً الى هذه السروة الممشوقة
فأنت تعلمأنه لبستاننا بمثابة الروح ،فلا إنحسر ظل سرو بستاننا عن هذا البستان
وأجعله دائماً يا إلهي أخضر نضراً عليه إكراماتك لحظة بلحظة
وعظمه يا إلهي في الدين والدنيا بحق حرمة أسمائك العظمى
إن وجوده لغريب بين بني آدم وبه يفخرروحآ و ويتيه فخرا
فالدنيا سعيدة به شديدة الإمتنان له مثلما يظل عيسى شاكرا لمريم
رمضان العاشقين
لقد حل شهر الصوم ،فهذا آوان القبل فحسب لا عناق ولا شئ آخر
وأجلس وداوم النظروتجنب الطعام وأنظر الى أفي شفة جافة الى جوار حوض الكوثر
فإذا كان الصوم نارا ،، أنظر أنت الى الزلال لا إلى الوعاء ، فإنه يروح عنت كشراب مثل النار
معك
ساء مزاجي ،وأنا ملول ،فاعذرني أنت ، ومتى يكون مزاجي حسناً دون وجهك الجميل، أيها الجميل
وأنا بدونك كالشتاء، الخلق مني في عذاب،وأنا معك طالروضةيكون طبعي طبع الربيع
وبدونك أكون ملولاً فاقد العقل ،كل ما أقوله يكون معوجاً ،أكون خجلاً من العقل والعقل خجل من نور وجهك
مدينة السعداء
من رأى أيها العشاق مدينة السعداء حيث قليلاً ما يوجد عاشق،والمعشوقون كثار
حتى أبدي دلالي هناك ،حتى أنصب شوقي هناك وحتى تشفى القلوب،فالقلوب محترقة تماما
فهنا قد يحترق العشاق كالعود اليابس وذلك المعشوق الذي ندر مثله هو الذي يشعل النار
فالأحبة طالبون الحبيب والروح باحثة عن الأحبة والروح ذرة وهو كعطارد والروح ثمرة وهوبستان والروح قطرة وهو منجم

يبدع جلال الرومي
إن الروح التي ليس شعارها الحب الحقيقي من الخير ألا توجد فليس وجودها سوى عار
كن ثملاً بالحب فإن الوجود كله محبة ، وبدون التعامل مع الحب فلا سبيل الى الحبيب
الفكر الصوفي هو فكر سيادة الإنسان الذي لابد ان يرتفع عن التناقض الشديد الذي يعذبه ويبسط ظلا من الحيرة والصراع طوال حياته
ثم مناجاة
يا من أنت في ساعة الألم راحة لنفسي ويا من أنت في قرارة الفقر كنزاً لروحي إن ملا يحمله الوهم ولا يبصره الفهم يصلالى روحي منك لإنك قبلتي ففي ركعات الصلاة يكون خيالك واجباً ولازماً لي لزوم المتأنية

فلسفة مولانا
أيها القلب لماذا أنت أسير لهذا الهيكل الترابي الزائل ألا فلتنطلق خارج تلك الحضيرة فإنك من عالم الروح
فكيف تجعل مقامك في هذا القرار الفاني ، أنظر الى حالك وأخرج منها وأرتحل من حبس معاني الصور الى مروج المعاني،إنك طائر العالم المقدس نديم المجلس الأنسي ، فمن الحيف أن تبقى في هذا المقام
ويقصد بهذا الى التفكر والتأمل باحثاً عن المعاني ولا يبقى محصوراً بطبيعته المادية المحدودة
ويعقب مولانا
يقولون مالحب ؟
قل هو ترك الإرادة ، ومن لم يتخلص من إرادته فلا إرادة له ،فالحب هو ملك والعالمين تراب عند قدميه، والملك لا يلتفت لما تحت قدميه
المحبة والحب باقيان الى الأبد
فلا تربط قلبك بسواهما لإنه عرض زائل

الموسيقى
 والموسيقى، لها دَورها في شعر جلال الدِين الروميّ، وهو يعدّ أوّل من توسّع في إدخالها في مجالس الصوفيَّة. كما أنّه نظم ديوان مثنوي على أوزان عديدة، بلغت الخمسة والخمسين وزناً. أمّا الناي فقد كان له مكانة خاصّة عنده، ذلك لأنّ موسيقاه تتّصل بالعشق.
وهو مَن أدخل الموسيقى إلى الطريقة الصوفيَّة، وجعل لها مكاناً مرموقاً في محافل طريقته "المولويَّة" مخالفاً بذلك ما جرى عليه الآخَرون
المثنوي لجلال الدين الرومي
ديوان شعر بالغة الفارسية لجلال الرومي ويعني بالعربية (النظم المزدوج)وعدد أبياته 25632
له شروحات بلغات متعددة
فيه 424 قصة تشرح معاناة البشر للوصول الى الحب الأكمل الذي هو الله،ويعالج مشكلات ما وراء الطبيعة والعلوم الدينيةوالأخلاقية والتصوف وغيرها من المجالات وهو أكبر عرض شعري للصوفيةكتب في أيلغة ويسلط على علاقة الإنسان بخالقه وبالإنسان ويؤمن بوحدة الوجود وقام بوصف المراحل المختلفة لتطور الإنسان ويذكر بإن قسماً منه قد نظمه جلال الدين الرومي بحياة شمس والباقي بعد مقتل شمس التبريزي

يتكوّن هذا الكتاب من ستّة مجلّدات، تحتوي على (25632) بيتاً من الشعر، حسب طبعة نيكلسون. لكنّ صاحب "تذكرات الشعراء" يقول إنّ مثنوي يحتوي على (48000) بيت في المجلّدات
ماذا تعني كلمة مثنوي.
ماذا تعني كلمة مثنوي؟ هو النظم المزدوج الذي يتّحد فيه شطرا البيت الواحد بقافية واحدة خاصّة بهذا البيت، وتتغيّر القافية في البيت الذي يليه، فتتحرّر القصيدة بذلك من القافية الواحدة. وأوّل مَن نظم الشعر في الفارسيَّة على هذه الطريقة هو الشاعر الصوفيّ سنائي.
ويقال إنّ حسام الدِين جلبي، تلميذ جلال الدِين الروميّ، كان وراء فكرة كتابه "مثنوي" ذلك أنّه طلب من أستاذه أن يقوم بنظم كتاب لأتباع طريقته يكون على غرار كتاب "حديقة الحقيقة" للشاعر سنائي، أو "منطق الطير" للشاعر فريد الدِين العطّار. فبدأ جلال الدِين الروميّ ينظم الشعر حوالى السنة 657ه/1262م. لكنّه توقّف عن الكتابة سنة 660ه / 1265م. ليستأنفها بعد عامين
موضوعات المثنوي
تدور موضوعات مثنوي في مجالات متنوّعة، فلا نكاد نرى موضوعاً إلاّ وطرقه الروميّ في هذا الكتاب: الطبّ، الفلسفة، عِلم الكلام والفلك. حتّى إنّ لعبة الشطرنج وجدت طريقها إلى هذا المؤلّف العظيم. والقرآن وقصص الأنبياء حاضرة فيه إلى جانب الحديث والقصص الشعبيَّة. إنّه موسوعة كاملة ومتكاملة في شتّى المواضيع: إنّه أصولُ أصولِ الدِين في كشف أسرار الوصول إلى اليقين
وتوجد طبعات للمثنوي في اللغة  العربية ،الفارسية، التركية، الألمانية ،الإنكليزية، الفرنسية
يختم جلال الدِين الروميّ الجزء السادس من كتابه "مثنوي" بقوله: وإنّ ذلك الكلام في قلبي من تلك الميمنة، ذلك أنّه من القلب إلى القلب كوّة*

وجهة النظر الأخرى في المثنوي
هو أشهر كتب جلال الدين الرومي، صنعه ليبث فيه عقيدة وحدة الوجود الكفرية، باستخدام القصص والأشعار والإسرائيليات، وما صح وما لم يصح من الأحاديث، بل وبعض الآيات، يلوي فيه أعناق المعاني ليصل إلى عقيدته الكفرية تلك.
وكان الجلال يسمي كتابه المثنوي بالقرآن !! ، بل قال عنه إنه أصل أصول الدين، ولا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه !!! . ومدحه في مقدمته بألفاظ مغالية توجب الخروج عن الإسلام. وكتابه المثنوي ذلك ملئٌ بالإباحية والفجور بل والشذوذ الجنسي.
قال الجلال الرومي في مقدمة المثنوي: ( هذا كتاب المثنوي، وهو أصل أصول الدين، في كشف أسرار الوصول واليقين، وهو فقه الله الأكبر وشرع الله الأزهر، وبرهان الله الأظهر، مثل نوره كمشكاة فيها مصباح يشرق إشراقاً أنور من الصباح

، وهو جنان الحنان ذو العيون والأغصان منها عين تُسمى عند أبناء هذا السبيل سلسبيلاً، وعند أصحاب المقامات والكرامات خير مقاماً وأحسن مقيلاً.
ثم قال: وإنه شفاء الصدور وجلاء الأحزان وكشاف القرآن وسعة الأرزاق وتطيّب الأخلاق، بأيدي سفرة كرام بررة، يمنعون بأن لا يمسه إلا المطهرون، تنزيل من رب العالمين ! ، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، والله يرصده ويرقبه، وهو خير حافظاً وهو أرحم الراحمين.
وله ألقاب أخرى لقبّه الله تعالى ! ، واقتصرنا على هذا القليل، والقليل يدل على الكثير ).
قال الإمام البدر العيني (شارح صحيح البخاري) في تاريخه عن الجلال: ( اَلّفَ كتاباً وسماه المثنوي، وفيه كثير مما يرده الشرعُ والسنةُ الطاهرة، وضلّت بسببه طائفة كثيرة ولا سيما أهل الروم، وقد يُنقل عنهم من الإطراء في حق جلال الدين المذكور ما يؤدي إلى تكفيرهم يعني المولوية- وخروجهم عن الدين المحمدي والشرع الأحمدي ). ( العيني ، عقد الجمان في تاريخ أهل الزمان 2/128 )
ولا تتسع هذه المقالة للحديث عن المثنوي بالتفصيل، وضرب أمثلة مما فيه لتدل على ما ذكرته، لكن سأكتفي بالإحالة إلى كتاب "الهابط الغوي من معاني المثنوي"لأبي الفضل القونوي
وهذا رابط تحميله:
http://bit.ly/I4ekCg


وللتعرف على المزيد عن جلال الدين الرومي، والأشخاص المحيطة به، وكتابه المثنوي، وحقيقته؛ يُنظر كتاب "أخبار جلال الدين الرومي" لأبي الفضل القونوي
وهذا رابط تحميله:
http://bit.ly/1bt52HNإنتهى الفصل الأول والى الفصل الثاني إن شاء الله

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق