الاثنين، 1 يونيو 2015

الحلاج /شهيد العشق الإلهي


الحلاج/لزهوة /ميسون عوني / 22/5/2015

*الحسين بن منصور بن محمي الحلاج 

*أبو مغيث ويقال أبو عبد الله الحسين بن منصور البيضاوي

244 هج- هج309

إنتشر الخبر في مدينة بغداد ، في دروبها وحاراتها ،في رحاب تكيات التصوف ، كما تردد في حاناتها وملاهيها ،وصل الخبر الى قصر الخلافة، الحلاج يغادر بغداد متوجهاً الى مكة المكرمة،مهبط الوحي ،ليتنسم رفرفة طيور الحجر الأسود ، يبارك يد ،الصادق الأمين محمد بن 
عبد الله ،وكيف درء خلاف القبائل ، بشيراً للنبوة

لماذا يغادر الحلاج بغداد

ترى ماذا حدث؟ لماذا يغادر الحلاج بغداد؟ وأي هاتف دعاه لكي يترك بغداد ؟ وحده أم مع مريديه
ليس وحده، ترك بغداد، مع اربعمائة من مريديه

حول من الزمان في البيت العتيق

ومضى حول من الزمان، والحلاج يتدفئ بعبير الرسالة، ويناجي رب هذه الرسالة، ورسولها الكريم،حول كامل لم يبرح مكانه ،مع كوز ماء وقرص على رأس الكوز ،لا يكمله،وأشتدت عزيمته في التأمل الروحاني المذهل،وتماهى مع زاد الرسالة وجوهر كينونتها وعظمة بيانها
إنتهى الحول خرج الحلاج من عزلته وتلقفه أتباعه يسألونه عن قطاف الثمرة التي إستوت على 
شجرة التأمل والخشوع؟

ويرد الحلاج

(لو ألقي مما في قلبي ذرة على الجبال لذابت )

يا لهفي على قلبك وإيمانك،ذرة  من التأمل في ذات المولى ورسوله تذيب الجبال ،تماهى العابد المتصوف في نسيج رباني يعز وصفه متوشحاً ،بسموالإيمان، ذائقاً حلاوة ثمره ، وينبوع خشوعه ،التي قلبها مدعي الخلافة وفاسديهم الى مرعلقم زعاف

الحلاج يغادر مكةالى الأهواز

وفي ذهنه خطوط رئيسية دينية صوفية/ثورة على ولاة الأمر الغارقين في الترف والإنحراف عن مبادئ الدين /والعصبيات الطائفية التي مزقت الأمة الإسلامية/والتي أنتجت إتجاهات وأفكار تميل الى التطرف كنتيجة طبيعية لمقاومة الفساد والإنحراف وإتخاذ الدين وسيلة لتحقيق أغراض للسلطة والمصالح وتجنب الحلاج في دعوته الفرق الدينية التي ظهرت على أشدها في عصره حتى لايظن بإنه يدعو إليها

وعظم أمر الحلاج في الأهواز، وفتن به الناس ونسبت اليه العجائب والغرائب

وإنطلقت مخيلة العامة تنسب اليه الخوارق  التي تجاوزت قدرة إي إنسان
ومن أجل توسيع مريديه غادر الى خراسان

الحلاج في خراسان

رافق الحلاج رحلته الى خراسان مئات المريدين والأتباع والتي مكث فيها خمس سنوات وعاد الى 
الأهواز بعد أن ترك صيتاً مدوياً في خراسان

الحلاج يعود الى الأهواز

وعند رجوعه الى الأهواز تلقى دعوة من تلميذه الواسع النفوذ في بغداد (حمد القنائي)وذلك 
للإقامة في بغداد

الحلاج يتوجه الى بغداد

الرحلة الأولى الى بغداد

1.    توجه الى بغداد مع أهله ومجموعة كبيرة من أتباعه ومريديه بعد أن سبقته شهرته وعجائبه  التي زاد عليها الخيال الشعبي والتصور الفطري مما أحدث صدى كبيراً عند دخوله بغداد وتردد هذاالصدى في قصور بغداد وأكواخها ولم يلبث أن غادرها الى مكة المكرمة ى

الرجوع الى مكة المكرمة

وعاد الى الخلوة في رحابها
وهنا نترك مسافة للتصوف ليقول كلمته ،

إختلى الحلاج معتصماً بقمة جبل يدعى (أبي قبيس)وإنقطع عن الناس وإتهمه خصومه بإنه يحضر لإعمال السحر والشعوذة ،وتحضير الجن والحلاج يسمع ولا يأبه ويحضر الى رحلته الكبرى في 
سبيل مبادئه، ليغادرمكة،الى تركستان والهند

الرحلة الكبرى للحلاج

وفي هذه الرحلة الفارقة في تخطيط الحلاج والذي إعتنق فيها الإسلام عدد كبير جداً ووصل بعدها الى السند وكشمير ثم بلاد ما وراء النهر والهند والصين

الرجوع لمكة المكرمة

وهنا كانت الخلوة الأخيرة في حضن الحنين و الايمان الأصيل قبل أن يدخل الإسلام في دوامة المذاهب والطوائف التي إنقلبت الى صراع على السلطة والأموال لمزيداً من النفوذ للسيطرة على العامة وإستخدامهم لتحقيق مصالحهم
وتزود الحلاج بروح الإيمان وجوهر التدين قبل أن يدخل بغداد في معركة بطولية ليواجه فيها الفساد والإنحلال والترف مغلف بصراع مذهبي ديني والدين منها براء

الحلاج يستعد لمعركته الكبرى في بغداد

الحلاج في عاصمة الخلافة

بعد كل هذا الطواف والبحث والتأمل والزهد رجع الحلاج الى بغداد
متأملاً ،ثم ثائراً، وهو يقاوم الصراع الطائفي، والعصبيات بين الفرس والترك ،من جهة والقبائل العربية، من جهة ثانية ورأى ترفاً ممجوجاً ونظاماً فاسداً وخلافة ماجنة بيد الجواري والغلمان وتلفت حوله باحثاً عن حل ورأى الحل بالتصوف الذي بمقدوره إحتواء كل هذه الصراعات 
ويقدر بروحانيته أن يلم الشتات ويعانق القلوب

وصل الى بغداد بعد أم ملأ صيته الأفاق وترك في كل مكان زاره أثراً وعبرة يلجأ اليها المتخاصمون وغمرت شخصيته وقوته الروحية قلوب وأرواح رأت فيه الملاذ لإلامهم وأحزانهم بدعوة أساسها وروحها حب الله الذي تذوب فيه الأهواء والمصالح والفرقة ويكون فوزها الأكبر في التماهي بمبدع الوجود ينير الروح ويشعل القلب حباً متجلياً أسرار الكون الى حياة الخلود التي 
لاتنتهي بموت الإنسان

الحلاج يدخل بغداد مع مريديه على قرع الطبول

بتلك المبادئ وسمو الصيت وجاذبية وسحر الشخصية دخل الحلاج على قرع الطبول الى بغداد التي كانت  هي الدنيا يحمل إليها خراج الأرض ومع الخير حمل اليها الترف وحمل الترف إليها الفسق والفجور والنفاق كما وألتقى فيها تراث الفكر العالمي على إختلاف مناهجهم من الفلاسفة الى الملحدين والمنجمين والسحرة كل هذه التيارات إلتقت بالحضارة الإسلامية

وتحولت بغداد الى ساحات للحرب الفكرية بين تيارات ومذاهب لا

حصر لها

دخل الحلاج تحيطه حاشيته وأهتزت عمائم العلماء وتنبهت حلقات الصوفية وترددت الأحاديث صريحة وهامسة عن الرجل المبارك صانع المعجزات ومعها خيوط الغيرة من الرجل الفذ الذي قل نضيره

دعوة الحلاج لإصلاح الملوك والأمراء



وما لبثت دعوته الإصلاحية ضد فساد الملوك والأمراء وحاشيتهم ومن له مصلحة معهم أن إنتشرت وغايته أن تكون هناك حكومة تشعر بواجبها تجاه الله كما تشعر بواجبها تجاه الإنسان
لائحة حقوق الإنسان
التي تبنتها أوربا في أربعينيات القرن الماضي لا تختلف عن مضمون أفكار الحلاج

الندوات والإجتماعات التي عقدت في بغداد

طال الحوار والجدال وفي عقول الشيوخ الكبار تحد واضح وفي نفس الوقت لديهم لهفة لمحاولة فهم رسالة الداعية ولكن العقول إختلفت وتاهت القلوب وأصبحت الخصومة سافرة ولم تكن البيئات العلمية في بغداد على إستعداد عقلي لأن تتوافق مع المنهج الصوفي للحلاج وكذلك التجمعات الصوفية لم تساهم في دعوته الإصلاحية
المناضرات الجدلية بين الحلاج ومفكري عصره وعلماء الصوفية
وكان هناك حوار مع علماء الكلام في الأمر والأرادة والمشيئة الألهية والأفعال وتعلقها بالقضاء والقدروإختار الحلاج التجربة الصوفية المباشرة لحل هذه المعضلة بين اللطف الإلهي والقضاء والقدر والصراع بين الخير والشرالذي يتنبأ بوقوعه والخير هو الأمر والشر هو الإرادة
ليست المعرفة الفكرية للقضاء الألهي هي التي تقربنا من الله بل إن الطريق هو الحب وهو أنسب للوصول الى الله
وبمعنى
خضوع القلب للإمر الإلهي في كل لحظة وهو الدعاء لإن الأمر غير مخلوق ولكن الإرادة مخلوقة
فكل قلب إذا يشغله السعي وراء الجزء عن حرمة الأمر هو مرتزق وليس بخادم حق الله والوصية أن يكون مع الحق(من لم يؤمن بالقدر فقد كفر ومن أحال المعاصي الى الله فقد فجر
الصلاة
الصلاة عند الحلاج هي المعراج الذي يصل النفس مباشرة مع الله
القرآن
يكون بإحساس ومشاهدة فكأن الله جل وعلا يتلو على لسان القارئ أوكأن القارئ يستمع الى الله سبحانه جل وعلا
العبادة
التوحيد - وما يجمع المسلمين من كتاب الله ورسوله وشبه الحلاج (العبادة) مثل الصلاة والصوم، بإنها كالنفير العام، عندما يحشد الجنود، ويكون هذا النفير، روحانيا وليس عسكرياً
أما الحج - فهو مؤتمر الإسلام، الأكبر وشبه رمي الجمرات ،بإنها طقوس لرمي العدو الأكبر

(إخرجو زكاة الحديث ، وما زكاة الحديث؟ إعملوا بخمس أحاديثه من كل مائة حديث تحفظونها)



 تطور التصوف

توصف الخلوة النبوية الشريفة في غار حراءبإنها تصوف كما 

في سلوك الصحابة الأولين كأبي ذر الغفاري و بما سمي بأهل 

الصّفة للعبادة في المسجد النبوي بالمدينة ولم ينكر النبي 

أحوالهم وكذلك الزهاد الذين ينقطعون عن الحياة الدنيا (بدأت في

 العصر الأموي وزادت في العصر العباسي)ويتوسلون العيش

على الكفاف كنوعاً من التصوف


المتصوف الأول في الإسلام

جابر بن حيان101 هج 721م

ويعتبر المستشرق ماسينيون إن المتصوف الأول في الإسلام هو 
جابر بن حيان وكان يسمى جابر الصوفي وهو أول من بنى داراً 

خاصة لهذا الغرض

وجابر بن حيان هو من موالي لقبيلة الأزد العربية وإنضم الى 

حلقة الإمام جعفرالصادق ودرس الطب برعاية جعفر البرمكي

ومن المعروف إن موضوع التصوف فيه من الزخم والإضافة 

والشرح والتفنيد والتأويل لا تكفيه المجلدات

ثم تغيرت حياة المسلمين مع الخلافة الأموية والعباسية 

وإزدياد الترف  ادى الى الفساد ومن الطبيعي مقاومة الفساد من قبل بعض الناس التي رأت فيه خروجاً عن الأخلاق الإسلامية ،وغلبة الدنيا عن الدين ، وأصبحت بغداد مركزاً مهماً ،لمختلف التيارات الفكرية والثقافية والثورية ولقد عاصر الحلاج هذه الثورات التي هددت الخلافة ومنها ثورة الزنج والإسماعيلية وحركة القرامطة التي إنشقت عن الدعوة الإسماعيلية وفي نفس الوقت إنتشرت الدعوة الى الزهد مقابلاً للترف والمبالغة في تغليب المال على المبادئ وكان التصوف أحد أبرز وجوه الزهد والإستغناء عن متع الدنيا والإستغراق في الإسراف والتماهي في الذات الإلهية
والإستغراق للوصول الى ذات الجلالة العليا والفناء فيها كما النيرفانا التي يحاول الزاهد الوصول إليها ، متخذاً من الزهد وسيلة للفناء في الذات الإلهية
 ولتوضيح التماهي والإستغراق في الله تعالي يحكى إن شيخاً صوفيا أصيب (غانغرينا) ولزم علاجه قطع الساق المريضة فأشار عليهم بقطعها أثناء الصلاة حتى لا يشعر بالإلم لإنه مستغرق 
في الصلاة لحد الإنفصال عن العالم والإنفصال حتى عن جسده


ويضيف يوسف زيدان في كتابه دوامات التدين 

إن التصوف هو التذوق والتوغل والعكوف على الذات العارفة بإعتبارها مرآة الكون وبهذا المعنى 
 يكون العشاق والفنانين والشعراء متصوفة

كما يوصف شعر نزار قباني في

حبك يا عميقة العينين
تطرف- تصرف – عبادة – حبك مثل الموت والولادة-صعب أن يعاني مرتين(نزار قباني)
هل يوصف المحب بالتصوف،وهل يمكن للحب أن يكون تصوفا؟
وكذلك ممكن إعتبار السياسي الذي يقاتل من أجل فكرته وما يؤمن به هو تصوف


إبتدع الحلاج إسلوب المناجاة في التصوف والذوبان في الذات الإلهية

والله
ما طلعت شمس ولا غربت –إلا وحبك  مقرون بأنفاسي
ولاخلوت الى قوم أحدثهم –إلا وأنت حديثي بين جلاسي
ولا ذكرتك محزوناً ولافرحاً- إلا وأنت بقلبي بين وسواسي
ولا هممت بشرب الماء من عطش –إلا  ورأيت خيالاً منك في الكاس
ولو قدرت على الإتيان جئتكم – سعياًعلى الوجه أو مشياً على الراس
مالي وللناس كم يلحقوني سفهاً- ديني لنفسي ودين الناس للناس

الفن عندما يسمو متجلياً بأروع النداء لرب الكون/عمر خيرت والحلاج


إذا كان المبدع عمرخيرت لم يلحن غير هذا فيكفيه فخراً

وناجى ربه قائلاً

إذا ذكرتك كاد الشوق يقتلني –وغفلتي عنك أحزان وأوجاع
وصار كلي قلوباً فيك داعية –للسقم فيهاوالألام إسراع

ويسمو في مناجاة  عز نضيرها

يا نسيم الريح قولي للرشا-لم يزدني الورد إلا عطشا
لي حبيب حبه وسط الحشا –إن يمشي على خدي مشى(ترنم بها مارسيل خليفة)
وعجبت منك ومني يامنية المتمني
أدنيتني منك حتى ظننت إنك إني
وغبت في الوجد حتى أفنيتني بك عني
يا نعمتي في حياتي وراحتي بعد دفني
مالي بغيرك أنس وإذ كنت خوفي وأمني
يا من رياض معانيه قد حوت كل فني
وإن تمنيت شيئاً فأنت كل التمني(غناها كاظم الساهر)

ونأتي على فيض الإبداع

إذا هجرت فمن لي ومن يحمل كلي ومن لروحي وراحي يا أكثري وأقلي
أحبك البعض مني يا كل كلي فمن لي إن لم تكن لي
رمي في السجن قبل إعدامه لثلاث أيام ورغم العذاب كان يمازح جلاده

غناء جاهدة وهبة

أحكام الحسبة تنفذ بالحلاج

هذا هو قدر الأفذاذ فتكالب مدعي الدين والتدين الكاذب الذي أستغل فيه نظام الحسبة الذي أنشأ أساساً بعهد المأمون لمصلحة الناس من مراقبة الدواء وصلاحيته الى نوعية الطعام وتخزينه وقلبها الإفتاء والمصالح الى خنجر غرس في ضمير الأمة
أحكام الحسبة التي جرحت ماضينا وأمتدت الى حاضرنا ومحاصرة الدجالين لعميد الأدب العربي طه حسين ، ليست ببعيدة ومن ثم مأساة المفكر نصر حامد أبو زيد الذي تلقفته الجامعات الأوربية بعد أن نفذ بجلده وزوجته في ليلة ليلاء لم يعرف صبحها من نهارها بعد أن حكمت إحدى محاكم 
الجهل بالتفريق بينه وبين زوجته ومات محسوراً على وطن ضاع بيد المتاجرين بالدين
لا أواسيك يا حلاج القلوب ولا مداد البحور كله يواسي عذابنا بمقتلك ولو تدري ماذا حل بنا لناجيت ربك أن يعفو عنا

الحلاج قبل الإعدام

الحلاج يدور في رحلة حياته الى أن إستقر في بغداد
في ليلة و ليس مثلها ليلة

إدلهم الليل وراء القضبان وإشتكى الظلم من وحشية الظلمة 

والحلاج ساكناً صابراً لم يأن ولم يبكي ،جلاد السجن متعجباً اي 


بشر هذا الذي يقدر أن يحمل ألم ينوء عنه جبل!


الحلاج يهيم بصوفيته ويتماهى مع ربه وفرحاً بلقاءه، عارفاً بإنها 

الليلة الأخيرة فليحيا بحياته 


متذكراً رحلة كفاحه وتطور جهاده
وها هو الحسين بن منصور بن محمي الحلاج أبو مغيث الذي ولد في 244هج 858 م  يغادر بلدته البيضاء في إيرانورحل مع أهله الى واسط  ، ويتذكر الطفل ،كيف
إضطربت أحوال والده المادية وكان من عمال النسيج وسمي حلاجاً ،وواسط تفتح 
ذراعيها ليعمل والده فيها

واسط مركز الإشعاع الثقافي

نشأ الحلاج في واسط وكانت المدينة مركزاً من مراكز الإشعاع الفكري والروحي ، أسس فيها الأشاعرة مدرستهم وفيها نشاط ثقافي وتيار علمي حر وأقام الحنابلة فيها مدرسة القراءومعهد للحديث وكانت المساجد مقاعد للعلم والبحث والدراسة والجدل والحوار
في هذا الجو المشبع بالعلم والحوار نشأ الحلاج ولفت إليه الأنظار منذ طفولته بذكائه اللماح وشفافية قلبه وحبه للعلم والمعرفة
حفظ الحلاج القرآن الكريم وهو إبن عاشرة وتعمق في فهم معانيه بأكبر من طفولته ،سجد وركع وتهجد وإستقبل الفلق قائماً قاعداً مكبرا مستغفراً ، ورافق الضحى وأستقبل الضهر
مكبراً وعند العصر متهيأ لشفق الغروب مستقبلاً روعة السحر
تعلق بالدراسات الروحية وتفسير الحديث وأراد أن يستشف دعاء الروح الى الله ويتأمل الملكوت الأعظم وشعت جوانحه شوقاً الى مزيد من المعرفة والى الفناء بالذات الألهية والخلود بمعيتها
الشيوخ الذي رافقوه

سهل بن عبد الله التستري

وعندما بلغ الثامنة عشر إتصل بالإمام الصوفي ،سهل بن عبد الله التستري وتلقى العلم على يديه وتبادل الإثنان المودة والإعجاب ولما بلغ العشرين إعتزم الخروج من واسط الى العالم الفسيح فرحل الى البصرة

من واسط الى البصرة

عمر المكي
وهنا تتلمذ على يد شيخ من شيوخ التصوف وهو عمر المكي،الذي سيكون له أبعد الأثر في حياته ومنه تلقى الصوفية ثم دخل في خصومة مع شيخه المكي فأنقطعت بينهما المودةوهنا ضاق صدر الحلاج بالبصرة فأرتحل الى بغداد، فهل يا ترى خطربباله إن محنته ستكون فيهاوتراب جسده سيتطاير مع أثيرها

الحلاج في بغداد

إبي القاسم الجنيد

سيد الطائفة الصوفية وشيخها الكبير

إشتكى الحلاج للجنيد من شيخه المكي فأوصاه بالصبر وسرعان ما فترت العلاقة بينه وبين الجنيد وباعدت بينهما أحداث وأفكار (إنني أرى كثيراً من فضول الكلام فيما يقوله الحسين بن المنصور)
الإتصال بالشقيري وكما إلتقى بصديق عمره الشبلي، كما إتصل بمدارس التصوف وأعلامه إتصالاً لم يطل
ويعتقد الباحثين إن السبب إن الحلاج أخذ يكون لنفسه منهجاً ومدرسة وزعامة ذات أهداف لم يتفق معها فيمن إتصل بهم

بغداد وأثرها على الحلاج

ولما كانت بغداد عاصمة الدنيا حضارة وثقافة فقدمت للحلاج الكثير من المعرفة الروحية ولاحظ إن العصبيات بين العرب والفرس والترك من جهة والصراع بين الفرس والترك من جهة ثانيةبالإضافة الى ترف وإسراف وصل الى حد الخيال وجاء الحل بذهن الحلاج وهو


التعمق بالتصوف

الذي يستطيع بطبيعته النقية أن يحارب الفساد ويعودوا به ،الى منهج الصدر الأول من الإسلام ومثله العليا
فألقى الحلاج بنفسه في تيار الحياة ووثق صلاته مع المتنفذين من الجنود والقادة والزعماء وكانت المشكلة التي واجهت الحلاج إنفصاله عن شيوخه فلم يتم تدريبه ولم يمهد له طريق التصوف الذي فيه من الجهاد والوعورة الكثير
وكما يوصف
فيه من الخفايا والإمتحان الرباني كما العوائق النفسية  وتوهان العقل ولهذا إتفق الصوفية على دور الشيخ الذي إستقل عنهم الحلاج وأخذ يدرب نفسه بنفسه وفرض الحلاج على نفسه أقسى ما في المنهج الروحاني وأبتدع لنفسه الطريقة الحلاجية الذي ينشد الكمال بإتصاله بربه وكان سريع التقلب والحركة وفي قلبه أهواء وفي وجدانه أحلام يحسها ويدركهاولكنه لم يصل الى مجال 
الثبات ومن هنا جاء التلون في السلوك الذي إتسمت فيه حياة الحلاج

وكما يذكر إبن كثير

كان الحلاج يتلون في ملابسه فتارة في ملابس مزريةوتارة لباس الأجناد ويعاشر أبناء 

الأغنياءوالقادة ويروه وقد لبس ملابس رثة

لإن أمسيت في ثوب عديم –لقد بليا على حر كريم

فلا يغرك إن أبصرت حالاً – مغيرة عن الحال القديم

فلي نفس ستتلف أو سترمى –لعمرك بي إلى أمر جسيم

آمن الحلاج هناك صلات لا تنفصم بين الكمال الروحي الذي ينشده والإصلاح الإيماني ويشعر إن هناك في أعماق نفسه ويرى بخياله تتدافع أفكار ستغير الحياة
وعلى العالم الإسلامي أن يبعث من جديد
لقد جاهد الصوفية بحياتهم في سبيل
التصفية والتحلية والتطهر جهادا خالداً في سبيل الحب الإلهي وسمو الإلهام والنجوى
ووجد الحلاج إن الصوفية لم يمدوا جهادهم الى ساحة الحياة الكبرى وميادين الجهاد فأراد أن يلقي نفسه في خضمها

الفساد في عاصمة الخلافة

فكر الحلاج ماذا عمل التصوف لمعالجة هذا؟

فكان يرى الجهاد وتقديم الدماء في ساحة الشهادة والفداء
وكان في حاجة الى خلوة كاملة متطهراً خلوة في أرض الوحي
ورحل الى مكة المكرمة كما أسلفنا
وبعدها رجع الى بغداد وأحترق في أتونها
 لم تكن القيادات الصوفية في بغداد مستعدة لإن تسلم للحلاج بمنهجه الصوفي وفي دعوته الصوفية  و في نفس الوقت
إلتفت حول الحلاج أكبر مجموعة صوفية في تاريخ القرن الهجري ويسمى بعصر التصوف الذهبي ومن بغداد الى الهند تكونت مجموعة حلاجية ثم الى جامعات صوفية دانت بالزعامة
والولاية للحجاج

ومن المعروف إن
الحلاج لم يستكمل تربيته الصوفية على أيدي كبار المشايخ لقد إنفصم عنهم مبكراًوكانت تجربته 
مع نفسه فقط  ويرى بإنه قد تفوق على كبار الصوفية في منهجه ، وأنفصل عن كبار المشايخ التي ترى التصوف لا يكتمل إلا بالقطب أو قطب الأقطاب وهو المقام الأعلى الذي يصير فيه الولي كاملاً في ولايته ومن هنا جاءت الصلة الكبرى بين الحلاج وربه

الحلاج والمفكرين

يعتبر نيكلسون حياة الحلاج هي لحظة جوهرية في تاريخ التصوف الإسلامي،وشكل أعظم القوى الروحية الإيمانية التي عرفها تاريخ الإنسان
والتصوف عند الحلاج هو إنتساب الإنسان الى الله سبحانه وتعالى لا الى العالم المادي الحيواني
وفي كتابه الطاسين يذكر الحلاج
من صدق مع الله في أحواله ،فهم عنه كل شئ وفهم عن كل شيئا


ويذكر طه عبد الباقي ،

الحلاج شهيد التصوف الإسلامي (لقد حمل الحلاج أمانة المعرفة الصوفية العليا وعاشها بروحه وقلبه وحسه وقدم دمه فداء لها بطولة إسطورية لا يزال شعاعها يومض عبر التاريخ)



ويذكر ماسينيون

ليس هناك متصوف في التاريخ أكثر عشرة مع الله من الحلاج وليس هناك شعر صوفي أشد حرارة وأكثر بعداً عن المادة من شعر الحلاج

يعتبر نيكلسون 

بأن حياة الحلاج لحظة جوهرية في تاريخ التصوف الإسلامي وهو إنتساب الإنسان الى الله سبحانه وتعالى وليس الى العالم المادي الحيواني وهي عبارة عن سفر طويل فيه العزيمة والتصميم
ولقد حمل الحلاج أمانة المعرفة الصوفية العليا وعاشها بروحه وقدم دمه فداءا لها
الله يعلم ما في النفس جارحة – إلا وذكرك فيها نيل ما فيها
ولا تنفست إلا كنت في نفسي تجري بك الروح مني في مجاريها
إذ كانت العين مذ فارقتها نظرت الى سواك فخانتها مآقيها
أوكانت النفس بعد البعد ألفت عداك فلا نالت أمانيها
ثم
أباحت دمي إذ باح قلبي بحبها وحل لها في حكمها ما أستحلت
وما كنت ممن يظهرالسر إنما عروس هواها في ضميري تجلت

كما سماه جان شوفاليه مسيح الإسلام 

صلة الحلاج مع الله

لقد إمتلأت صحف التاريخ بالتهويل والأباطيل حول حبه وعقيدته وصلته بربه
وهي تدور في قطبين
الحب القوي الغلاب والفناء في هذا الحب(الى الله)
أريدك لا أريد للثواب ولكني أريدك للعقاب
فكل مآربي قد نلت منها سوى وجدي بالعذاب

وكان الحلاج قد إبتدأ خطوة جبارة على طريق التأسيس للإدب الصوفي
وكان المراد  من محاولة الحلاج تفجير اللغة هو التخلص من الألفاظ التي إهترأت من كثرة التداول والعودة الى الصيغة القرآنية وهو ما نراه في كتاب (الطواسين)
الذي جعله بهذا العنوان مستفيداً من الدلالة العميقة من الحرفين


رأيت ربي بعين قلبي

قرباً يفنى فيه عن كل شئ ليبقى له بعد ذلك كل شئ
إنه فناء الخالدين بربهم فناء وخلود
قرباً يفنى فيه كل شئ-ليبقى له بعد ذلك كل شئ
حقيقة المحبة قيامك مع محبوبك بخلع أوصافك والإتصاف بأوصافه
إنها البذرة التي ستخرج منها فلسفة الحلاج في مقام الفناء
ويفسر هذاعندما يتزايد به عذاب الشغف وهيام الكلف وإحتراق الأسف وشغف الحب
إذا ذكرتك كاد الشوق يقلقني-وغفلتي عنك أحزان وأوجاع
وصار كلي قلوباً فيك داعية –للسقم فيها والآلام إسراع

الحلاج وأعلام التصوف

رغم كثير من الأمراء وقواد الجيش وعظماء الدولة،واعلام المعتزلةوفقهاء الحنابلة وصفوةمن المفكرين والمصلحين وجمهرة من الناس كانوا من أتباع الحلاج ومن تلاميذه والمؤمنين به ولكن عددا من أعلام التصوف في عصره قد خاصمه لإنه ثار على سلبية الزهد التي عاشها كبار المتصوفة،ومنهم إنكار الجنيد البغدادي وعمر بن عثمان المكي ومحمد بن داود الأصبهاني ولهذا ولم يساندوه في محنته وإستشهاده
كما إندفع الحلاج الى الثورة على فساد عصره وتحدى أعلام المتصوفة ،وإزداد تحديه
 للجنيد البغدادي بصورة خاصة وبدا صراع عنيف بين الرجلين وكان له صدى عميق في بغداد وإتهم الجنيد الحلاج بالسحر والشعوذة وفي المقابل طالب الحلاج الجنيد بالتخلي عن سلبيته وضجت مساجد بغداد بهذا الخلاف
ووصفه الإمام الجنيد برجل المطامع يعني هدفه الخلافةوكثيرا من علية القوم رؤا فيه (القطب) الرئيس القطب
وبدأ صراع عنيف بين الرجلين وكان لهذا الصراع صدى عميق في بغداد فهاجم الشيخ الجنيدي الحلاج جهاراً متهماً إياه بالسحر والشعوذة
وفي لحظة غضب قال الجنيد البغدادي للحلاج ستقتل ويضحك الحلاج ويقول نعم وستمضي على قتلي
 ولو كان كلاً منهما قد توصل للإلتقاء لتغير وجه التاريخ الإسلامي

وسنرجع الى بغداد

دخل الحلاج بغداد في 296 بعد أن طاف في مشارق الأرض ومغاربها وكأنه قدوصل 

الى حتفه فيها

وكانت بغداد تمر بإيام حاسمة في تاريخهاوفي تاريخ الأمة الإسلاميةوكانت الكنوز تحمل اليها وتدفقت الثروات وهرع اليها أصحاب العقول والمطامع والأهواء وتدفق اليها سيل لاينقطع من الجواري والإماء والعبيد والمنجمين والمحتالين حتى بدأت الصلابة العربية تضعف وأصبحت مرتعاً للفساد بدون قيود ولا حدود
وأسرفت في الجدال العقلي حتى أصبحت أنديتها محلاًللسفسطة والحوار وغدت مساجدها ساحات للقتال بين الحنابلة والأشاعرة والمعتزلة والصوفية والمنجمون والسحرة والفلاسفة  وفي النهاية تمزقت الوحدة الفكرية وتبددت الثروة الأخلاقية وبرزت الأحزاب والشيع مقنعة وسافرة عربية وأعجمية مؤمنة وملحدةثائرة ورجعية ،أحزاب للأتراك وأحزاب للفرس وللرجعية الدينية وأحزاب رؤوس الأموال التي تمتص دماء الناس وفوق كل هذا وذاك أحزاب القصر الذي تهيمن عليه الجواري والغلمان وفي 
قمة هؤلاء يجلس الخليفة

الخليفة المقتدر

وصف الطبري الخليفة المقتدر وكان معاصراً له
المقتدررفيق ركيك لاه في اللعب والتبذيرأحب جارية رومية سلمها مقادير الدولة وأهدى لها حجراً من الياقوت قيمته ثلاثمائة ألف دينار

ويذكر إبن الأثير

إن المقتدر الطفل الخليفة لا هم له إلا اللهو في قصره بين عشرة ألاف خصي من الصقالبة والجواري والغلمان بالإضافة الى والدته
 السيدة (شغب)
التي أحالت الخليفة الى إلعوبة في يدها وبلغ من إستهتارها إن قهرمانتها (أم موسى) تجلس في مجلس القضاء وكانت تصدر أوامر المصادرات وإحصاء الأموال والتركات
ويذكر الدميري في كتابه الحيوان
وأنطلقت الألسن في الخليفة وأمه وكثر السبي والقتل وتدخل المحتالون والمنجمون في أمور الدولة
وفي وسط هذاالإنهيارظهر الحلاج بما يتمتع به من صلابة وجاذبية شخصية وتدين فريد وكان شخصية تملأ العين سحراً والقلب إجلالاً وتملك قوة الإيحاء الذي يطلق الأمل في القلوب
لا حلول وسط بين صلاح الحكم وإزالة شعور النفور لدى الناس من تفاوت مادي مريع وهدفه أن يحطم التفاوت المادي بين الطبقات ويزيل ما بين الفرق من نفور
وفي خضم كل هذا، أحاطت بالحلاج الأحقاد والخصومات والمصالح  بالإضافة الى دعوته إسقاط الخلافة وإنتزاع السلطة الروحية من كبار العلماء والمشايخ
هاجم الحلاج مسؤولي بيت المال وطالب بعزلهم عن الخراج وإبعادهم عن بيت المال لإنهم أرهقوا الناس بالضرائب وأحتكروا الأرزاق
هاجم المعتزلة لإنهم حصروا أنفسهم في قوالب فلسفية
حارب الوزراء الذين تخرجوا من المدارس النسطورية مثل إبن وهب وإبن نوبخت لإن قلوبهم ملحدة تحارب الإسلام

ماذا بقي للحلاج
كان
الحلاج سريع الحركة والتقلب في قلبه أهواء متعددة في وجدانه وأحلامه إستشراف يحسها ويدركها واضحة حيناً وغامضة حيناً ولم يصل الى مقام الثبات والتمكين
وكان يتلون في ملابسه فتارة يلبس كما الصوفية وتارة بملابس رثة أو يلبس كما الأجناد
لإن أمسيت في ثوب عديم –لقد بليا على حر كريم
فلايغررك إن أبصرت حالاً- مغيرة عن الحال القديم
فلي نفس ستتلف أو سترمى- لعمرك بي الى أمر جسيم

ومما رمي به من إتهامات

إدعاء النبوة ثم إدعى بإنه الله وأمر ،زوجة إبنه بالسجود، فقالت أيسجد لغير الله فرد 

إله في السماء وإله في الأرض

الحلول والإلحاد / اي إن الله تعالى حل به وصار هو والله واحد وهذا سبب دفاع المستشرقين عنه ،إذ إنهم يعتقدون في عيسى عليه السلام إن الله قد حلّ فيه ولهذا تكلم الحلاج باللاهوت والناسوت فمن أشعاره
سبحان من أظهر ناسوته سر لاهوته الثاقب


وفي هذا الصدد


يكشف ماسينيون عن وجود بعض من ملامح السيد المسيح يسوع ،ليس في موته على 

الصليب بل في أقواله في التضحية والفداءوالمحبة ،لو لم نعرف 

صاحبها لجزمنا حتماً 



بإنها تعود الى أحد الآباء القديسين وتظهره هذه الصلاة التي 

قالها الحلاج في سجنه ليلة 


إعدامه والتي نقلها خادمه الأمين و كان معه في السجن

نحن شواهدك نلوذ بسنى عزتك لتبدي ما شئت من شأنك ومشيئتك
وأنت الذي في السماء إله وفي الأرض إله
تتجلى لما تشاء مثل تجليك في مشيئتك كأحسن الصورة
والصورة فيها الروح الناطقة بالعلم والبيان والقدرة

ويذكر أحمد بن فاتك إن الحلاج أنشد

من ظن إن الإلوهية تمتزج بالبشرية أو البشرية تمتزج بالإلوهية فقد كفر،فإن الله تفرد بذاته وصفاته عن ذوات الخلق وصفاتهم
الكفر والإلحاد

أما إبن تيميه فيذكر في الحلاج ما يلي

من يعتقد ما يعتقده الحلاج فهو كافرمرتد بإتفاق المسلمين والمسلمين قتلوه على الحلول والإتحاد ونحو ذلك من الإلحاد والزندقة وللحلاج كما يذكر
له مخاريق وأنواع في السحر وله كتب منسوبة اليه

السحر والشعوذة

وهنا أحاطت الأحقاد والخصومات به وهل أمراً سهلاً أن يدعو رجل الى إسقاط الخلافة بكل جبروتها و أن ينتزع الزعامة الفكريةوالروحية من كبار العلماء والمشايخ
وكان الإتهام بالسحر والشعوذة طريقاً سهلاً للنيل من الحلاج ،لخوضه في
معركة عنيفة قاسية ومريرة وبما إنه لا يهادن فسيزداد عنف هذه المعركة

ثورة إبن المعتز على الخليفة المقتدر

وكان لكلمات الحلاج واراؤه صدى كبير، مما دفع إبن المعتز الذي كان يرى إنه أحق بالخلافة من المقتدر،فبدأ حركته الذي إنضم لها سراً الكثير من تلامذة الحلاج والوزراء والقادة ،فقامت خلافة تحت رعاية الحلاج تولاها إبن المعتز إستمرت ليوم واحدثم فشلت وأعيدت الخلافة الى المقتدر بمساعدة الشرطة وإبن فرات الذي تولى الوزارة ، الذي أصدر أمراً بإلقاء القبض على الحلاج الذي إختفى عند الحنابلة

إختفاء الحلاج عند الحنابلة

في بلدة سوس لمدة ثلاث سنوات إلى أن خانه والي مدينة واسط الذي قبض عليه وأرسله للخليفة المقتدرولكن مكانته عند الناس حمته من غضب الخليفة فعفى عنه
وإكتفى بتحديد إقامته في دار حاجب الخليفة نصر القشوري وهوتلميذ الحجاج المخلص

وهنا جاءت الفرصة للحلاج لكي ينجومن كل هذا ! كيف؟

مرض الخليفة المقتدر فأشير عليه أن يستعين بالحلاج ، فأستطاع الحلاج شفاؤه
وكما يذكر القرطبي في كتابه( صلة تاريخ الطبري)
وكذلك عالج ولي العهد الراضي بن المقتدر وأحدث ذلك دوياً في القصر وسمعته بغداد كلها ، فأصبح الحلاج مسموع الكلمة في القصر حتى إن والدة الخليفة ( شغب) ناصرته بكل سلطانهاوكانت من المدافعين عنه ومشى كثير من الوزراء والقادة في موكبه وشاع الحديث عن كراماته
وهنا جاء دور الدسائس الذي أحاطت به فبدأت الحاشية تمللأ إذن الخليفة بإن الحلاج يعد العدة لكي يعلن نفسه خليفة للمسلمين وهنا خاف الخليفة المقتدر وبدأ يضيق به  ، بالإضافة الى ماأسلفنا من عداء جهات صوفية متنفذة وجد الحلاج نفسه موضع خطر كبيرمن الصعب مقاومته

الحلاج يحاول كسر العداء المحيط به

وعندما وجد  الحلاج نفسه محاطاً بكل هذا العداء والخصومات أخذ يحرك أتباعه من الوزراء والقادة وإشتدت إتصالاته بالجماهير فغضب الوزير حامد بن العباسي خصم الحلاج الأكبرمن تحركات الحلاج وإتصالاته فأتصل الوزير بالفقيه محمد بن داود الظاهري الذي كان يبغض الحلاج ويمقت الصوفية فأستغل الظاهري مركزه ورفع أمر الحلاج الى المحكمة العليا طالباً محاكمته والحكم بقتله بدعوى الشعوذة وإدعاء الإلوهية
وكان كذلك على رأس من يريدون الخلاص من الحلاج هو الوزير(إبن حامد)الذي أشرف على محاكمته وبذل الغالي والنفيس لكي يسارع بقتله وأخذ يجادله بمفردات 
الحلاج غير المعتادة
،
أما إستغلال الشطحات في شعر ومناجاة الحلاج فكانت حجة لقتله  لإن هذه الشطحات لازمت عددا من الصوفيين ولم يقتلوا على أساسها
ولقد روي عن الحلاج شطحات كقوله
ما في الجبة إلا الله وقوله شعرا
ما زجت روحك روحي كما تمزج الخمرة بالماء الزلال

وإستخدموا كل الوسائل لتكفيره
بعد سجنه لمدة ثمان سنوات حاولوا فيهاإصطياد أي كلمة أو إشارة تدل على الكفروتفنن المنافقون والمنتفعون والمتزلفون في محاولة إثبات الكفرعليه

وإنتهت حياة الحلاج الدرامية ومقتله الوحشي الفضيع سنة 309 هج بعد ثلاثة أيام من الصلب والتقطيع (ولد 244 هج)

ياأيها الناس إعلموا أن الله قدأباح لكم دمي فإقتلوني تؤجروا وأسترح ،إقتلوني تكتبوا عند الله مجاهدين وأكتب أنا شهيداً

هذه الصرخة التي صاح بها الحلاج وسط الناس في أسواق بغداد بعد أن إجتمع عليه الشوق الى الله
والإضطهاد من أهل زمانه والإتهامات العجيبة التي ألصقها الجهلة به تتراوح بين ممارسة السحر الزندقة إدعاء الألوهية هدم أركان الدين
فأعف عن الخلق ولا تعف عني وأرحمهم ولا ترحمني ، فلا أخاصمك لنفسي ولا أسألك بحقي فأفعل بي ما تريد
وقيل له /قل لا إله إلا الله /فقال / إن بيتاً أنت ساكنه غير محتاج الى السرج
وهكذا نرى كيف أحب الحلاج ربه حباً صرفاً منزهاً عن أية غاية لاطمعاً بجنة أو خوف من نار
وحين جيء به ليصلب ورأى الخشب والمسامير ضحك حتى دمعت عينه ثم إلتفت طالباً سجادة ، فصلى ركعتين وتلى آيات من القرآن الكريم

ضرب الحلاج ألف سوط و رفع على الصليب وقطعوا يديه 

ورجليه ثم جزوا رأسه 

بالسيف وأحرقوا جثته وحملوا رماده الى منارة المسجد والقوه 

في الهواء

وبات التصوف يبكي بدموع حرى على شهيد العشق الإلهي وعبقري الثورات ضد الظلم والإستغلال والإحتكار

وإرتمت بغداد باكية وقد هدها التعب وتضرج قلبها كدم الحلاج وتفتت روحها كمداً وألما على من دخلها آملاً بها وبغناها وهيبتها فأردته قتيلاً

وصرخ الظلم بأعلى صوته محتجاً على عذاب العبقري الذي إلتفت بغداد حوله بكل طوائفها ومللها تشيد به وتأخذ من فيض علمه ،يقتل وحيداً وينثر تراب جسده في أثيرها وهي غافية مسترخية في وثير فراشها،والقتلة بيدهم أمضى سلاح  سلاح الكفر، للمؤمن الفذ ،حلاج الإسرار ،شهيد العشق الإلهي، المغيث ، الزاهد، المحير  المتماهي بالتوحيد والعبادة

فعذراً أساطين العلم والتدين والإيمان لمن لم يعرف قدركم

توضيح لا بد منه

نسب الحلاج

*الحلاج من مدينة البيضاء في إيران وسميت لوجود قلعة ترى من بعيد لبياضها
ومن أبنائها عالم النحو سيبويه

*و تقدم دائرة المعارف الإسلامية روايتين متناقضتين عن نسبه
الرواية الأولى تنسب أصله الى أبي أيوب الأنصاري (الصحابي الجليل)وهذا عربياً خالصاً
الرواية الثانية ،إنه حفيد مجوسي من أبناء فارس وهو ما أتفق عليه

المصادر

-مسرحية مأساة الحلاج لصلاح عبد الصبور
- أخبار الحلاج/ماسينيون
-مناجيات الحلاج/ماسينيون /تمكن المستشرق ماسينيون من جمع تراث الحلاج بعد أن كرس خمسون عاماً يبحث في سيرته ومقارناً بينها وبين حياة السيد المسيح وسماه (مسيحي بالشوق)

-دوامات التدين / ليوسف زيدان
-الأبعاد السياسية في مقتل الحلاج/منتديات بوابة العرب


- مدونة ميسون عوني/مولانا جلال الدين الرومي وشمس
التبريزي
ملاحظة مهمة
أضاف المغردالمحترم الأستاذ عبد العظيم الشوتلي بعض الملاحظات المهمة عن التصوف رأيت إدراجها للإهمية
- حديث يطول في التصوف ثمة نوع من المعرفة المكتسبة عن طريق تجويد العبادة ..وإتقوا الله ويعلمكم الله1
-تجويد العبادة عندهم لايتحقق إلا بالتقليد الكامل لعبادة النبي"صلوا كما رأيتموني أصلي"والصلاة معراج العبدلربه2

-وعندهم أن العابد المقلد يرتقي حتى يصل الى درجة يتلقى فيها "معرفة"خاصة من الله وتتحقق أية إتقوا الله ويعلمكم الله 3
-أكيد قرئتها وأحببتها صبراً فنحن لسنا مختلفان4
-مشكلة كثير من المتصوفة مع العامة وفقهاء النص الجامد تبدأ بما يطلقون عليه "شطحات المتصوفة"وذلك حين يخرج منهم كلام5
- يخالف ظاهر النص "الفرق بين الحقيقة والشريعة"والظاهر والباطنوالتفسير والتأويل تتعقد المشكلة أكثر بأن معرفة6
-الزاهد حجة عليه وليست على الأمة لإنه ليس نبياً يوحى إليه ومأمور بالتبليغ " من هذه المعادلة نفذ أعدائهم وكفروهم7
هذه هي ملاحظات الأستاذ المغرد المحترم عبد العظيم الشوتلي أدرجتها كما غرد بها تعقيباً على مدونتي /الحلاج شهيد العشق الإلهي
أتقدم بالشكر الجزيل له وأتمنى أن يغرد بالمزيد
-

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق