الثلاثاء، 22 أغسطس 2017

الفصل الثالث أبا العلاء يلاقي طيفاً

الفصل الثالث من أبي العلاء يلاقي طيفا لميسون عوني في 15-8-2017
العودُ أحمدُ
تَسَللَ التبْرُ خجلاناً رقائقْ رَسَمتْ بيتَ المُعتَكفْ المُلتَفعْ بالصبر الَربْاني ،زاهد الفطرة ،نقي الإيمان ، المُلتَجأ بخياله الألمعي من وحشةِ الدنيا مخترقاً الزمان والمكان ليسجل اسمه ناصعاً في سماء الخالدين
شعت جوانب  البيت مع شعاع التبر مستفيضاً ، غامراً يَضُمُ بين حَناياه عَبقَري الحرفْ والخيال
ومعهما  تسللَ الطيف يرقَبُ ورقاء أبا العلاء، هل هي مختبئة في جنى غصن الشجر تبث هديلها العذب ليحكي الحكيم عنها ويتساءل
أبكت تلكم الحمامة أم غنت على فرع غصنها المياد ،
والشيخ يحمل في ضلوعه قلباً أرق من هديلها ، ويظهر شدة أعنف من عاصفة تطيح بعشها ، هذا الشيخ بكل جلاله وتواضعه يراه الطيف جالساً على لبدة الحصير وكأنه ملك الدنيا وروح الحياة ،ويبدو فقير فقراء المعرة ،وهو من أعز أبنائها واوفرهم مجداً وثقافة وعلماً اقترب الطيف متوجسا مترقباً أن يشعر به أبا العلاء بدون أن يعلن عن حضوره ليستمتع معه بهذا الهدوء المرهف والسكينة التي تغمر القلب تهفهف مع نسيم عذب يحمل اريج الزهور وعبير الياسمين، قبل أن يتدفق المريدين وطلاب العلم فهذه لحظات نادرة صعب أن تتكرر ، شعر أبي العلاء والطيف يتسلل  
أراكِ عدتِ وفي عزم أقوى من اليأس
، كيف لا أعود
والعود لمثلك أحمدُ
هل ترى سيدي كيف يقرن اسمك مع من سميته (معجز أحمد)
بإسم له كل السمو والإجلال والإكرام النبي محمد ص
فأنتَ أحمد أبا العلاء وهو أحمد أبو الطيب المتنبي
ما أجمل هذا المزج كأنها حروف نقشت من نقاء القلب وحرارة الوجدان
هل ترى سيدي تشابهاً مع المتنبي بالإسم فقط أم هناك تشابهاً آخر؟
قولي أنتِ
أعرف حبك للمتنبي وإعجابكَ به مما عرضَّكَ لغضب من يكرهه وانتَ في بغداد
هذا صحيح !ولكن ألا تقدري أن تنسي بغداد ؟
كيف أنسى جذر طفولتي وهدر دجلة يعزف نغماً في روحي  وموجه كأنها تراتيل السماء تدفئ مهجتي ، وقاربه تسكن قطراته في ضلوعي يشدو حنيناً وشوقاً فاق أشواق الشوق وعذاب الحرمان  وحنين المهاجر
ألا لي قطرة من زلال الرافدين تطفئ عطشي الى بلادي
وتنعش ظمأ روحي الى نخيلها وتمورها وأخضر بساتينها،وأصالة أهلها
حرقتي على أهلها وعذابهم يأخذ منه العذاب وصفاً والحنين إلى عزهم أملاً
هل من الممكن أن أنسى؟
إذا كنتَ سيدي عشت فيها أقل من سنتين و لم تنساها ، وتمنيت البقاء فيها ، فكيف أنسى وقلبي ينبض ودمي يهدر وحنيني يشتد
حسناً غفلنا عن الحكاية
نرويها أم يزعجك ذلك
ولماذا يزعجني ؟
أخشى أن يكون، و قد استرحت للإقامة في بغداد
لو كانَ يزعجني لما كتبت بعدها
أودعكم أهل بغداد والحشا – على زفرات ما يَنينَّ من اللذع
وكانَ إختياري أن أموت لديكم –حميداً فما ألفيت ذلكَ في الوسع
ألا زودوني شربة ماء- قدرت إذا أفنيت دجلة بالجرع
متى سألت بغداد عني وأهلها     -     فإني عن أهل العواصم سآلي
سقيًا لدجلة والدنيا مفرقة - حتى يعود اجتماع النجم تشتيتًا
هل تعرف كيف يؤلمني قولك
يا لهف نفسي على أني رجعت-- إلى هذه البلاد ولم أهلك ببغدادا
أبا العلاء هل لنا أن نصف منزلك في بغداد ، وكيف استقبلك أهلها ،وكيف دارَ الحديث بينك وبينهم
قولي  
العاصمة الكبرى تختبر الشيخ الجليل
على شط دجلة كان منزلك
ومن مال حملته معك دبرت عيشك في بغداد
وتوافد أهل بغداد يختبرونك غير مكتفين بصيتك أو شهادة حملتها معك سبقت دار السلام،فالذي يبهر الناس في المعرة أو حلب أو الشام ، قد يكون في العاصمة الكبرى غير لافت ولا مثير ، فلابد كما تذكر الدكتورة عائشة بنت الشاطئ ،”أن يكون لأهل بغداد الكلمة العليا فيما اشتهر من واسع أعجوبة الزمان في الحفظ واللغة كما شهدوا بشاعريتك  وتميزك اللغوي فأقبلوا يقرأون ديوان "سقط الزند"
الطيف يشعر بسعادة وفخر مدينته العظيمة وتاريخها المشرف وآثارها الجليلة ،هذه المدينة التي ترصدها الشر ،فأرادوا محو جمالها وقيمتها  ليهدموا صرحاً حضارياً
جمع كل مثقفي وأدباء وحكماء العالم ، انصهروا في بوتقة ثقافتها وعلمها الذي ارتقى إلى ذرى الحضارة الإنسانية
ونعرج في هذا المجال إلى وصف العميد لمكانة العراق في القرنين الثاني والثالث للهجرة وامتد رغم سقوطها السياسي إلى القرن الرابع والخامس الذي عاش فيه أبو العلاء
"لم تعرف الأمة الإسلامية إقليماً كان أشد نشاطاً من العراق ، ولاسيما في القرون الثلاثة الأولى.
فهو منذ استقر المسلمون فيه مضطرب يغلي غليان المرجل، ولكن هذا الاضطراب ،يأخذ أشكالاً مختلفة في الأطوار الإسلامية
وهذا الإضطراب عقلي ، ليست للخصومة السياسية ولا العصبية قوامه، وإنما قوامه الآراء والمذاهب والخواطر الفلسفية والعلمية والأدبية ، فبعد أن كان الشعراء في المربد والمساجد يلقي بعضهم بعضاً بالهجاء والفخر ، أصبح العلماء يجلسون في المساجد وحولهم المستمعون في النحو واللغة والقصص والتاريخ والفقه.
وأخذت هذه الحركة تشتد ، وأخذ الإضطراب يشتد في آخر القرن الثاني إشتداداً لم يعرف من قبل،فتستحيل مدينة البصرة والكوفة إلى معملين عظيمين ، ينتجان العلماء والشعراء والفلاسفة والمتكلمين ، وهما لا ينتجان لنفسهما ،وإنما ينتجان لمدينة ناشئة وهي مدينة بغداد.
كانت إذن مدينتا البصرة والكوفة معملين لهذه الطبقات المختلفة التي تمثل الحياة العقلية في القرن الثاني  وكانت بغداد المكان الذي يهب إليه من تخرجهم المدينتان: البصرة والكوفة.(ألقى العميد هذه المحاضرة بملعب حديقة الأزبكية بتاريخ 3 يناير سنة 1931
ونضيف إلى توصيف العميد ما ذكره "ابن الكلبي " في كتابه" الأصنام ، تحقيق الأستاذ الدكتور أحمد زكي باشا
ما يلي:
كان العِراق في القرن الثاني والثالث من الهجرة ، مزداناً بمدينتين كبيرتين ،ناهيك بالكوفة والبصرة ، وهما لعمري شبيهتان بما نراه الآن في أوكسفورد وكامبردج من أعمال إنكلترا . فقد كانت كعبتين للعلم والتعليم ،يُحجهما طالبو النور وجهابذة العرفان : من كل فج عميق.
وهكذا نرجع إلى عميد الأدب العربي الدكتور" طه حسين " كما يصف بغداد عند دخول أبا العلاء إليها بأنها كباريس في أيامنا (الفصل الأول من أبا العلاء يلاقي طيفاً )ا...
استطراد ملاحظة
هذه هي بلادي ، هذا هو عمقها التاريخي والعلمي والأدبي والثقافي ،هذه هي بلادي مقصدا الشرق والغرب ، منارة تهدي وتعلم وتثقف ، وأين نحن منها في وقتنا الحاضر عندما هجم مغول الحضارات وسلموها إلى تجار الدين والطوائف
ونعود إلى الحدث المهم والذي قيل إنه السبب في مغادرتك بغداد؟
قولي
مجلس الشريف المرتضي مع المعري
حضرتَ مجلس الشريف المرتضى فجرى ذكر المتنبي فهضم المرتضي من جانبه فقلت:أيها الشريف لو لم يكن لأبي الطيب المتنبي من الشعر إلا قصيدته التي أولها  لك يامنازل في القلوب منازل ...لكفاه.ذلك
فغضب من ذلك المرتضى وأمر بإخراجك من مجلسه، وقال للحاضرين أتدرون ما عنى هذا  الشيخ في ذكر هذا البيت؟، فقالوا :لا، فقال :عنى به قول المتنبي فيهما
وإذا أتتك مذمتي من ناقص فهي الشهادة لي بأني كامل
إلى هذه الدرجة كان حبك واعجابك بالمتنبي ؟
وأكثر ..
ولكنك عندما سُئلتَ  من أشعر الشعراء؟
وكان ردك!
المتنبي وأبو تمام من الحكماء
و الشاعر هو البحتري*
وكتابك عن البحتري يحمل إسم "عبث الوليد"ولقد كتبت في تأويل اسم الكتاب : أما العبثُ فظاهر،وأما الوليد فيجوز أن يراد به البحتري نفسه ،لإنه إسمه ، ويجوز أن يراد به الناسخ لأنه عبث بالكتاب
ولماذا الشاعر هو البحتري؟
لو لاحظنا الوصف في شعر البحتري ، نستطيع أن نصل إلى النتيجة
هل لنا بمثل يقربنا لذلك
إختاري وسنرى
البحتري :205 - 284  هج
من منبج /سوريا هو أبو عبادة الوليد بن عبيد بن يحيى التنوخي الطائي، أحد أشعر أشهر الشعراء العرب في العصر العباسي. يقال لشعره سلاسل الذهب ، وهو تلميذ أبي تمام ، وقدم البحتري إليه و أبو تمام في ذلك الوقت قد عرف واشتهر أمره ، و له مجلس في حمص ، و شعراء حمص يفدون إليه ، وكان البحتري من الذين أتوه وأنشدوا في مجلسه،سمع له أبو تمام واعجب به  فلما انصرف الشعراء إستبقى البحتري وقال له : أنت أحسن من أنشدني .
إنتقل إلى بغداد ، واتصل بالخلفاء العباسيين : الواثق والمتوكل
وكان الناس في عصره يختلفون أيهما أشعر: أبو تمام أوالبحتري ولكنه كان وفياً لأستاذه ولا يغره إكبار الناس له وتقديم المتعصبين له على أبي تمام
وكان إختياري من قصيدة الربيع البحتري
أَتاكَ الرَبيعُ الطَلقُ يَختالُ ضاحِكاً مِنَ الحُسنِ حَتّى كادَ أَن يَتَكَــــــلَّما
وَقَد نَبَّهَ النَيروزُ في غَلَسِ الدُجى أَوائِلَ وَردٍ كُنَّ بِالأَمسِ نُــــــــوَّما
يُفَتِّقُها بَردُ النَدى فَكَأَنَّــــــــــــــــهُ يَبُثُّ حَديثاً كــــــــــانَ أَمسِ مُكَتَّما
وَمِن شَجَرٍ رَدَّ الرَبيعُ لِباسُــــــــهُ عَلَيهِ كَما نَشَّرتَ وَشياً مُنَمــــــنَما
أَحَلَّ فَأَبدى لِلعُيونِ بَشاشَــــــــــةً وَكانَ قَذىً لِلعَينِ إِذ كانَ مُحــــرَما
وَرَقَّ نَسيمُ الريحِ حَتّى حَسِبتَـــهُ يَجيءُ بِأَنفاسِ الأَحِبَّـــــــــــــةِ نُعَّما
لماذا إخترتِ وصفاً للربيع؟
ترجيحك للبحتري أنه أشعر الشعراء ، وبأنه امتاز عنهم بإجادة الوصف ، جعلني أختار هذه الأبيات ،لرقتها وشفافية معانيها التي تدخل القلب ليشعر بجمال الربيع والحقيقة أن وصفه يغمرالروح وإذا لم يملك الشاعر شغاف الروح يكون شاعراً ولكن تنقصه حرارة التعبير التي تفيض بشغفها لتخلب لب القارئ او المستمع
ولاثراء الموضوع رأيت أن أضع شعرا لأبي تمام *في الوصف وشعراً للمتنبي كذلك ،وكما نعرف بأن روعه شعر المتنبي هو بوصف الحروب والمواقع الحربية التي كان يقودها سيف الدولة الحمداني


*أبو تَمّام
(188- 231- 788-845 م)
هو حبيب بن أوس بن الحارث الطائي، أحد أمراء البيان، ولد بدمشق  وجاء بعد ذلك إلى مصر وهو غلام فأقام بها خمس سنين ، وقال الشعر في مصر وقال الشعر في الشام قبل أن يذهب إلى العراق ، وفي بغداد اتصل بالخلفاء المعتصم والواثق ، والوزراء وكبار الكتاب المشهورين ،ويقال إنه مهما كان الوطن الذي ولدَ فيه أبو تمام وعاش وتعلمَ تعليمه العقلي فيه  إنما هو العراق .
فلتختلف مصر والشام في أبي تمام ، فلن يجدي عليهما هذا الخلاف فإنه يدين بشعره إلى بغداد
ولقد اختار أبا العلاء عنواناً لكتابه عنه "ذكرى حبيب" فأحسن الوصف والإختيار.
يتصف بالذكاء الحاد وكان حاضر البديهة وكان إلى جانب الذكاء ،حاد الشعور يحس بالأشياء حساً سريعاً، يتأثر بها تأثراً عميقاً ،ويمتاز ذكاؤه بالعمق لم يكن لغيره من الشعراء
نموذج من شعر أبي تمام من قصيدته الشهيرة
رقت حواشي الدهر فهي تمرمر وغدا الثرى في حليه يتكســـــر
نزلت مقدمة المصيف حميدة ويد الشتاء جديدة لا تكفـــــــــر
واخترت منها أبيات وصف الربيع
أربيعنا في تسع عشرة حجـــــة حقا لهن للربيع الأزهــــــــــــــر
ما كانت الأيام تسلب بهجـــــــة لو أن حسن الروض كان يعمــــر
أولا ترى الأشياء إذ هي غيرت سمجت وحسن الأرض حين تغيـر
يا صاحبي تقصيا نظريكما ــــــــا تريا وجوه الأرض كيف تصــور
تريا نهارا مشمسا قد شابه ـــــــه زهر الربا فكأنما هو مقمـــــــر
دنيـــــــا معاش للورى حتى إذا جــــــلي الربيع فإنما هي منظـــــر
أضحت تصوع بطونها لظهورها نـــــورا تكاد له القلوب تنـــــــــور
من كل زاهرة ترقرق بالنـــــدى فكأنهــــــا عين عليه تحـــــــــــدر
تبدو ويحجبها الجميم كأنهــــــا عــــذراء تبدو تارة وتخفـــــــــــــر
حتى غدت وهداتها ونجادها ــــا فئتين في خلع الربيــــع تبختـــــــر
مصفرة محمرة فكأنها عصـــب تيمن في الوعاء وتمضــــــــــــــــــر
من فاقع غض النبات كأن ـــــــه در يشقق قبل ثم يزعفــــــــــــــــــر
أو ساطع في حمرة فكأن مــــا يدنو إليه من الهواء معصفــــــــــر
ولا يمكن تجاهل قصيدة أبو تمام واصفاً أشهر معركة وهي معركة عمورية
وفيها أن امرأة نادت في بلد يدعى زبطرة *فتحه الروم ، وامعتصماه ، فنقل ذلك إلى الخليفة ، وكان في يده قدح فوضعه وأمر أن يحفظ ، فلما رجع منتصراً شربه  وخلدت هذه القصيدة هذه الموقعة الشهيرة وخلد فيها الخليفة والشاعر.
*زبطرة: في الأناضول
السَّيْفُ أَصْدَقُ إِنْبَاءً مِنَ الكُتُبِ
في حدهِ الحدُّ بينَ الجدِّ واللَّعبِ

بيضُ الصَّفائحِ لاَ سودُ الصَّحائفِ في
مُتُونِهنَّ جلاءُ الشَّك والريَبِ

والعِلْمُ في شُهُبِ الأَرْمَاحِ لاَمِعَة ً
بَيْنَ الخَمِيسَيْنِ لافي السَّبْعَة ِ الشُّهُبِ

أَيْنَ الروايَة ُ بَلْ أَيْنَ النُّجُومُ وَمَا
صَاغُوه مِنْ زُخْرُفٍ فيها ومنْ كَذِبِ
يا يوم وقعةَ عَمُّوريةَ إنصرفتْ
عنك المنى حُفَّلامعسولة الحلَب
لَبَّيْتَ صوتاً زبَطْرياَّ هرقتَ له
كأس الكرى ورضاب الحرَّدالعرب
عداك حر الثغور المستضامةعن
برد الثغور وعن سلسالها الحصب
ويستمر في القصيدة التي تربو على الخمسين بيتاً وخلد فيها استغاثة المرأة وكيف لبى المعتصم ندائها ،
وتعطى الأمثلة على الشهامة ،وكذلك خلدت هذه القصيدة شاعرها المجيد

المتنبي
و المتنبي هو أحمد بن الحسين بن الحسن بن عبد الصمد الجعفي الكوفي الكندي ولد بالكوفة سنة 354هـ-303 هج /915-965م
ونلاحظ أن المتنبي قد سبق أبا العلاء بحوالي ستين عاماً
وفي توصيف شعر المتنبي (الوصفي)كما ذكره دارسي شعره من الأدباء وأخترت كتاب "مع المتنبي" لعميد الأدب العربي الدكتور "طه حسين
يلاحظ إن البيئة الطبيعية لم تكن تؤثر على المتنبي فقد كان يمر بالقرى والمدن ويعيش فيها دون أن يراها ،أو دون أن يظهر في شعره إنه رآها أو إنها أثرت في نفسه تأثيراً قوياً أو ضعيفاً ،ولولا إنه وصف بحيرة طبرية حين مدح عليّ بن إبراهيم التنوخي ، وألم إلماماً يسيراً بوصف لبنان حين مدحَ الأوراجي ، ووصف وادي بوان حين مدح عضد الدولة ، وسمى طائفة من المدن والقرى والجبال تسمية-لولا هذا لقلنا :إن المتنبي قد مر على الدنيا ورآها ، ولكنه لم يحفل بها،أستغفر الله ، بل لم يحفل بمظاهر الطبيعة فيها، لأنه مشغول عن الطبيعة بنفسه وبالناس،وكان يرفع بصره إلى السماء أحياناً إذا جنه الليل وارقه الحزن واليأس ، فيرى النجوم، فربما وصفَ النجوم فأحسن الوصف ،وربما صور الليل فأحسن التصوير،ولكنه في هذا كله لم يكن يقصد إلى الوصف من حيث هو فن يُطلب لنفسهِ ويُتخذ إلى الجمال الخالص ، وإنما كان الوصف وسيلة إلى ما يثور في نفسه من العواطف والأهواء
وأدرج أبيات الوصف في بحيرة طبرية
, والأبيات المقصودة ثمانية في عددها من قصيدة مدحه في الحسين بن إسحق التنوخي بلغت 42 بيتا وهي
لولاك لم أترك البحيرة والغـــور دفـئ وماؤها شبــم
والموج مثل الفحول مزبـدة تهدر فيها وما بها قطــم
والطير فـوق الحبـاب تحسبها فرسان بلـق تخونها اللجـم
كأنهـا والرياح تضربها جيشا وغى هازم ومنهزم
كأنهـا في نهـارهـا قمـر حفّ بــه من جنانها ظلم
تغنـت الطيـر في جوانبهـ وجادت الأرض حولها الديم
فهـي كَماويّةٍ مطوقــــة جـرد عنهـا غشاؤها الأدم
يشينهـا جريهــا الى بلـد تشينـه الأدعياء والقـزم
فلولا الممدوح التنوخي لما ترك المتنبي البحيرة ذات الماء البارد والغور الدافىء وهي من أحسن المشاتي ! فكأنما عوض وجود التنوخي في الغور المتنبي عن الاستجمام في الجليل , والاستحمام في بحيرة طبرية , وعما يراه حولها من مناظر ساحرة خلابة , ومبهرة جذابة أدناها أمواج هائجة كأنها فحول من الإبل ترعى
ونضيف إستطراداً لقول العميد لولا التنوخي لما وصف بحيرة طبرية
وكما وصف أبا العلاء شعر المتنبي بالحكمة نحاول توضيحها
نموذج من شعر المتنبي في الحكمة
الرأي قبل شجاعة الشجعان – هو أول وهي المحل الثاني
فإذا هما اجتمعا لنفسٍ حرةٍ – بلغت من العلياء كل مكان
هل ترى سيدي كيف إجتمع لبغداد كل هذا العز والجلال
وكيف جادت سماء العراق بالجود
فنبت الفيض من غرين العز والأمل
وتمايلت السعوف بالخير تتذوق حلاوة التمر
وغادية نثرت قطرها على أرض العراق ليصفو رونق التبر
وعزف الناي رفيفاً آخذا يذرف الدمع من مهجة الشجن
سرى النغم الحزين ليودع المجد والأمل
أتأذن لي سيدي أن نستأذن من شعرائنا الأفذاذ لوهلة ونرجع إلى رسالة ابن القارح وردك عليها
وقبلها أردت أن أضع لرسالة الغفران تاريخاً قريباً لما ذُكر في مختلف المصادر ـ
من الواضح أن رسالة الغفران كتبت  من أواخر الربع الأول للقرن الخامس الهجري ولم يهتم القدماء بتحديد تاريخ الرسالة ولا الدافع الحقيقي إلى كتابتها وتم إهمال رسالة ابن القارح التي بموجبها،ردك برسالة صارت أشهر من نار على علم بتفسيرها وتحليلها والتشبيهات والمرادفات والقصص والأشعار التي امتلأت بها وغمرت المتميزين من أبناء العرب
وتذكر د.عائشة بنت الشاطئ حول زمن الرسالة كما يلي
ومعرفة زمن الرسالة لم تكلفني أكثر من قراءة منتبهة ،لفتني منها قول "أبي العلاء في "الغفران" حين تحدث عمَّن يدّعون أن علم الغيب قد كُشِف لهم (ولا يجوز أن يخبر مخبر منذ مائة عام ، إن أمير حلب –حرسها الله-في سنة أربع وعشرين واربعمائة ، اسمه فلان ابن فلان ، وصفته كذا فإن ادعى ذلك مدعٍ فإنما
متخرص كاذب
يستفاد من هذه العبارة أن الرسالة كانت تكتب عام 424 هج ويستند في هذا إلى قول "ابن القارح" في رسالته إلى "أبي العلاء
(وكيف أشكو من قاتني وعالني نيفاً وسبعين سنة ) وقد ولد ابن القارح كما ذكر ياقوت – في السنة الأولى بعد منتصف القرن الرابع ،في عبارته هنا نص على أن رسالته كُتبت بين عامي 422هج و424هج حيث يكون عمره نيفاً وسبعين سنة
ولنبدأ باستعراض رسالة ابن القارح لأبي العلاء، بعد أن أخذه أبا العلاء -الفصل الثاني إلى عوالم عجيبة من الجنة والجحيم ،في بحور اللغة والتفسير ، الاستشهاد بالآيات القرآنية ،طارحاً مواضيع مهمة جداٍ ومنها الزندقة والإلحاد ،وارتباط الزندقة بتصادم الملل والنحل وتضارب المصالح وقد أرشدنا عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين ببحثه عن صلة الزندقة بالحركة الشعوبية التي عرفها العالم الإسلامي في
عهد مبكر.كما سنوضح لاحقاً
بسم الله الرحمن الرحيم
استفتاحاً باسمه ،وإستنتاجاًببركته والحمد لله المبتدئ بالنعم ،المتفرد بالقدم ، الذي جلّ عن شبه المخلوقين وصفات المحدثين ، وليّ الحسنات ،المبرأ من السيئات ،العادل في أفعاله ، الصادق في أقواله ، خالقِ الخلْقِ ومُبديه ،ومُبْقيه ما شاء ومُنفيه، وصَلَواتُه على محمَّدٍ وأبراِر عِترتِه وأَهْلِيه ، صلاةُ تُرضيه و تُقَرِّبه وتُدْنيه ، وتُزْلفُه وتُحْظيه
كتابي – أطال اللهُ بقاءُ مولاي الشيخِ الجليل ، ومُد مُدتَه ، وأدام كِفايتَه وسعادته ، وجعلني فداءَه ، قدَّمني قبْلَه على الصَّحةِ والحقيقة ، وبعد القصد والعقيدة ، وليس على مجاز اللفظ ، ومجرى الكتابة ، ولا علي تَنقُّص وخِلابة ، وتحبُب ومسامحةٍ ،ولا كما قال بعضُهم وقد عاد صديقاً له:( كيف تَجدُكَ جعَلني اللهُ فداكَ ، وهو يقْصِدُ تَحبُّباً ، ويُريدُ تملَّقاٍ ، ويَظُنُّ أَنه قد أسدى جَميلاً يَشكُرُه صاحُبه إن نَهضَ واسْتَقَلَّ ، ويُكاف ِئٌه عليه إن أفاقَ وأَبلَّ عن سلامةِ تَمامُها بحضور حضَرته ، وعافيةٍ نظامها بالتشَرُّفِ بشريفِ عِزَّتِه ، ومَيمْون نَقيبته وطلعتِه .
ويَعلمُ الله الكريمُ – تقدست أسماؤُه- أنّي لو حَنَنْتُ إلبه –أدام اللهُ تأييدَه –حنين الوالِه إلى بِكْرها ،أَو ذاتِ الفَرْخِ إلى وكْرها ، أو الحمامةِ إلى إلفِها، أو الغزالةِ الى خِشْفِها ‘لكان ذلكَ مما تُغَيِّره الليالي والأيام والعصورُ والأعوام ، لكنه حنينُ الضمآن الى الماء...ص21-22-23-24
ويرد أبا العلاء
وكيف يَقولُ الخليلُ المُخْلِصُ* ، وهو عن الهِجران مُتقلّص:إنَّ حَنينَه حَنين والِه من النُّوقِ ، وهي الذاهِلَةُ إن حُمِل عليها بعضُ الوُسوق، وإنَّما تَسجَع ثلاثاً أو أَربعاً ،ُثمَّ يكونُ سٌلُوُها مُتْبَعا؟
فأَما الحَمامةُ الهاتِفةُ ، فقد رَزَقَها البارئُ صِيتاً شائعاً ، وظَلَّ وَصفُها بالأسَفِ ذائعاً ، تَنَهضُ إلى التقاطِ حَبِّ وتَعُودُ إلى جَوْزَلِها ذاتَ أَبّ.....ص385-386-387-388-389-390-391-392-393
*يقصد بالخليل المخلص "ابن القارح" ويشير فيها إلى قوله في رسالته "لو حننت إليه أدامَ الله تأييده حنين الواله الى بكرها.....ص21
ويستطرد ابن القارح في الرسالة
وَرَدْتُ "حلب" ظاهِرَها – حماها اللهُ وحَرَسها- بعد أن مُنيتُ بِرَبضِها بالدُّرَخْمين *وأُمِّ حَبَوْكَرَى والفُتَكْرِين ، بل رُمِتُ بآبِدةِ الآباد(الدهر) والداهية النآد (السحاب)، فلما دخَلْتُها-  وبعدُ لم تستقر بي الدارُ، وقد نَكِرْتُها لفقْدانِ  معرفةٍ وجار- أنشدتُها باكياً:
إذا زُرتُ أرضاً بعدَ طولِ اجتنابها- فقَدْتُ حبيباً والبلادُ كما هيا
كانَ "أبو القطران ، المرَّارُ بنُ سعيد الفقعسيّ " يَهوى ابنةَ عمه بنجد ، واسمها "وحشية" فاهتداها رجلُ شاميَّ إلى بَلَدِه . فغمَّه بُعْدُها ، وساءَه فِراقُها ، فقال من قصيدة:
إذا تركتْ وحشيَّةُ النجد لم يكُن- لعينيكَ مما تَبكيانِ طبيبُ
رأى نظرةُ منها فلم يَملِك البُكا- مُعاوِزُ يَربو تحتهن كَئيبُ
وكانت رياحُ الشامِ تُكْره مرةً- فقد جَعلت تلك الرياحُ تطيبُ
فحصَلْتُ من الرَّباحِ(الربح) على الرياحِ ، كما حصل "لأَبي القطرانِ" من "وحشية"
*الدرخمين : الداهية  ، وام حبوكرى : الداهية ، الفتكرين: بكسر الفاء وضمها وفتح التاء :الدواهي والشدائد
ص24
ويرد أبا العلاء
فهمت قوله: جَعَلَني الله فداءَه *، لا يذهب به الى النَّفَاق وبُعد ابنُ ىدم مِن الوفاقِ. وهذه غريزةُ خُصَّ بها الشيخُ دُونَ غيرِه ،وتَعَايَشَ العالم بخداع ، وأَضحَوا من الكذب في إبداع .
لو قالت "شيريُن" المَلِكةُ "لِكِسْرى" : جَعَلَني اللهُ فِداَْكَ في إقامةٍ أو سُرَى، لخالَبَتْه في ذلك ونافَقَتْهُ ، وإن راقَتْه بالعَطلِ**(استغنت بجمالها عن الحلى)
ووافَقَتْه ،على أنَّهُ  أخذها مِن حال دَنَيَّة ، فجعلَها في النُّعْمَى
السَّنيِّة ، وعتَبَهُ في ذلك الأَحِبَّاء وجرت لهم في ذلك قِصَصُ وأَنباء.
وقيل له – فيما ذُكر ،واللهُ العالِمُ بمَنْ جُدِبُ(عاب الشئ) أوشُكِر-:كيفَ تطيب نفسُ الملك لهذه المُومِس ، وهي الوالِجةُ في المغَمِّس (القذارة)؟فضرَبَ  لهم المَثلَ بالقَدَحِ – وإذا حَظِيت الغانيةُ فليستْ بالممُفْتَقِرة الى الصَّدَح (خرزة يستعطف بها الرجال)– جَعَلَ في الإِناء الشَّعَرَ والدّمَ ، وقال للِحاضِرِ ولا نَدَمَ ، أتجيب نفسك لِشرب ما فيه ؟ وإنما يُجَنَحُ إلى تَلافيه. فقال إنها لاتطيبُ وهي بالأنجاس قَطيبُ
...ص381
*يشير أبو العلاء إلى قول ابن القارح "كتابي أطال الله بقاء مولاي الشيخ ... وجعلني فداءه ص21
وقد وصلت الرسالة التي بحرُها بالحِكَم مسجور ، ومن قرأها لاشك مأجور .. وألفيتها مفتتحة بتمجيد ،صدر عن بليغ مجيد ، وفي قدرة ربنا جلت عظمته أن يجعل كل حرف منها شبح نور ،لا يمتزج بمقال الزور .. ولعله سبحانه- قد نصب سطورها المنجية من اللهب ، معاريج من الفضة والذهب ، تعرج فيها الملائكة من الأرض الراكدة  الى السماء* ، وتكشف عن سجوف الظلماء، بدليل الآية :" إلَيْه يَصْعَدُ الكَلِمُ الطَّيِّبُ والعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ"
وهذه الكلمةُ الطيبةُ كأَنها المعنيّةُ بقوله "ألَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَب اللهُ مَثَلا كَلِمَةُ طَيَّبة كَشَجَرِة طَيَّبةٍ أَصْلُهَا ثابتُ وَفَرْعُهَا في السَّماءِ تُؤْتي أُكُلَها كلَّ حين بإذْنِ رَبِّهَا"
في تلكَ السطور كَلِمّ كثير ، كلُه عند الباري-تقدس-أَثيرٌ. فقد غُرس لمَولايَ الشيخِ الجليل-إن شاءَ الله –بذلك الثناءِ ،شجرُ في الجَنَّة لذيذ اجتناء . كلُ شجرةٍ منه تأخذُ ما بين المشرق إلى المغرب بظَلِّ غاط،ليست في الأعين كذات أنواط  . وذاتُ أنواط –كما يَعْلمُ(الضمير هنا لإبن القارح)- شجرةُ كانوا يُعظِّمونها في الجاهلية ...
*ص140
*ذات أنواط: شجرة كانت تعبد في الجاهلية ،وكانت للمشركين ،ينوطون بها سلاحهم ، أي يعلقونه بها و يعكفون حولها، فسُألوه –صلى الله عليه وسلم-أن يجعل لهم مثلها فنهاهم عن ذلك


ملاحظة
نلاحظ في رد أبا العلاء السخرية والتهكم رغم محاولته مجاملة إبن القارح، ولكن نرى وضوح المعنى في ردوده وملاحظته بحيث يصعب على القارئ والباحث ملاحقتها لإنتقال أبا العلاء من موضوع إلى موضوع واستعمال الضمائر، وتفسير الأشعار ،ومسائل لغوية ونقدية التي تخطر على الذاكرة العلائية، ويحتار معها القارئ أو الباحث
وقبل أن يعلق أبا العلاء عن ورود إبن القارح لحلب يذكر ما يلي رداً على مدح صفاته وفضائله
وأمَّا ما ذكَرَهُ من حالي-غُطَّيَ شَخْصُه أَن يٌلحَظَ بنَواظِر الغِيَرِ ، ومُتَّعَ من مال بِحَيرٍ ،أي كلام كثير،
قال الراجز:
يا رَبَّنا مَن سَرَّهُ أَنْ يَكْبرَا- فَسقْ لهُ يا رَبَّ مالاً حِيَرا
فطالما *أُعطِيَ الوَثَنُ سعودا ، فصارحُضورُه للجهلَةِ مَوعودا ، فإن سُررتُ بالباطل، فَشُهرْتُ باتَّخاذِ النياطل**. وإنَّ الصابرَ مأجورٌ محمودٌ ، ولا رَيبَ أَنْ سُيقدَرُ لِمن ظَعَن شِرْبُ مَثْمود***
*الفاء واقعة في جواب قوله :(وأما ما ذكره من حالي) . والفعل (أعطى الوثن) في الأصل مبني للمجهول ، والمعنى به قوي . لكن نيكلسون اختارَ البناء للفاعل ونص ترجمته للفقرة:
Long did the idol give good luck to the worshippers until the ignorant thought that the coming hereof,was a sure promise
** النياطل:
جمع نيطل أو ناطل ، وهو الجرعة من الخمر ، أو مكيالها.ولعل المعنى ، إنه يشفق على نفسه ،أن يشهر بشرب الخمر ، باطلاً،إن سر بما اشتهر من مدحه بالباطل.
*** شرب مثمود : كثر عليه الناس حتى فني ونفذ إلا أقله . وأصل الثمد الماء القليل الذي لاماد له ، وقيل: هو الذي يظهر في الشتاء ويجف في الصيف.
وجاءَ به أبو مسحل في (النوادر 1/69) بمعنى المنكود ، في الرجل / ويكمل أبا العلاء ويتبرأ مما يقال عن علمه وفضله ، ويقسم أنه مكذوب عليه....ص 387-393
أبا العلاء بكل التواضع... يتبرأ مما يقال عن علمه وفضله، ويقسم أنه مكذوب عليه
ملاحظة : هذا شرح لنفس أبا العلاء من رفضه المديح وأعتقد أن رفضه قد بني على أساس شعوره بنفاق إبن القارح ، وهذه الصفة ممقوتة في أبسط معنى للأخلاق
ويرد على ابن القارح حين وروده حلب
وأما* ورُودُه "حلب" –حرسها الله – فلو كانت تَعقِلُ لَفَرِحَتْ به فَرَحَ الشمطاءِ المْنهَبِلة ، لَيستْ بالآبلَةِ ولاالمؤتَبِلة** ، شَحَطَ سَلِيلُها الواحد ، وما هُو لِحقِّها جاحدُ، وقَدِمَ بَعْدَ أعوامٍ ، فَنَقَعتْ به فَرْط أوام ، وكانت معهُ كالخنَساءِ ذاتِ البُرغُز، وتَعت به في الأصيل، وهو لِحَتفٍ بوصيل ، فلما رَأت المكان آمناً ، ولم تَخْشَ للسِّراحِ الخُمعِ كامناً، إنبسطَت في المَرادِ الواسع وخَلَّفَتْه ، يُحاولُ أُنُفاً تَكلَّفتْه ، لِتُجِرَّ لِذلك الوَلدِ ما في الأخلاف، ولا تلاقي بُعيْدَ التَّلافِ....ص393
*يشير إلى قول "ابن القارح "في رسالته(وردت حلب ، ظاهرها ، حماها الله تعالى ٢٤ص...)
**الآبل : الذي يحسن القيام على الإبل
وائتبل: ثبت على رعيه للإبل وأحسن القيام عليه
ويذكر أبا العلاء إنه همَّ بالإنتحار ، ثم رهب قدومه على الجبارص395
وقد كدتُ أَلحَقُ برهطِ العَدَمِ ،بإ من غير الأسفِ ولا النَّدَم، ولكنَّما أَرهبُ قُدومي على الجَّبار ، ولم أصلحْ نَخْلي بإبار . وقيل لبعض الحُكماءِ : فُلاناً تَلطَّف حتى قَتَلَ نفْسه ، ولم يُطِقْ في الدار الخاليةِ عَفْسَه ،وكره أَن يُمارسَ بدائعَ الشُّرور ....ص395
ملاحظة
نلاحظ الخوف الفطري الذي حمله أبو العلاء في قلبه من قضية الانتحار المرفوض من قبل الدين الإسلامي باعتبار أن حياة الإنسان هي ملك لربه ولا يجوز للإنسان التصرف فيه
ولقد دافعت أسرة الفنانة سعاد حسني دفاعاً مستميتاً ووكلوا المحامين بمحاولة الر د على كل من ذكر إن سعاد حسني ماتت منتحرة ، خوفاً عليها من عقاب الله سبحانه وتعالى
وأما من فَقَدَهُ مِن الأَصدقاءلَمّا دَخَل" حلب" ،حرسها الله ، فتِلك عادَةُ الزَّمَنِ،ليسَ على السالِم بمؤتَمَن ،يُبَدِّلُ من الأبياتِ المسكُونَةِ قبوراً، ولا يُلحِقُ بعَثَرةٍ  جُبورا . وإنَّ رَمَسَ الهالك لبَيَتُ الحَقِّ، وإن طَرقَ بالمُلِمِّ الأشَقِّ
... ص 402 وفيه يرد أبا العلاء على قول ابن القارح كما ذكرنا
فلما دخلتها، وبعد لم تستقر بي الدار ، وقد نكرتها لفقدان معرفة وجار
ويستطرد ابن القارح
كان أبو فرج الزهرجي* كاتب حضرة نصر الدولة** -أدام اللهُ حراسته-كتب رسالة إلي أعطانيها ، ورسالةً إليه –أدام الله تأييده- استَوْدَعَنيها، وسألني إيصالها إلى جليل حضْرتِه(يقصد إيصالها لإبي العلاء) ، وأكون نافِثَها لا باعثها، ومُعَجلَها لا مؤَجَّلَها. فسرقَ عَديلي رَحْلاً لي ، الرسالةُ فيه ،فكتبْتُ هذه الرسالةَ أشكو أُموري وأبثُ شُقُوري ، وأطلْلِعُه طِلْعَ عُجري و ما لقيتُ  في سفري من أقوام يدعون العلم والأدب .. وهم أصفار منها جميعاً...ص 27 من غفران بنت الشاطئ
لقيتُ " ابا الفرج الزهرجي"ب"آمد"ومعه خِزانةُ كُتبِه ، فعَرَضَها عليَّ فقلتُ: كُتُبُكَ هذه يهوديةُ، قد برئتْ من الشريعةِ الحنيفية  فأظهر من ذلك إعظاماً وإنكاراً ، فقلتُ له : أنتَ على المُجَرَّب ، ومثلي لايَهِرِفُ بما لايعرِف ، وأبْلُغُ تَيْقَنْ . فقرأ هو وولدُه وقال: صغَّرَ الخُبْرُ وكتب إلي رسالةً يُقَرَّظُني فيها بطبعٍ له كريم ،وخُلُقٍ غيرِ ذميم ...ص27
ومباشرة يذكر إبن القارح  المتنبي
قال " المتنبي":
أذمُ إلى هذا الزمانِ أُهَيْلَه *
صغَّرَهم ،صغيرَ تحقيرٍغير تكبير،وتقليل غيرِ تكثير، فنَفَثَ مصدوراً ،وأظهر ضميراً مستوراً . وهو سائغ في مجازالشِّعرِ، وقائلهُ غيرُ ممنوعٍ من النَّظْم والنثر،ولكنه وضعه في غير موضعه ، وخاطَّبَ به غير مُستَحِقِّه ، وما يَسْتَحقُّ زمانُ ساعده بلقاء "سيف الدولة " أن يُطْلقَ على أهلِه الذمَّ ، وكيفَ هو القائل
أسيرُإلى إقطاعه في ثيابِه – على طِرْفِه من دارِه بحُسامِه
وقد كان من حقه أَن يجعلَهم في خِفارته ، إذا كانوا منسوبين إليه محسوبِين عليه....
*وتمام البيت فأعلمهم فدم وأحزمهم وغد
ملاحظة
وسنرى تعليق أبا العلاء على حديث ابن القارح ، بأن المتنبي إنما قال هذا البيت في "علي بن محمد بن سيار – بأنطاكية ، وهذا قبل أن يمدح سيف الدولة ، فضلاً بأن المتنبي كان مولعاً بالتصغير والشعراء مطلق لهما ذلك..
... ص 26-27 -28من رسالة ابن القارح
ولقد علقَ أبو العلاء ،على حديث ابن القارح هنا ، بأن المتنبي إنما قال هذا البيت في علي بن محمد بن سيار – بأنطاكية" قبل أن يمدح سيف الدولة فضلاً عن أن المتنبي كان مولعاً بالتصغير ، والشعراء مطلق لهما ذلك ......ص 416 وما بعدها
ملاحظة
نلاحظ إقحام المتنبي في كلام ابن القارح مما يظهر انشغاله به، أو لعلمه بمكانة المتنبي عند أبي العلاء
كما ونلاحظ إعادة إبن القارح الكلام عن المتنبي في أكثر من موضع ،وهنا يشير إلى المتنبي
حكى "القُطُرُبُّلَّي " و "ابنُ أَبي الأزهر" في كتاب إجتمعا على تصنيفه –وأهل مصرواهل بغداد، يزعمون أَنه لم يُصَنٍّفْ في معناه مِثْلُه لِصغر حجْمِه وكِبر عِلمِه – يحكيان فيه أَن "المتنبي "اُخرجَ ببغداد من الحبس الى مجلس "أبي الحسنِ ،علي بن عيسى الوزير – رحمه الله فقال له: أنتَ أحْمدُ المتنبي ؟ فقال: أنا أحمد النبيُّ . وكشف عن بطنِه فيه فأَراه سلْعة فيه وقال: هذا طابَعُ نُبُوَّتي وعلامةُ رسالتي ، فأمر بقلعِ جُمْشُكِهِ وصَفَعهُ به خمسينَ ، وأعاده الى محْبسِه
ويقول "لسيف الدولة ":
وتغضبونَ على مَنْ نال رِفْدَكُمُ – حتى يُعاقِبَه التنغيصُ والمِنَنُ
وكذبَ والله ، لقد كان يَتَحَّرشُ بالمكارم ويحتك بها، ويحسُدُعليها أَن تكونَ إلاَّ مِنه وبه ، وهذا غير قادحٍ في طلاوة شعرِه ورونق ديباجته ، ولكني أغتاظُ على الزنادقة والملحدين الذين يتلاعبون بالدين ،ويرمون إدخالَ الشَّبَهِ والشكوك على المسلمين ، ويستعذبون القدح في نبوة النبيين صلوات الله عليه أجمعين ، ويتظرفون ويبتدئون إعجاباً بذلك المذهب ، ( تيه مغن وظرف زنديق ، لأبي نواس)
ثم يسترسل بعدها في الكلام عن "بشار"و"الصناديقي" و" الوليد بن يزيد"و" الجنابي"و"الحلاج"
واخترت الفقرات عن "بشار" و" الحلاج" والتعليق عليها
رد المعري
وأَما "أبوالفَرَجِ الزَّهْرَجِيَّ فَمَعرِفتُه " بالشيخِ تُقْسِمُ أنه للأَدَبِ حَليفُ، وللطَّبْعِ الخَيِّرِ أليف.
وَودِدتٌ أَنَّ (الرَّسالةَ )وَصَلَتْ إليَّ ، ولكِنْ ما عدل ذلك العَديلُ* ،فَبَعِدَ ما تَغَنّى هَدِيل ، هلاَّ اقتنع بنَفَقةٍ أَو ثوبٍ، وترك الصُّحُفَ عن نَوْب ...ص404-409
وأمَّا شَكواهُ إليَّ ،فإنَّني وإياَّهُ لكَمَا قِيل في المَثَل الثكْلَى تُعينُ الثكلى. وعلى ذلكَ حَمَل "الأصمعيُّ" قول "أبي دُواد"*وهو جويرية بن الحجاج الايادي
ويُصِيخُ أحياناً كما إس ...  تَمَعَ المُضلُّ دُعَاءَ نَاشدْ
كلانا بحمدِ الله مُضِلُّ،فعَلى مَنْ  نَحمِلُ وعلى مَن (نُدِلُ) أما المَطَّيةُ فآلِيَة*(بمعنى بطيئة) وأَمَّا المَزادةُ فخالِيَةُ ، والركْبُ يَفتَقِرُ إلى الحَصاةِ، وكلٌهم يَهَشَ* للِوَصَاةِ(أقبل عليه مسروراً
يشكو إلي جملي طول السرى – صبر جَميلُ،فكلانا مبتلى
*-يشير إلى قول "ابن القارح بعد إخباره برسالة "الزهرجي" إلى أبي العلاء وقد سرق عديل " ابن القارح "رحلاً له وكانت الرسالة فيه ….ص26
ويذكر إبن القارح : كتبتُ هذه الرسالة أشكو أموري وأبثُ شقوري ، وأطلعه طلع عجري و- وما لقيتُ  في سفري من أقوام يدعون العلم والأدب .. وهم أصفار منها،ولهُمْ تَصحيفَات كنت إذا ردَدْتُها  عَليْهم  ،نَسَبوا التَّصحيفَ إِلىَّ وصاروا إلباً عليَّ .
لقيتُ"أبا الفرج الزهرجي" ب"آمد" ومعه خِزانةُ كُتبِه ، فعَرَضَها عليّ فقلتُ: كٌتُبكَ هذه يهودية ، قد برئت من الشريعة الحنيفية ،فأظهرَ من ذلك إعظاماً وإنكاراً ،فقلت له : أَنتَ المُجَرَّب، ومثلي لايَهِرِفُ
بما لايعرِف ، وأبْلُغْ تَيْقَنْ . فقرأ هو وولده وقال:صغَّر الخُبْرُ الخَبَر . وكتب إلي رسالةً يُقَرِّظُني فيها بطبعٍ كريم ،وخُلٌقٍ غير ذميم
الإنتقال من هذه الفقرة إلى الفقرة التالية ، بعض قلق. وكنت أميل إلى الظن بأن هنا سقطا. لكني الآن أراه من مألوف أسلوب إبن القارح وعصره  والشرح في الغفران
الفقرة التالية مباشرة
قال " المتنبي" :أذم إلى هذا الزمان أهيله ص27-28
لاحظنا كيف يشكو إبن القارح أهل الأدب
ورد أبا العلاء عن شكوى إبن القارح من أهل الأدب
ولم يزل أَهْلُ الأدَبِ يَشكُونَ الغِيرَ في كلِّ جِيل ، ويُخَصُّون من العجائِبِ بسجْلٍ سَجِيل . وهو يعرِفُ الحِكايةَ أَنَّ "مَسْلَمةَبن عبد الملك " أوصى لأَهلِ الأدبِ بِجُزءٍ من مالِه ، وقال: إنَّهم أَهلُ صِناعة مجْفُوةٍ . وأحْسبُ أَنَّهُم والحِرفةَ خُلِقَا توأمين،وإنَّما يَنْجَحُ في ذات الزُّمَيْنِ* ‘ ثُمَ لا يَلَبثُ أن تزل قدمه ، وينفرى بالقدر أدمه... (*تصغير الزمن ويقال لقيته ذات الزمين ، أي على تراخي الزمن) ص411 ...
ومن بغى أن يتكسب بهذا الفن ، فقد أودع شَرابَه في شَن*(*وهي القربة البالية )، غير ثقة على الوديعة ، بل هي منه في صاحب خديعة . وقد رُوي أَن " سيبويه"لمّا أختيرَ شأنَه  ورازَ*-(رازَ الشيء وزنه ليعرف ثقله وراز الرجل جرب ما عنده وخبره-)
لما أختبر شأنَه ورازَ رغب في ولاية المظالم بشيرازَ وأن الكسائي تحوَّب*(-توجع-) مما صنعَ به فأعانهُ كي يَشْحَطَ*-بلغ أقصى
فأما حبيبُ بنُ أوس(أبو تمام )فهلك وهو في الموصل، على البريدِ، وصاحبُ الأدبِ حليفُ التصريد ص 412   ….يراجع أبو تمام في هذا الفصل)
إبن القارح والحديث عن أبو تمام
قال" الحسنُ بنُ رجاء الكاتبُ ": "جاءَني أَبو تمام  الى خراسان ، فبلغني أَنه لا يُصَلَّي ، فوكلْتُ به مَنْ لازَمَه أياماً فلم يره صلى يوماً واحداً، فعاتبتُه فقال: يا مولاي ، قطعتُ الى حضرتك من بغداد ،فأحتملت المشقة وبعد الشقة ولم أَره يَثْقُلُ علي ، فلو كنت أعلم أن الصلاة تنفعني وتركها يضرني ما تركتها، فأردت قتله فخشيت أن يحمل على غير هذا...ص41
طرفة
يقال: بأن أبو تمام ترك الصلاة ،لمدة شهرين وذلك لحفظ شعر أبونواس ،فسُألَ: لماذا تركت الصلاة ؟ وكان رده : إنهما اللات والعزى وعبادتهم من دون الله فكيفَ أقيم الصلاة ؟
ويرد أبا العلاء على إبن القارح
أبو تمام
فأَما حبيبُ بنُ أوْسٍٍ (أبو تمام) فهلكَ وهو بالموْصِلِِ وعلى البريدِ وصاحبُ الأدبِ حليفُ التصريدِ *-قلل العطاء
وهو " أبو تمام"، فما أَمسك من الدينِ بزمام .والحكاية عن " إبن رجاء" مشهورة ، والمهْجةُ بعَيبها مبهورةُ. فإن قُذِفَ في النارِ" حبيب"*(*بن أوس الطائي ، أبو تمام )فما تُغنى المدَحُ ولا التشبيب . ولو أَنَّ القصائد لها علم ، ونأسف  لما يشكو الخِلْمُ* وهو الخل و الصديق -أقامت عليه (الممدودتان 1) اللتان في أول ديوانه  مأتماً يُعجب لإسوانِه ، فناحتا عليه كإبنتي "لبيد" وجرعتاهما من الثكل نظير الهبيد ، وقالتا ما زعمه " الكلابي" في قوله:
وقولا هو الميت الذي لا حريمه – أضاع ،ولاخانَ الصديق ولا غَدَرْ
الى الحولِ، ثمَّ اسمُ السلام عليكما- ومَن يبكِ حولاً كاملاً ، فقدإعتذر
1 ويقصد بهما (قصيدتيه الممدودتين ) في المديح ،وهما في أول ديوانه ، الأولى :يمدح بها "خالد بن يزيد الشيباني" ومطلعها:
يا موضع الشدنية الوجناء- ومصارع الإدلاج والإسراء
والثانية : يمدح بها "يحيى بن ثابت" ومطلعها ومطلع
ويك ائئتب أربيت في الغلواء – كم تعذلون وانتم سجرائي
وإذا كان"حبيب"*(*حبيب هو أبو تمام) ضيَّعَ صلواته* ،فإنه لَضالٌّ بِفَلَواتِه لايبلُغُ فيه كيدُ العُداة ، ما بلغ إهمالُ غَدَاة ،كم ضِدَّ نكَص عنهُ ذا بُهر** ، وليس كذلك صلاةُ الظهر، إن تركَها فإنها شاهدةُ، وفي الشكية له جاهدةُ، وكم من قَصْرٍ ، يُشَيَّدُ في الجنةِ بصلاة العَصْرِ ، ومسْكٍ في الجنةِ متاَرِّح ،لمُصَلَّى المَغرِبِ ليس بِالحَرج  ،وحُورٍ أُنشئنَ ببديع الإنشاء ،لمَن حافظ على صلاة العشاء ، وقد جاءَ في (الحديث) النَّهْيُ أَن تُسمَّى العَتَمَةَ***،ورُوى....
ص484
*-راجع حكاية "ابن رجاء" عن أبي تمام والصلاة في هامش  484 وفي هذا الفصل ص
**-أي كم ضد "لأبي تمام" نكص عنه في الشعر مبهوراً منقطع النفس إعياء
***-العتمة الثلث الأول.. من الليل وفيه تحلب الإبل
وروي :"لاتُخْدَعُوا عن اسمِ صَلاتِكم فإنما يُعْتَمُ بحِلابِ الإبل" وفي حديثٍ آخرَ "إن العَتًمةَ *اسمُ بنت الشيطانِ"
وإنّ من يعجزُ عن أَداء تلك الركعاتِ ، ليَشَتملُ على نِيَّةِ عاتٍ.فليت "حبيباً" قَرنَ بين الصلاتين ، فَجَعَلهما كهاتين ، كما قال القائل:
قَرنَ الظُّهرَ إلى العصْرِ كما – تُقْرَنُ الحِقَّةُ بالحِقَّ الذَّكَرُ**
وإنَّي لأضَنُّ بتلك الأَوصال ، أَن يَظلَّ جَسدُها وهو بالموقدة صالٍ ، لأنه كان صاحب طريقة مٌبتدَعة، ومعانٍ كاللؤلؤ مُتتبعّة، يَستخرِجُها من غَامضِ بحارٍ ،ويفضُّ*** عنها المستغلق من المَحارِ
وإن أبتدَرَتْه مَهَنَةُ "مالك"**** فقد نٌبِذَ في المهالِك ، فليتَهُ "كالجعدي"أو سُلكَ به مَسلكَ "عَدي" ،أو كانَ مذهبُهُ مذهبَ "حاتمٍ" فقد كانَ متألُهاً ، ومن الخَشية مُتولِّهاً ، وقال:
وإنِّي لَمجزِيُّ بما أنا عاملُ-ويضْطمُني ماوِ بيتُ مُسقَّفُ*****
أو ليته لَحقَ " بزيدِ بن مٌهَلْهِلِ" فقد وفدَ على النبي ص وطرح عنه ثوبَ الغبيِّ
*-كان الأعراب يسمون صلاة العشاء ، صلاة العتمة فنهاهم الرسول ص عن هذه التسمية
**-الحقة ، بالكسر: الناقة التي استحقت الحمل
***- بمعنى يكتشف الغامض منها
****- مالك خازن النار
*****-يروى: وإني وإن طال الثواء لميت  وللبيت من فائدته التي مطلعها : أرسماً جديداً من نوار تعرف – تسائله إذ ليسَ بالدار موقف
المتنبي
يقحم إبن القارح المتنبي في حديث لا معنى له مما اضطر أبا العلاء للرد عليه
يذكر إبن القارح في رسالته إلى أبي العلاء حول المتنبي
ببيت الشعر الذي يقول :
أذم إلى هذا الزمان أهيله
نضطر إلى إعادته للحفاظ على السياق
صغَّرَهم تصغير تحقيرٍ غير تكبير، وتقليل غيرِ تكثير، فنفثَ مصدوراً، وأظهر ضميراً مستورا، وهو سائغ في مجاز الشَّعرِ .... ولكنه وضعه في غير موضعه، وخاطب به غير مُستَحِقِّه وما يسَتحقُّ زمانُ ساعَده بلقاء "سيف الدولة" أن يُطْلِقَ على أهْلِه ألذمَّ ....ص28
ونلاحظ اعتراض ابن القارح إذ كيف للمتنبي أن يذم زماناً عاش فيه مع سيف الدولة الحمداني
ويرد أبا العلاء بخصوص المتنبي
فأَما ما ذكره من قول "أبي الطيب"
أذمُ إلى هذا الزمان أٌهيله
فقد كان مولعاً بالتصغير ، لا يقنع من ذلك بخُلسةِ المُغِير
كقوله
مَنْ لي يفَهم أهَيلِ عصرٍ يدعِي- أن يُحسبَ الهنديَّ فيهم باقل
تفسير البيت
"باقل" : الذي يضرب به المثل بالعي ، حدثوا أنه اشترى ظبياً بأحد عشردرهماً ، فمر بقوم ، فقيل له : بكم اشتريت ؟ فعي في الجواب ، ففتح يديه وفرق أصابعه وأخرج لسانه يريد أن يقول أحد عشر، فأفلت الظبي
وقوله: الهندي إشارة إلى براعة الهنود في الحساب
ويوضح أبا العلاء  إن المتنبي لا يقصد الذي فهمه وأوضح مثالاً من شعر المتنبي شبيهاً لهذا
من ميميته في هجاء كافور وصدر البيت
أخذت بمدحه فرأيت لهواً –مقالي للأُحيمق يا حليمُ
وهنا لاملامة عليه، إنما هي عادة صارت كالطبع ، فما حسُنَ بها مألوفُ الرَّبْعِ ، ولكنها تُغتفَرُ مع المحاسن والشام قد يَظهَرُ على المراسِنِ*
*الشام:الخال ،أثر أسود في الأرض- والمراسن  جمع مرسن ، وهو موضع الرسن من الدابة ، الخد
ثم إن المتنبي لم يقله في سيف الدولة بل في –علي بنِ محمد بن سيار بن مكرم –بأنطاكية-قبل أن يمدح "سيفَ الدولةِ عليَّ بن عبدِ اللهِ بنِ حمدانَ"  والشعراءُ مُطلَقُ لهم ذلك ،لأن الآيةَ شَهدت عليهم بالتخرُّص وقول الأباطيل:"ألمْ تَرَ أَنَّهُمْ في كلِّ وادٍ يهيمُونَ . وأنَّهمُ يَقَولُونَ مَا لا يَفعلُون"(سورة الشعراءآيتا225-226 )
وأهلُ ، كلمة أصل وضعها للجماعة ، فيقال: ارتحلَ أهل الدار فيعلم السامع أن المتكلم لا يقصد واحداًبما قال
ثم يسترسل أبا العلاء في توضيح الكلمة بأمثالها وشبيهها وأصلها النحوي مقالة النحويين فيها ص417
أما ما قيل من إدعاء المتنبي للنبوة ،قال: هو من النَّبْوَةِ أي المرتفع عن الأرض
تحليل أبا العلاء لقول المتنبي
وإذا رجعنا الى الحقائق ، فنُطَّقُ اللسَانِ لا ينبي عن إعتقاد الإنسان لأن العاَلمَ مجبول على الكذب والنفاق ويُحتملُ أن يُظَهرَ الرجلُ بالقولِ تديناً، وإنما جعل ذلك تَزَيُّناً ، يُريدُ أن يصل به الى ثناء أو غرض من أغراض الخالبة أُم الفَناء ، ولعله قد ذَهَبَ جَماعةُ هم في الظاهر مُتعبدُون وفيما بَطنَ مُلحد ون -ص420
نلاحظ وبكل وضوح رفض أبا العلاء النفاق والتصنع وإفتعال الصدق ويهمه البحث عن الحقيقة في خبايا الإنسان وليس في اللسان، مما يضطر الرجل أن يظهر تديناً وهو ليس كذلك للوصول إلى غرض من الدنيا كالمال أو السلطة أو جمع الأعوان،أو التقرب لمن يتوقع منه مصلحة ونلاحظ في عصرنا كما عصر أبا العلاء ،النفاق والتملق وتأويل أيات القرآن واضحاً عند بعض رجال الدين والدين منهم براء، فهم يعضون الفقير بالصبر ولكنهم غارقون بالثراءوالنعمة ،ويلحون في الكلام عن جزاء الدنيا الآخرة حتى يرضى الفقير والبائس بحياته ولا يحتج أو يحاول أن يغيرها ، بأس القول والفعل ويطيعهم الأبرياء والجهلة كما يستخدمها الحكام لتثبيت سلطتهم مدعين أنهم وكلاء عن الله العلي القدير
مثال
يذكر إبن القارح في رسالته إلى أبي العلاء ما يلي:
عن (رجل لم يذكر اسمه )مدح "أبا العلاء"
كما يلي:
الشيخُ (ويقصدأبا العلاء) بالنحوِ أَعْلَمُ من "سيبويه" وباللغةِ والعروض من "الخليل" فقلتُ والمجلس (يأذَن ): بلغني أَنه – أدام الله تأييده – يُصَغرِّ كبيرَه ويُنَزِّرُ صغِيرَه ، فيصيرُ تصغيرهُ تكبيراًوتحقيره تكثيراً.
وهكذا من شاهدتُ من شاهدتُ من العلماء رحمهم الله أجمعين ، وجعلَه وارث أطولِ  أعمارِهم وأنْضَرِها وأرْغَدِها . وما ثمَّ له حاجةُ دَعَتْ إلى هذا : قد تَفَتَّح النَّوْرُ وتَوضّح النُّور ، وأضاءَ الصبحُ لذي عينين !ص26
ويرد أبا العلاء عن هذا المديح*
فأما الفَصلُ الذي ذَكَرَفيه الخليلَ ، (فقد سَقطَ منه اسمُ الذي غَلا فِيَّ)(ويقصد هنا إٍسم الرجل الذي مدحه)، وقَرَن بالنجومِ الصَّلافِي**(ما صلب من الأرض ولا ينبت**)ومَن كان ،فَغَفَر اللهُ جَرائِمَه، وحَفظَ له في الأَبدِ كَرَائمه ، فقد أَخْطأ على نَفْسِهِ فيما زَعَم وعَلَىَّ ، ونسب مالا أستوجب إلي ...... وإني لأَكْرَهُ بشهادةِ اللهِ تلك الدَّعوى المُبْطلَةَ، كراهة "المسيح" مَنْ جَعَلَه رَبَّ العِّزةِ، فَمَا تَرَكَ لِلفِتَنِ مِن مَهَزَّة.بدليل قوله تعالى:(وإذْ قَالَ اللهُ يَا عِيسى بنَ مَرْيَمَ أأنَتَ قُلتَ لِلنَّاس اتخذُونِي وأمي إلهَينِ مِنْ دُونِ اللهِ )...(سورة المائدةآية 116)403
ملاحظة
*نلاحظ كره المعري للمديح ورفضه له، وهذه صفة لازمت أبا العلاء ، واقترنت بتمسكه في الزهد والعفة ليحمي نفسه من الوقوع في جب النفاق ،وأعتقد إبن القارح واهماً بأن مدحه لأبي العلاء يقربه منه ويتناسى موقفه وسلوكه الذي كان واضحاً في سيرته وطريقة حياته
الزنادقة برأي ابن القارح
اهتم ابن القارح بموضوع الزنادقة وأخذ حيزاً كبيرا في رسالته ، مما اضطر أبا العلاء أن يرد عليه
نبذة عن الزندقة


الزندقة:  مصطلح ديني ظهر في العصر العباسي يقابله الهرطقة في الدين المسيحي وهو لفظ أعجمي معرب أخذ من كلام الفرس بعد ظهور الإسلام ثم عرب، وكانت تطلق على من يؤمن بكتاب المجوس والمانوية ومدعي النبوة ،ثم توسعوا في استعمالها على كل إنسان يشكك في الدين أو يجحد شيئاً مما ورد فيه أو يقول بمقالة بعض الكفار، والفقهاء يطلقون على المنافق الذي يبطن الكفر ويظهر الإسلام وبعضهم يطلقه على علماء المعتزلة، و الدهرية كما يطلق على الثنوية والمجوس. واتفق الفقهاء على أن الزندقة كفر وكان هذا سلاحاً يستخدمه دعاة التدين الكاذب للخلاص من
المفكرين الذين أرادوا أن ينقوا العقل المسلم من الخرافات و التهمة جاهزة الزندقة
ولقد ذهب ضحية هذا المفهوم كبار المفكرين المتنورين في العالم الإسلامي لأن أفكارهم لم تعجب رجال السلطة ورجال الدين ، الذين هم أساساً لعبة بيد رجال السلطة،وأخذت التهم تكال لكل مجتهد ينادي بإعمال العقل كما كان نداء أبا العلاء التاريخي (لا إمام سوى العقل) ولقد ذهب شعره مثلاً وعبرة ودرساً على مر العصور
لا إمام سوى العقل من سقط الزند ...و أوضحنا ذلك في الفصل الأول
يرتجي الناسُ أن يقوم إمام ناطق في الكتيبة الخرساء
كذب الظن لا إمام سوى العقل مشيراً في صبحه والمساء
فإذا أطعته جلب الرحمةَ عند المسير والإرساء
إنما هذه المذاهب أسباب لجذب الدنيا إلى الرؤساء


وتشرح لنا الدكتورة عائشة بنت الشاطئ موضوع الزندقة كما يلي


والزندقة من الموضوعات التي تستحق أن تفرد بالدرس وتخص بالعناية ،فيرجع بها الدارس إلى مناشئها القريبة في نشاط علم الكلام وتصادم الملل والنحل
على أن الإلحاد ، وإن ظهر في الإسلام مبكراً، فإن ظهوره كانَ يختلف قوة وضعفا  بحسب الأوضاع ، وتبعاً للمكان والزمان ،فهو في الأطراف البعيدة عن مركز الخلافة أقوى منه في الوسط ، وهو بعد أن مازج العرب غيرهم ، أشد إستحفالاً مما كان وهم في جزيرتهم وهو في عهود الحكام الضعاف أو المقبلين على الدنيا ، أظهر منه في عهود الخلفاء الأقوياء الأتقياء.
"وذلك إنَّ العرب جاءها النبي صلى الله عليه وسلم ، وهي ترغب الى القصيد، وتقصر همها عن الفصيد ، فاتبعه منها متبعون ، والله أعلم بما يوعون ،فلما ضرب الإسلام بجرأته ، وأتسق ملكه على أركانه ، مازج العرب غيرهم من الطوائف ، وسمعوا كلام الأطباء وأصحاب الهيئة وأهل المنطق ، فمالت منهم طائفة كثيرة"
"وما زال اليمن منذ أن كان معدناً للمتكسبين بالتدين ، والمحتالين على السحت بالتزين، وحدثني من سافر إلى تلك الناحية ، أن به جماعة كلهم يزعم أنه القائم المنتظر ، فلا يعدم جباية من مال ، يصل بها إلى خسيس الآمال"
وتعارض المصالح والأهواء نجد صلتها الوثيقة بحركة الشعوبية  التي عرفها العالم الإسلامي من عهد مبكر
، وهذه الصلة التي تنبه لها عميد الأدب العربي طه
حسين حين بحثه في الشعر الجاهلي
فلندع العميد يشرح لنا
"نحن نعتقد أن هؤلاء الشعوبية قد نحلوا أخباراً وأشعاراً كثيرة أضافوها إلى الجاهليين والإسلاميين .ولم يقف دورهم عند نقل الأخبار والأشعار ، بل هم قد اضطروا خصومهم ومناصريهم إلى النحل والإسراف فيه ،وأنت تعلم أن أصل هذه الفرقة إنما هو الحقد الذي أضمره الفرس المغلوبون للعرب الغالبيين "
ملاحظة
النحل الذي قام به هؤلاء الشعوبية قد شملَ نحلاً للمعتقدات الدينية لإشاعة البلبلة والهواجس بما يخص العقيدة الدينية لأنها برأيهم أساس رفعة العرب وسيادتهم عليهم، ونلاحظ نفس التفسيرالذي تم شرحه
اصل كلمة زنديق
ومن المعروف إن لفظة زنديق عُرفَ في صدر الدولة العباسية وأطلق على من إعتنقوا "المانوية" التي ترد العالم إلى أصليين من نور وظلمة . ومن الأرجح أن هذا المدلول أطلق في حركة المطاردة التاريخية المعروفة أيام الخليفة المهدي بعد منتصف القرن الثاني ، حيث عهد في كتابه إلى ابنه الهادي بالتجرد لهذه العصابة التي ما تزال بالناس حتى تخرجها إلى عبادة إثنين : أحدهما النور والآخر الظلمة .
وقد جاء في هذا الكتاب : (فأرفع فيها الخشب ، وجر لها السيف فإني رأيت جَدَّك العباس في المنام قلدني سيفيم ، وأمرني بقتل أصحاب الاثنين)
ورسالة الغفران تتعرض لهؤلاء ولغيرهم من أصحاب الملل والنحل والمذاهب والمرائين والخلعاء رقيق الدين ، مما يبعد عن هذا المدلول المحدود الذي أشرنا إليه ،
وقام المستشرق "ماسينيون" بهذا التتبع ، مبتدئاً بالأصل الفارسي لهذه الكلمة
ويكفي النظرة إلى "دائرة المعارف الإسلامية" وفي كتاب "محنة الحلاج "لمعرفة ما أضيف للمدلول الأول من معان استحدثت على مر الأيام ، حتى تناولت العبث والمجون ، وهذا المدلول الواسع العام هو الذي نعنيه حين نتكلم عن الزندقة في رسالة الغفران.
الزندقة وعصرنا الحالي
إذا أردنا أن نحلل مفهوم الزندقة في عصرنا الحالي بدون إستعمال الإسم بل التمعن بالمضمون لرأينا كيف طارد دعاة التدين مفكري عصرنا الحالي، وتوجيه الإتهام لهم بكل فضاضةوذلك من العميد طه حسين ،الى علي عبد الرازق ، إلى لطفي السيد،بل إن داعي التنوير الأشهر لطفي السيد ألصقت به تهمة الكفر وسقط بانتخابات البرلمان لأن لفظ الديمقراطية الذي نادى به يعتبر من الكفر البين ، واستشهد فرج فودة على مذبح آرائه التنويرية لأن المتاجرين بالدين شعروا بتهديد لآرائهم التي يتاجرون بها ويستجيب لهم الأبرياء والجهلة والمغيبين ودعاة الفتاوى الذي رموا أوطاننا في جب التخلف
كما وهرب المفكر نصر حامد أبو زيد في ليلة ليلاء، مع زوجته لأن حكماً من المحكمة قضت بالتفريق بينهما ،لأنه خرج عن الإسلام، وكان هذا أشد أنواع الإستهانة بالروح الإنسانية والروابط العائلية ، وفتحت له الجامعات الأوروبية أبوابها ليعيش وزوجته عيشة كريمة، ولم يحتمل قلبه وعقله هذا المد التكفيري المظلم ورحل شهيداً
نظام الحسبة وكيف تطور إلى معاقبة الخصوم السياسيين


نظام الحسبة وكيف قلبه رجال الدين والسلطة إلى عقاب مقيت يسلط على رقاب الناس وسنحاول إرجاع الأحداث إلى تاريخها الأصلي وكيف لعب رجال الدين ورجال السلطة بمقدرات هذه الشعوب المنكوبة
نشأ نظام الحسبة في عهد الخليفة المأمون وكان الغرض منه هو مراقبة صلاحية الأدوية وتخزينها صحياً ، ومراقبة الأسعار لمعاقبة من يتلاعب بقوت الناس والإتجار بالغذاء وكذلك مراقبة نظافة وسلامة الأغذية والدواء، ثم تلاعب به المنتفعين وتحول إلى مطاردة المخالفين السياسيين والتنكيل بهم  ، وتلقف عصرنا الذي يتظاهر بالحرية وحقوق الإنسان التي هي للغرب فقط ونحن نتكلم بها ونتاجر بمفاهيمها وسيطرت مفاهيم المصلحة على عقول الناس وانتشر الفساد وعمت سرقة أموال الشعب فئة منتفعة لا يهمها إلا تكديس المال وليذهب الى الجحيم من لايعجبه ذلك .
ودخل المجتمع المصري بعد 1973 بدوامة جمع المال وتغيرت مفاهيم الشعب العامل المنتج غذائه ودوائه ومستلزمات حياته إلى أفكار سطحية تجارية تقدس المصلحة الشخصية والكسب الغير مشروع وإشتغلت آلة الإخوان المسلمين والسلفيين تبث أفكار التدين الكاذب والتطرف المقيت ، وكانوا الأساس المتاجرة بقوت الشعب ومن وراء الستار وأرادت الدولة أن تتخلص من أعباء واجبها تجاه شعبها فسلمت الدولة على طبق من ذهب إلى الإخوان والسلفيين وتفرغت لبيع مصانع وشركات الوطن بأسعار بخسة إلى الأجانب بحجة الخسارة والسؤال الآن ؟
لماذا يشتري الأجانب مصانع و شركات خاسرة؟
والرد عند من باعوا وتاجروا وتحولت المنفعة إلى حساباتهم في البنوك الأجنبية والذي يعارض ويصرخ ويوضح التهمة جاهزة له وهي الكفر الذي كان في عصر أبي العلاء زندقة.
إتهام أبا العلاء بالزندقة
إحتمال الألم
لقد أتهم أبا العلاء في دينه ورمي بالزندقة وجرت عليه هذه الوصمة ألواناً من الأذى ولكن الفيلسوف الذي يحمله في عقله كان يستهين بهذا الأذى ولا يحمل بقلبه الرحيم على الناس بحقد وغضب ولكن كلاً على أساس عقله وظروف بيئته ،والتجاوز له علاجه عند أبي العلاء ، ويقال إنه دخلَ عليه ذات يوم رجل من قراء المعرة يعرف بأبي القاسم ، فأخذ يقرأ من القرآن ، فتلا قولّ الله عز وجل ( ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى ، وأضل سبيلا ) وكان يريد إيذاء أبي العلاء ، وآلمت هذه النية الرجل ، وإن لم يظهر ألماً وقال في هجاء ه :
هذا أبو القاسم أعجوبةُ – لكل من يدرِي ولا يَدْرِي
لا ينظم الشعرَ ولا يقرأ القرآن وهو الشاعر المقري
ملاحظة
ويلاحظ الشاعر العراقي الكبير معروف الرصافي،عن الزنادقة بما يلي
فإن قلتُ : في الزمان الذي نشأ فيه من ألفوا كتباً في إعجاز القرآن قد
نشأ أناس من الزنادقة وهم أحرار في أفكارهم ،فلماذا،لم يردوا على
هؤلاء ما قالوه في إعجاز القرآن ؟ قلت: نعم قد نشأ معهم أناس من الزنادقة أيضاً ، ولكنهم ليسوا بأحرار في أفكارهم كما تقول ، بل كانت عقوبة الزنديق القتل إذا تكلم بما يخالف الدين ، وقد قتل العباسيون كثيراً من الزنادقة ، ولم يكتفوا بقتلهم ،بل محو كل أثر تركوه ،فأين ما كتبه أولئك الزنادقة ، وأين كتاب "الدامغ لابن الراوندي"؟(ص 601من كتاب الرصافي الشخصية المحمدية ) ثم السؤال ؟ولماذا تتلف هذه الكتب وتحتفظ للرد عليها وتفنيدها وهذه هي العشوائية التي سادت حياتنا
وأضيف بما ذكره "الرصافي" هل ثبتت تهمة الزندقة عليهم؟ أو تخلصوا منهم لأسباب أخرى؟
وسنرى نهاية الحلاج وابن المقفع في بحثنا ، وهنا يتبادر لنا سؤال؟
هل كان ابن القارح يعرف بهذه الأخبار عن أبي العلاء ؟وهو يسأله  ،عن الزنادقة ويفيض بها وأراد أن يرد عليه بما يتمنى ابن القارح في قرارة نفسه نوع هذا الرد !
، سنرى
نلاحظ تركيز إبن القارح بالحديث عن الزنادقة ،وكأنه ينفي التهمة عن نفسه أو إظهارها بمظهر التقي الورع وهو يخدع نفسه قبل أن يخدع أبا العلاء ،ولو تأملنا في رسالته سنرى واضحاً إن كلامه عن الزنادقة استغرق حيزاً كبيراً من رسالته ، يروي أخبارهم وبدأ ،ببشار ،صالح عبد القدوس ،القصار الأعور،الصناديقي، والوليد بن يزيد، الجنابي،وعلوي البصرة صاحب الزنج،الحلاج،وابن أبي العزاقر ، الشلمغاني .وابن الراوندي
ولقد ذكر ابن القارح من كتب " ابن الراوندي*"
التاج ، الزمرد، نعت الحكمة ، الدامغ، القضيب، الفريد ، والمرجان وقد ذكرها أبو العلاء ما عدا (الزمرد والحكمة
*إبن الراوندي: من راوند بليدة قرب أصبهان ،ينسب إليها إبن الراوندي- وهو أبو الحسين أحمد بن يحيى ابن إسحاق ، العالم المشهور ، له مقالة في علم الكلام ، وكان من الفضلاء في عصره ، وله من الكتب المصنفة نحو مائة وأربعة عشر كتاباً منها : فضيحة المعتزلة ، التاج، الزمرد، ، وله مجالس ومناظرات مع جماعة من علماء الكلام ، وقد انفرد بمذاهب نقلها أهل الكلام عنه في كتبهم وتوفي سنة 245 وعمره أربعون عاماً .
يذكر إبن القارح عن ابن الراوندي ويعتبره من الزنادقة ما يلي:
وكان " أَحمدُ بنُ يحيى الرَاونْدي *"حسنَ السَّتْرِ جميلَ المذهب **، ثم انسلخ عن ذلك كلِّه بأسباب عرضت له. ولئن عِلمَه كان أكثرَ من عقلِه ، وكان مثلُه كما قال الشاعر :
ومَنْ يُطيق مَردَّا عند صبوته – ومَن يقومُ لمستورٍ إذا خَلَعا***
*من أهل "مَرْوِ الروذ وهي (مدينة قريبة من مرو "العظمى بخراسان")
صنَّفَ
1-(كتاب التاج) يحتجُّ فيه لٌقِدَم العالم ،فنقضه أبو الحسين الخياط *، وهو من علماء المعتزلة،
2-(الزمرد) يحتج فيه لإبطال الرسالة ونقضه أبو الحسين الخياط
3-(نعت الحكمة) سَفَّه الله-تعالى-  ونقضه الخياط
4( الدامغ)ويطعن فيه على نظم القرآن
5-(القضيب) يُثبتُ أَن عِلً اللهِ مُحدَثُ ،وأَنه كان غيرَ عالِم حتى خَلَق لنفسهِ علْماً ، ونقضه الخياط
6-(المرجان) في إختلافِ الإسلام
ص38 ص39 ص40
ويرد أبا العلاء عن ما جاء في رسالة ابن القارح عن "ابن الراوندي"
وأمّا "إبنُ الراوندي 1" فلم يكنْ إلى المصلح بمهدِي. وأَما (تاجُه)2 فلا يصلُحُ أَن يكونَ نَعْلاً ، ولم يَجِدْ من عذابٍ وعْلا- أي ملجأ
قال ذو الرمة*
حتى إذا لم يجدْ وعْلاّ ونجْنجَها – مخافة الرمّي حتى كُلُها هِيم3
ويجوزُ أَنْ يُنظَم (تاجُهُ) عقاربَ ، فما كانَ المُحسِنَ ولا المُقاربَ ، فكيف به إذا تُوَّجَ شَبوَات4 ، أليس يَمْنيِه عن تلك الصَّبَوات 5، وهل (تاجُه)إلاَّ كما قاالت الكاهنةُ: أُفُّ وتُفّ 6، وجَوْرَبُ وخُفّ؟ قيلَ وما جوْرَبُ وخُفّ؟ قالت : واديان بجهنّم....
وأما ( الدامِغُ) 7فما إخاله دمَغَ إلا مَنْ أَلَّفَه، وبسوء الخلافةِ خَلفَه ، وفي العربِ رَجلُ يُعرَفُ " بدميغِ الشيطان".. ....ص471
وأما (القضيب ومعناها الناقة، يحاول فيه الراوندي أن يثبت  أن علم الله محدث ، وأنه غير عالم حتى خلق لنفسه
علماً  - وذكرنا أنه ورد ذلك في رسالة " ابن القارح" ص39)
فمَن عَمِلَه أخسَرُ صَفْقَةُ من قَضيب . وخير له من إنشائه ، لو رَكِبَ قضِيباً عِندَ عِشائِه، فقذفَتْ به على قَتادٍ ونَزَعَت المفاصلَ كنزْع الأَّوتاد :
إن الطِّرمّاح *يَهجُوني لأشتِمه –هَيْهاتَ هيهاتَ ، عِيلَتْ دُونَه القُضٌبُ ( *البيت للفرزدق ويستشهد الطرماح بن حكيم ، من بني طي وهو شاعر إسلامي وكان يكثر الغريب في شعره)
كيفَ للناطقِ بهِ أَن يكونَ اقتثضِبَ وهو يافع ، إذ ما لَهُ في العاقبةِ شافعُ ص473
**جاء في مقدمة كتاب الانتصار ، لأبي الحسن الخياط *"كان ابن الراوندي من المتكلمين ، ولم يكن في زمانه أحذق منه بالكلام ولا أعرف دقيقه وجليله ، وكان في أول أمره حسن السيرة حميد المذهب كثير الحياء،ثم إنسلخَ من ذلكَ الأسباب عرضت له ، وكانَ علمه أكثر من عقله ،فكان مثله كما قال الشاعر
ومن يطيق مذكي عند صبوته – ومن يقدم لمستور إذا خلعا***
وهنا نلاحظ أن ابن القارح أوشك على نقل الشعر  بنصه
1-ويشير هنا إلى ما جاء برسالة "ابن القارح" عن "ابن الراوندي" مزاعمه ومؤلفاته ص38
2-(التاج) كتاب "لابن الراوندي "-نقضه أبو الحسن الخياط
3- البيت لذي الرمة – ونجنج الإبل بمعنى حبسها عن المرعى -والهيام وهو الهيام
4-وهي إبرة العقرب ساعة ولادتها
5-الصبوات وهي جمع صبوة وتصف في جهلة الفتوة
6-قلامة الظفر
- الدامغ وهو كتاب "لابن الراوندي" يطعن فيه على نظم(القرآن) وقد ذكره ابن القارح في رسالته، ومن المعروف إن الرواندي كان في مستهل حياته من غلاة الشيعة ثم اعتنق مذهب المعتزلة وخاصمهم بكتابه (فضيحة المعتزلة ) رداً على كتاب الجاحظ ((فضيلة المعتزلة)ثم هاجم الإسلام بتأثير صديقه "أبي عيسى الوراق" الذي يذك بأنه كان ملحداً ، ولقد كثرت الأقاويل والصفات على الراوندي وقيل إن أباه كان يهودياً وكتب كتابه (البصيرة) لليهود مقابل أربعمائة درهم ، ثم عكف على رد الكتاب بنفسه ،فدفع اليهود له مائة درهم أخرى ليمتنع عن الرد،وقالت اليهود عنه إنه سيخرب عليكم دينكم كما فعل أبوه بديننا ، توفي الراوندي في الاربعين من عمره ميلاده 827م ووفاته 911م
ملاحظة
ومن الملاحظ ترفع أبا العلاء عن النفاق والمداهنة اتخاذ الدين وسيلة لمن في نفسه غرض ولم تمنعه مكانة الإمام علي( عليه السلام) من تلك التحية التي لا يغفل أبا العلاء عن أقرانها بإسم الإمام علي ولاحظنا  ذلك عند اختياره الإمام الشفيع عند الرسول ص عند محاولة إبن القارح الدخول الى الجنة
فقال حمزة لا أقدر على ما تطلب ولكن أنفذ لك رسولاً إلى إبن أخي علي بن أبي طالب يخاطب النبي ص في أمرك).....الفصل الثاني من هذا البحث)
ونعيد للتوضيح كيف لم تمنعه مكانة الإمام من  هجومه على غُلاة الشيعة ورفض ما ألصقوا بالإمام من ضلالات مما لايقبله العقل ،ولم يكن الإمام مما يكشف عنه الغيب وفي الكتاب العزيز بسم الله الرحمن الرحيم ..لا يعلمُ من في السموات والأرض الغيب إلا الله *-آية 65من سورة النمل


ولقد كشف روؤساء  الطوائف والمذاهب من الإفتراء والكذب والمزايدة لإظهار تمسكهم الكاذب بالدين وكيف كان يروى بكل تقديس عنهم وعندما يخالفهم الرأي يبدأ الهجوم الشنيع  ويذكر في هذا المجال عن “ عبد الله بنَ ميمون القَداحِ “ وهو من “باهلة” وكان من عِلْيةِ أصحابِ “ جعفرِ بنِ محمدٍ “ عليه السلامُ  وروي عنه شيئاً كثيراً ، ثم ارتدَ بعد ذلك فحدثني  بعضُ شيوخِهم أَنهم يروون عنه ويقولون كأحسن ما كانَ  وكان قبل أن يرتد  ويروون له : هاتِ اسقني الخمرةَ يا سَنْبَرُ* - فليسَ عندي أنني أُنشَرُ -
أما ترى الشيعة َ في فتنةٍ -يغرها من دينها جعفرُ؟-
فقد كنتُ مغروراً به برهة- ثم بدا لي خبرُ يُسْتَرُ-
مشيتُ إلى جعفرٍ حِقبْةً -فأَلفيتُهُ خادعاً يَخْلُبُ -
يَجُرُ العَلاءَ الى نفسه -وكلُ إلى حَبْلهِ يَجذِبُ-
فلو كان أمركم صادقاً -لما ظَلَ مَقتولكم يُسْحَبُ -
ولا غَضَ مِنكم “عتيق”** ولا -سما “عُمَرُ” فوقكُم يَخطُبُ
*أسبر هو الساقي **عتيق فسرها نيكلسون القديم وهو أبو بكر الصديق ***وغض فيه من قيمة الشيعة حول تولية الخلافة لأبي بكر ثم عمر ص 468     ر
ثم يأتي أبا العلاء إلى القرامطة-
وحُكيَ لي أنَ القرامطة "في الإحساء"(مدينة بالبحرين)بيتاً يزعمون أن إمامهم يخرُجُ منه ، ويُقيمون على باب ذلك البيتِ فَرساً بسرجٍ ولجام ، ويقولون لِلهَمَجِ والطغام "هذا الفرس لركاب "المهدي" ، يركَبُه متى ظهربحقِ بَدي" وغرضهم بذلك خَدعُ وتَعلِيل، وتَوصلُ إلى المَلكةِ وتَضليل ، ومن أعجبِ ما سمعتُ أَنَ بعضَ رؤساءِ القرامطة في الدهر القديم ، لما أحس بالموت :"إني قد عزمتُ على النُقلَةِ، وقد كنتُ بَعَثْتُ موسى وعيسى ومحمداً، و بد لي أن أبعثَ غير هؤلاء، فعليه اللعنةُ ، لقد كفرَ أعظم الكُفرِ في الساعةِ التي يجِبُ أَن يُؤمِنَ الكافرُ ، ويؤوبَ إلى آخرته المسافرُص443
وهكذا نرى أبا العلاء جاهراً بإيمانه مستنكراً الاشتطاط والمزايدات التي تقنع الجهلة وليس ذوي العقول، وكيف لعقله ونبوغه أن يصدق هذه الخزعبلات


الطيف يتأمل حال هذه الأمة ، من القرن الرابع والخامس والى يومنا هذا لم يتغير الحال إلا  ضاهرياً وكلما ازدادت مظاهر التدين زاد الفساد وعمت الرشاوى وشراء الذمم بشكل ملفت مع الأسف
ثم نرجع إلى الزنادقة
حاولت شرح هذا الموضوع لأهميته في زمان أبي العلاء وإسقاطه على زماننا
يذكر إبن القارح  في رسالته إلى أبي العلاء بعد التعريض بالمتنبي كما يلي
ويقول المتنبي "لسيف الدولة"
وتَغضبونَ على مَنْ نال رفدكم –حتى يُعاقَبه التنغيصُّ والمِنَنُ
وكَذَبَ واللهِ ، لقد كان يَتحَرَّشُ بالمكارم ، ويتحكَّك بها،ويحسٌدُ عليها أن تكون إلا منه وبه ،وهذا غيرُ قادحٍ في طلاوة شعِره ورونق ديباجته ،(واضح تحامله على المتنبي)
ويكمل كلامه عن الزنادقة مباشرة بعد هذه الجملة
ولكني أَغتاظُ على الزنادقةِ والملحدين الذين يتلاعبون  بالدين ،ويرومون إدخالَ الشَّبَهِ والشكوكِ على المسلمين ويستْعذِبون القَدْحَ في نبوَّةِ النَّببيين صلواتُ الله ِ عليْهم  أجمعين ،ويتظرفون ويبتدئون إعجاباً بذلك المذهب :
تيه مُغَنَّ وظُرْفُ زنديق ...أبو نُوَاس
وقتلَ " المهدي*""بشاراً"** على الزندقة، ولما شُهرَ بها وخافَ، دافعَ عن نفسَه بقولهِ:
يا ابن نَهْيا ،رأسي عليَّ ثقيلُ  واحتمالُ الرأسين عبُ ثقيلُ
فادع غيْري إلى عبادةِ ربَّين –فإني بواحدٍ مشغولُ
ص30  
*المهدي - الخليفة العباسي
**الشاعر - بشار بن برد
يلاحظ مبالغة ابن القارح في وصف (الملحدين )على حد قوله وكأنه بهذا يحاول أن يبرئ نفسه ويعطي أبا العلاء صورة مزيفة عن شخصيته ،ونركز على رد أبا العلاء
ويرد أبا العلاء
وأما غَيظُه(الضمير لإبن القارح) على الزَّنادِقَةِ والملحدين، فأَجَرَهُ اللهُ عليه، كما  أَجَرُهُ على الظَّمإ في طريقِ "مكة" وإصطلاء الشَّمْسِ "بعرفة"ومَبيتهِ "بالمزدلفة" ولا رَيْبَ أَنه ابتهل إلى اللهِ ، سبحانه ، في الأيام  المعدوداتِ والمعَلوماتِ أن يُثَبِّتَ هِضابَ الإسلام ، ويُقيمَ لمن اتَّبعهُ النيِّر  من الأَعلام ولكن الزندَقَة داءُ قَديمُ ، طالما حلم بها الأديم . وقد رَأى بعض الفقهاء ، أن الرجُلَ إذا ظهرَتْ زَندقَتُه ثم تابَ فزعاً من القَتل ، لم تُقبَلْ تَوْبَتُه وليس كذلك غيرهم من الكفار ، لإن المُرْتدَّ إذا رَجعَ قُبل منه الرجوعُ
ولا مِلَّةَ إِلّا ولهَا قَوْمُ ملحِدون (يُرُوْنَ) أَصحابَ شَرْعِهم أَنَّهم مُوَالِفون وهم فيما بَطَنَ مُخالِفون، ولا بُدّ مِن أَن يَنتِهك ومُخادعُ ، وتَبْدُوَ مِن الشرِّ جَنادعُ* (*جنادع الشر أوله)ص 428
وقد كانت ملوكُ فارسَ تقتلُ على الزنَدقةِ ، والزَّنادقةُ هم الذين  يُسَمَّوْنَ الدَّهريةَ ، لايقولونَ بنُبوَّةٍ ولا كِتاب.429ص
بشار واتهامه بالزندقة ، وخصومته لسيبويه
ويستمر في التوضيح
و"باربرش"* إنَّما أخذ ذلك من غيرهِ ، وقد رُوي أنَّهُ وُجدَ في كُتُبِه رُقعَةُمكتوبُ فيها: إني أردتُ أن أهْجُو فلانَ بنَ فُلانٍ الهاشمي ، فصفحتُ عنه لقرابته من رسول الله صلى الله عليه وسلم ،وزعموا أَنهُ كان يُشارُّ "سيبويه" وأنهُ حَضَرَ يَوْماً حَلقةَ "يونس بن حبيبٍ "فقال:
هلْ ههُنّا منْ يرْفَعُ خبَراًى؟ فقالوا:لا .فأنشدهم
بَني أميّةَ هُبَّوا من رُقادِكُمُ –إنَّ الخليفةَ يَعقوبُ بْنُ دَاوِدِ
ليس الخليفةُ بالموجودِ فالتمِسوا –خَليفَة اللهِ بين الناي والعِّود
وكان في الحلَّقةِ "سيبويه" ،فيَدَّعي بعضُ الناس أَنهُ وَشي به.و"سيبويه" فيما أحسبُ كانَ أَجلَّ موضعاًمن أن يدْخُلَ في هذه الدَّنِيَّاتِ ، بل يَعْمِدُ لأمورٍ سَنِيَّات .
وحُكِيَ عنهُ أَنه عاب عليه قوله:
على الغَزَلَي مِنِّي السلامُ فَطالَ ما- لَهوْتُ بها في ظِلِّ مُخضَرَّةِ زُهْرِ
فقال"سيبويه": لم تَستَعمِل العربُ الغَزَلي ، فقال"بشار": هذا مِثلٌ قولِهم البشِكَي والجَمَزَي* ونحو ذلك *والبشكي والجمزي بمعنى خفيفة ...
ويستمر أبا العلاء بالمناظرة بين "سيبويه"و"بشار"
....ص430 429


ويقالُ: إنَّ"يعقوبَ بنَ داود" وزيرَ "المهدي"تَحاملَ على"بشار" حتى قُتِل، وأختُلِفَ في سنَّه  فقيل كان يومئذٍ ابن ثمانين سنةً وقيل أكثَرَ ، والله العالمُ بحقيقةِ الأَمر.
ولا أحْكُمُ عليه بأَنه مِن أهْلِ النارِ ، وإنَّما ذكرْتُ فيما تَقَدَّمَ لأَني *عَقَدْتُه بمشيئةِ اللهِ ، وإنَّ اللهَ لَحَليم وَهَّابُ.*
*يشير إلى ما ذكره  عن لقاء "إبن القارح" "لبشار" في الجحيم  ،لأني (عقده بمشيئة الله ) "وقد غرس لمولاي الشيخ الجليل- إن شاء الله–بهذا الثناء شجر في الجنة
لذيذاجتناء...ويكون بذلك قد عقد الرحلة كلها بمشيئة الله
وليس لنا آن نترك بشار بن برد بدون أن يوضح  أوجه الشبه واُُلاختلاف بينه وبين أبي العلاء ،بالذكاء ودقة الإحساس وغزارة العلم والفصاحة تجمعهما وأهم الذي يجمعهما هو فقد البصر ولكن كلاهما بصيراً عميق الفلسفة والإدراك ومتشائماً مسرفاً في التشاؤم ولو لاحظنا سيرة بشار التي تخالف سيرة أبي العلاء ومناقضة له كل التناقض فإذا كانت سيرة بشار هي العهر والدنس والتهالك على الإثم والإغراق به ،كانت سيرة أبا العلاء طهارة ونقاء وبراءة من الإثم ثم تواضعاً بحيث يرفض أن يقال له أبا العلاء ويسمي نفسه (أبو النزول) اما بشار فسيرته التيه والغرور وتهالك على الدنيا وملذاتها والإغراق في النعيم .كان كل منهما متشائماً وكل منهما انتهى تشاؤمه إلى النقيض .فبشار عاش في بيئة مجون  فقد انحدر من أسرة فارسية خضعت للرق ، وانحدر أبا العلاء من أسرة عربية لم تعرف الا العزة والكرامة والحرية وتربى وهوصغيراً مكفوف النظر على العلم والثقافة بارفع مستوياتها ، وسار بشار خلف غرائزه، عاقر الخمر وتتبع النساء بسلوك لا  يليق بالرجولة المحترمة  والتزم أبا العلاء بتربية رفيعة واهتدى بعقله وقناعته وزهده ، حتى الطعام لا يصيب منه إلا النزر القليل ورحل عن الدنيا وهو صافي السيرة كبير المقام ورغم  فساد الحياة في عصره فلقد كان هناك استقرار ما للعرف الخلقي والاجتماعي،ولم تطله أذية حاكم او والي مع كثرة من ناوئهم  وقرأ على ضريحه ثمانون قارئاً للقرآن ، وقتل بشار بتهمة الزندقة وكان الخليفة المهدي قد أمر بقتله لهجاء بشار له، وضرب بالسوط الى أن قتل ورموا جثته على قطعة خشب فحمله الماء الى البصرة فأخذه أهله ودفن هناك في عام   168هج  وكان ميلاده في 96 هج   


ويسترسل أبا العلاء
وذكر صاحِبُ (كتابِ الوَرقَةِ* جماعة من الشعراء في طبقةٍ"أبي نُواسٍ" ومَنْ قَبْله ووصفهم بالزَّندَقَةِ وسَرائُر الناس مُغَيَّبةُ ،وإنما يعلم بها علاّمُ الغُيوب . وكانت تلك الحالُ تُكْتَمُ في ذلك الزمانِ خوْفاً من السيْفِ فالآن ظهَرَ نَجيثُ القَومِ ، وانقضت التّرِيكَةُ عن أَخبثِ رَألٍ ص 432
كتمان الزندقة
وكان في ذلك العصرِ رجلُ له أصدِقاء من الشيعة وصديقُ زنديقُ، فدعا المتشيعة في بعض الأيام  ، فجاء الزنديقُ فقرعَ حلقةَ الباب وقال:
أصبَحْتُ جمَّ  بلابلِ الصَّدْرِ –مُتَقَسَّمَ الأَشجانِ والفِكْرِ
فقال صاحبُ المنزِلِ : ويْحَكَ ! ممَّ ذا؟ فَتَركَهُ الزِّنديقُ ومضى ، فَلقَيَه صاحب المأدبةِ فقال له يا هذا ، أردْتَ أن تُوقعِني فيما أكرَهُ ! خوفاً أَن يَظُنَّ أصدقاؤه أَنه زنديقُ – فقالَ ادعهم ثانيةً وأَعلمني بمكانهم .فلما حَصلَّوا عِنده ، جاء الزنديقُ فقال:
أَصبحتُ جمَّ بلابلِ الصَّدرِ – مُتَقَسَّمَ الأشجانِ وَالفِكْرِ فقالوا : ويحكَ ! ماذا فقال:
مِمَّا  جَناهُ على "أبي حسنٍ**"-"عُمَرُ وصاحبه "أبو بكرٍ(**أبو حسن هو الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه) وقد ترجمها نيكلسون (* (The father of Hassan
فأنصرفَ .ففرح الشِّيعَةُ بذلك ولقيهُ صاحب المنزِل ، فقال:جزيتَ عني خيراً ، فقد خلصتني من الشُّبهَةِ*ص433
ملاحظة
*ويحضرني هنا تفسيرات الفقهاء المسلمين الغير العرب للقرآن الكريم ، وفقه اللغة ،وكيف كان يخفى عليهم المعنى العميق من بيان اللغة العربية ، مما أدى إلى الجمود في تفسيراتهم وعدم تمكنهم من الوصول إلى المعنى المقصود ، كما حدثَ مع أبو الأعلى المودودي ، الهندي الباكستاني وهو أستاذ سيد قطب في تكفير المسلمين، وجرت الدماء في المحروسة والوطن العربي والعالم الإسلامي من انحراف التفسير للمفسرين غير العرب ،ودفعنا الثمن غالياً ، والشيشان ومرتزقة البرية ،بلحاهم الكثة ووجوههم الكئيبة يهجمون على سوريا العربية ,ويحيلها أرض الياسمين والحضارة الى جهنم وتدرجت التربة بدماء الأبرياء ،وأرادوا إدخال سوريا إلى نفق الظلام والحقد ، والجيش العربي السوري يدافع عن أرضه ووطنه.
أما نكبة الموصل أم الربيعين والقلم يعجز عن وصفها ،وطيلة ثلاث سنوات هدمت معاول القتل والتدمير أبنائها البررة وحضارتها الزاهرة، بإسم الدين و التدين الكاذب
إيمان وعقيدة أبا العلاء بالرحمة الإلهية تظهر واضحة في ردوده على كافة من وردَ ذكرهم في رسالته
" رددت إلى مليك الناس أمري            فلم أسأل متى يقع الكسوف
فكم سَلِم الجهول من المنايا                  وعجل بالحِمام الفيلسوف"
ملاحظة
واستطراداً  في هذا المجال، نحلل سؤال أحد الأشخاص، من الذي سيحاسبنا في الآخرة ؟ فردوا عليه ، الله سبحانه وتعالى ، فتهلل الشخص فرحاً قائلاً، نجونا ورب الكعبة،وهنا يتضح لنا الإيمان الفطري بالعدالة السماوية،وأن البشر لا يمثلون الله مهما علت منزلتهم
*ونلاحظ : من  رد أبا العلاء على ابن القارح ،تمسكه بالعدالة الإلهية موضحاً (لإني عقدته
بمشيئة الله، وإن الله حليم وهاب)وهو رد على من اتهم أبا العلاء بالكفر وإنكار وجود الله
ابو نواس
كان ابن القارح قد أشار في رسالته إلى أبي نواس، وبأن مذهبه هو قدح نبوة النبيين ، ويتظرفون ويبتدئون إعجاباً بذلك المذهب
وقوله
(تِيهُ مُغَنَّ وظُرْفُ زنديقِ)ص30
ويرد أبا العلاء
ولقد أختلف في "أبي نُوَاس" : أدعي له التأله وإنه كان يقضي صَلواتِ نهاره في ليله ، والصحيح أنه كان على مذهب غَيره من أهل زمانه ،وذلك أن العَرَبَ جاءَها النبيُّ صلَّى اللَّهُ عليه وسلم وهي تَرْغَبُ إلى القَصيدِ ، وتَقصُرُ هِمَمُها عن القَصِيدِ ،فأتَّبَعَهُ مِنها مُتَّبِعُون ،والله أعلمُ بما يُوعُون . فلما ضَرَب الإسلامُ بِجِرانِه، واتَّسَقَ مُلكُهُ على أرْكانِه ،مازَجَ العَرَبُ غَيرَهم من الطَوائفِ، وسَمِعوا كلام الأَّطبَّاءِوأصحابِ الَهيئةِ وأهل المنطِق ، فمالت منهم طائفةٌ كثيرة.
وذُُكر أبو نواس في رد أبا العلاء عن صاحب كتاب الورقة
وذكر صاحِبُ (كتاب الورقة) جماعة من الشعراء في طبقة "أبي نُواس"ومَنْ قبْلَه ووصَفَهم بالزَّندَقةِ . وسَرائرُ الناِس مُغيَبَّةُ ، وإنما يعلم بها علام الغيوب ...432
الإلحاد
ويستمر المعري موضحاً
ولم يَزل الإلحادُ في بني آدم ، على ممر العصور ، ويزعم أصحاب السير أن آدم ص بُعِثَ إلى أَولاده فأنذرهم بالأخرة وخوفهم من العذاب ، فكذَّبوه وردوا قوله ، ثم على ذلك المنهج الى اليوم
وبعض العلماء يقول إنَّ سادات قريش زنادقة وما أجدرهم بذلك! وقال شاعرهم  يرثي قَتلى "بدرٍ"- وتروى " لشداد  بن الأَسود الليثي"
ألمَّتْ بالتحية أُمُّ بَكرٍ  - فحَيَّوا أُمَّ بَكْرٍ بالسلامِ
وكائِنْ بالطَّوِيَّ* طويَّ بدْر- من الأَحسابِ والقومِ الكرامِ
وكائِنْ بالطويِّطَوىِّ بدْرٍ  - من الشِّيزَي** تُكَلِّلُ بالسِّنامِ
ألا يا أُمَّ بكر لا تُكِري – عليَّ الكأسَ بعد أخي هشام
ألامن مُبلغ الرحمن عني- بأني تارك شَهر الصيام
أتَتْركُ أن تَرُدَّ الموتَ عنَّي – وتُحييني إذا بَلِيَتْ عِظامي
*الطوي : البئر
** الشيزي : الجفان ، سميت باسم الشجر الذي تتخذ منه – وأرادَ بالجفان :أربابها الذين كانوا يطعمون فيها فقتلوا يوم "بدر" وألقوا في القليب
ص421
كيف يفسر أبا العلاء صلاة المتنبي
وحدث إن "أبا الطيب" أيام كان إقطاعه "بصَفِّ"رُئي يُصلي بموضعٍ " بمعرة النعمان" يقال له "كنيسة الأعراب"
وإنه صلَّى ركعتين وذلك في وقت العصر ، فيجوزُ أَن يكونَ رأى أنه على سَفَرٍ، وأن القَصْرَ له جائز....
ويمضي أبا العلاء في شرح أحداث مرت على المتنبي ورويت عنه بإسهاب ملحوظ نافياً عنه الزندقة وادعاء النبوة
ص 424
ومن الطرائف عن المتنبي عندما أتهم بالكفرعلى شعره (يَتَّرَشّفنَّ مَنْ فمي رَشفَّاتٍ –هُنّ فيه أحْلى مِنَّ التوّحيدِ)
وكيف كان رده  (هُنَّ فيه أحلى من التوحيد )  بإن التوحيدهو تمر من تمور العراق
تَّرَشّفنَّ مَنْ فمي رَشفَّاتٍ –هُنّ فيه أحْلى مِنَّ التوّحيد
ومن الجدير بالذكر بأن هذا البيت هو
من قصيدته الشهيرة التي تذوب عذوبة وتمتلئ عزيمةً
كمْ قتيلٍ كمَا قُتلْتُ شَهيدٍ – لِبيّاضِ الطُّلّى وَوَرْدِ الخُدودِ
وعُيُونِ المَهَا ولا كَعُيُونٍ-فَتَكَتْ بالمُتيَّمِ المَعْمُود
عَمْرَكَ اللَّه ! هَلْ رَأيتَ بُدوراً- طَلَعَتَّ في بَراقِعٍ وعُقُود
ورأيت قبل الكلام عن  الحلاج ، أن نعرض مختصراً للعلاقة بين المتنبي وأبي العلاء
عاش المتنبي في عصر  قريب من عصر أبي العلاء ، ،تشاركا بالذكاء وفي التفوق والنبوغ والنظرة الفلسفية ،الحكمة و،أهم هو فساد الحياة ها ولكنهما لم يشتركا في أعز ما فقده أبا الع،هي نعمة النظر والتي فرضت عليه عزلة ،لنقل هو الذي فرضها على نفسه ، وكان أبا العلاء مفتوناً والمتنبي محبا له ووصف بأنه تلميذ المتنبي ولكن الفرق بين الرجلين شاسع ،وكبير فنرا المتنبي يسعى الى السلطة ،والثروة والمجد كما يفهمه فسخر شعره وإبداعه الذي من الصعب تكراره لمن يراه يدفع الثمن وحتا لمن يحتقره وكان شعره صادقاً مع سيف الدولة الحمداني لأنه كان معجباً به مقاربا لعمره باُضافة الى شجاعة وفروسية  سيف الدولة وأصله العربي٠٠ فلازمه لمدة عشر سنوات قال فيه من روائع الشعر خلودا على مر الزمن ولم يتركه متوجها إلى كافور اُلاخشيدي إلا بعد أن كثر أعداؤه وحساده ،وكما نعرف أنه لم يمكث مع كافورا أكثر من أربع سنوات كانت ،ثقال على نفسه ،وعلى موهبته  ،وإذا لاحظنا شعره في مصر نرى مدحه لنفسه طاغياً على مدحه كافور فلما يئس من عطايا كافور التي كان يتوقعها هرب من مصر متخفيا ورجع العراق
وابا العلا سيطر على عواطفه وكتم نزعات الفطرة الإنسانية ويصون كرامته ،ويحافظ على عزة نفسه ، وألزم نفسه بالشدة  وضنَ بها على الكذب والمديح الرخيص لانه بدون مطمع بما عند الملوك ،والامرا وأراد بما هو أرفع من الهبات و العطايا  وهو قدره ومكانته بين الناس
وأنفق المتنبي حياته متنقلا بين هذا وذاك كما عاش حياة السجون وذاق مرارتها وكأنه بهذا قد سجن نفسه بإرادته كسجن أبا العلا القسري
وهنا لا نملك إلا الإعجاب بقيمة أبا العلاء ،ورفعة قدره ومكانته السامية
ونأتي على الحلاج في رسالة  ابن القارح لأبي العلاء والذي يعتبره ابن القارح من الزنادقة
الحلاج*244هج-309هج /-858-922م
يذكر إبن القارح
و"الحسين"بنُ منصورالحلاجُ مِنْ "نيسابور" وقيل مِن "مرو" يَدعَّي كُلَّ علمِ ، وكان مُتُهورِّاً جسوراً يرومُ إقلابَ الدوَل ويدِّعي فيه أصحابُه الإلهيِّةَ ، ويقولُ بالحلولِ ، ويُظهِر مذاهبَ الشيعةِ للملوكِ ومذاهب الصوفية العامة ، وفي تضاعيف ذلك يَدَّعِي أن الإلهية قد حلت فيه .....ص36
حَدثَني " أبو عليّ الفارسي"وهو الحسن بن أحمد –من أعلام الغفران قال: رأيتُ الحلاَّج واقفاً على حَلقَةِ أَبي بكرِ  الشِّبْلِي(الزاهد المتصوف –من أعلام الغفران)
قائلاً
أنت بالله ستفسد خشيتَه  .
فنفَض كُمَّه في وجهِه وأنشد:(الحلاج)
يا سِرَّ سِرِّ يَدِقُّ حتى  _ يَجِلَّ عن وصفِ كلِّ حَيّ
وظاهرَّاً  باطناً تَبَدَّى _ من كلِّ شيٍْ لكل شَىّ
يا جُملَةَ الكُلّ لستَ غيري _ فما اعتذاري إذِّا إلّي!
وهو يَعتقدُ أَن العارفَ من اللهِ بمنزلة (شعاع) الشمس منها بدأ ومنها يعود ومنها يستمدَّ ضَوئه
ص36- 37 وفيها توضيح(شعاع)
وكان في كُتُبِه: "إني مُغرِقُ قومِ نوح ومُهلِكُ عادٍ وثمودَ"
قتل الحلاج
فلما شاع أمرُه وعَرَف السلطانُ خَبرَه على صِحةَّ ،وقَّع بضربِه ألفَ سوْطٍ وقطع  يديه ، ثم أحرقه بالنارِ في آخر سنة تسعٍ وثلاثمائة
*يلاحظ هجوم إبن القارح على الحلاج وأعتقد إنه بهذا يجامل أبا العلاء لمعرفته بأنه لا يميل إلى المتصوفة
رد أبا العلاء عن الحلاج
فأما "الحُسَينُ بنُ منصورٍ" فليس جَهلُه بالمحصورِ . وإذا كانت الأُمَّةُ ربما عبدتْ الحجَرَ ، فكيف يَأَّمَنُ الحَصيفُ البُجَر؟ أرادَ أن يُدِيرَ الضلالةَ على القُطْبِ ، فأنتقَلَ عن تدبير الُعطْبِ، ولو انصرَف إلى عِلاج البِرْس ، ما بَقِي ذِكرُ عنه في طِرس ولكنَّها مقاديرُ تغشَى الناظرَ بها سمادِيرُ . فكونُ ابنِ آدَمَ حَصاةً أو صَخرةُ، أجملُ بهِ أن يُجِعلَ سُخرَة. والناسُ إلى الباطل سِراعُ، ولهم إلى الفِتَنِ إشراعُ
وكم افُترِي "للحلاج" والكذِبُ كثير الحلاَج وجميع ما يُنسَبُ إليه ممَّا لم تَجرِ العادةُ بمثلِه.....
وفي الصوفية إلى اليومِ مَنْ يرفَعُ شأنه، ويُجعلُ مع النَّجم مَكانَه، وبلغنِي أنّ ببغداد قوماً ينتضرون خُرُوُجَه، وأنهم يَقفون بحيث صلب على "دجلة" يتَوٌّقَّعونَ ظُهُورَه ، وليس ذلك ببِدعٍ مِن جَهل النَّاس، ولو عَبَد عابدُ ظَبْيَ كِنَاس، فقد نزل حَظُ على قِرْدٍ ،فظفِر بأكرمِ الوِرْد.......
وأما الأَبيات التي على الياء*:
يا سِرَّ سِرَّ يَدِقُّ حَتَّى –يَجِلَّ – عن وَصفِ كُلِّ حَيّ
وظاهراً باطناً تَبَدَّى – من كُل شئ، لكلّ شيّ
يا جُملةَ الكُلِّ لست غيري- فما اعتِذارِي إذّا إليّ
فلا بأسَ بنظمها في القُوة ،ولكن قوله : إلّي: عاهة في الأبيات :إنْ قُيِّدَ فالتقييدُ لمثلِ هذا الوزنِ لا يجوزُ عند بعِض الناسِ ، وإنْ كَسرَ الياء من (إلى) فذلك ردئُ قَبِيح ...
ويسترسل أبا العلاء في شرح (كسر الياء) ص 456-457
وهنا ليس في الإمكان أن أترك الحلاج بدون نبذة بسيطة عن حياته، التي توضح لنا بكل وضوح نوعية الحياة في ذلك العصر
هو الحسين ابن المنصور ولد في  244 هج -309 هج ،الموافق 858-922 م /ببلدة اسمها "البيضاء"في إقليم فارس:من مدونة ميسون عوني
الوصول الى بغداد
وصلَ بغداد ومجموعة من أتباعه ومريديه ، بعد أن سبقته شهرته وعجائبه ،التي زاد عليها الخيال الشعبي والتصور الفطري مما ترك أثراً عند دخوله بغداد ، وتردد صيته في قصور بغداد واكواخها
ترك بغداد إلى مكة المكرمة وعاد إلى الخلوة  معتصماً بجبل (أبي قبيس) وانقطع عن الناس واتهمه خصومه بأنه يحضر لأعمال السحر وتحضير الجن ومن مكة إلى تركستان والهند ، وكانت رحلة فارقة اعتنق فيها الإسلام عدد كبير ووصل بعدها إلى السند وكشمير ثم بلاد ماوراء النهر والهند والصين .
الرجوع إلى مكة
ثم الحلاج في عاصمة الخلافة ،يستعد للمعركة الكبرى
وصل بغداد بعد أن ملأ صيته الآفاق وترك في كل مكان أثراً وعبرة يلجأ إليها المتخاصمون، وغمرت شخصيته وقوته الروحية قلوب وأرواح رأت فيه الملاذ
بغداد ساحة للحرب الفكرية بين تيارات ومذاهب لا حصر لها
دعوته لإصلاح الملوك والأمراء
الندوات والاجتماعات التي عقدت في بغداد
المناظرات الجدلية بين الحلاج ومفكري عصره وعلماء الصوفية
والتصوف عند الحلاج هو انتساب الإنسان إلى الله سبحانه وتعالى وليس للعالم المادي الحيواني
ويعتبر المستشرق نيكلسون : حياة الحلاج لحظة جوهرية في تاريخ التصوف الإسلامي وشكل أعظم القوى الروحية الإيمانية التي عرفها الإنسان
ويذكر الحلاج في كتابه الطواسين" : من صدق مع الله في أحواله ،فهم عنه كل شئ وفهم عن كل شئ
والله ما طلعت شمس ولا غربت –إلا وحبك مقرون بأنفاسي
ولا خلوت الى قوم أحدثهم –إلا وأنت حديثي بين جلاسي
ولا ذكرتك محزوناً ولا فرحاً- إلا وأنت بقلبي بين وسواسي
ولا هممت بشرب الماء من عطش- إلا ورأيت خيالاً منك في الكأس
ولو قدرت علي الاتيان جئتكم-سعياً على الوجه أومشياً على الراس
مالي وللناس كم يلحقوني سفهاً- ديني لنفسي ودين الناس للناس
الفساد في عاصمة الخلافة
حارب الحلاج الفساد في عاصمة الخلافة  ولكنه احترق في أتونها وكانت بغداد تمر بأحداث حاسمة في تاريخها وتاريخ أمته،وكانت الكنوز تحمل إليها وتدفقت الثروات وهرع اليها اصحاب العقول و المطامع والأهواء وتدفق إليها سيل لاينقطع من الجواري والإماء والعبيد والمنجمين والمحتالين حتى بدأت الصلابة العربية تضعف وأصبحت مرتعاً للفساد بدون قيود ولا حدود
واسرفت في الجدال العقلي حتى أصبحت أنديتها محلاً للسفسطة والنقاش ، وعدت مساجدها ساحات للقتال بين الحنابلة والأشاعرة والمعتزلة والصوفية والمنجمين والسحرة والفلاسفة وفي النهاية تمزقت الوحدة الفكرية وتبددت الثروة الأخلاقية وبرزت الأحزاب والشيع مقنعة وسافرة، عربية وأعجمية مؤمنة وموحدة ، ثائرو ورجعية ، أحزاب للأتراك وللفرس والرجعية الدينية وأحزاب رؤوس الأموال التي تمتص دماء الناس وفوق كل هذا أحزاب القصر الذي تهيمن عليه الجواري والغلمان وفي قمة هؤلاء ،يجلس الخليفة المقتدر، ركيكاَ، لاهياً في اللعب والتبذير وأحب جارية رومية تسلمها مقاليد الخلافة وأهدى لها حجراً من الياقوت ، قيمته ثلاثمائة ألف دينار
ويذكر ابن الأثير
إن المقتدر الطفل الخليفة لا هم له إلا اللهو في قصره بين عشرة آلاف من الغلمان والصقالبة والجواري بالإضافة لوالدته السيدة "شغب" التي أحالت الخليفة إلى ألعوبة في يدها وبلغ من استهتارها إن قهرمانه "أم موسى" تجلس في مجلس القضاء، وكانت تصدر أوامر المصادرات وإحصاء الأموال والتركات
وفي وسط هذا الانهيار ظهر الحلاج بما يتمتع به من جاذبية شخصية وتدين فريد وكانت شخصيته تملأ العين سحراً والقلب إجلالاً وقوة الإيحاء الذي يطلق الأمل في القلوب
وأراد أن يعالج التفاوت الطبقي المريع و ينتزع السلطة من رجال الدين والمشايخ ، وأحاطت به الأحقاد من كل جانب
هاجم الشيعة والمعتزلة ، حارب الوزراء وهاجم الخلافة واحزابها ، وهذا ليس سهلاً ولا هيناً ،ورمي باتهام إدعاء النبوة ، ثم إدعاء لعنه الله ، ودخل في معركة عنيفة ومريرة ، وكان على رأس من يريدوا الخلاص منه هو الوزير "بن حامد" الذي أشرف على محاكمته وسارع إلى قتله
وصرخ الحلاج:
يا أيها الناس إعلموا أن الله قد أباح لكم دمي فاقتلوني تؤجروا،واسترح، اقتلوني تكتبوا عند الله مجاهدين وأكتب أنا شهيداً.
ضرب الحلاج ألف صوت ثم رفع على الصليب وقطعوا يديه ورجليه ثم جزوا رأسه بالسيف وأحرقوا جثته،وحملوا رماده إلى منارة المجلس،وألقوه في الهواء.
وبات التصوف يبكي بدموع حرى على شهيد العشق الإلهي وعبقري الثورات ضد الظلم والاستغلال والاحتكار
وارتمت بغداد باكية ،وقد هدها التعب وتدرج قلبها بدم الحلاج وذابت روحها كمداً وألماً على من دخلها آملاً بها فأردته قتيلاً
وصدقت يا أبا العلاء حين أبدعت
"يسوسون الأمور بغير عقل       فينفذ أمرهم ويقال ساسة
فأفٍّ من الحياة وافّ مني            ومن زمن رياسته خساسهْ
يكفيك حزناً ذهاب الصالحين معــاً
ونحـنُ بعدهم في الأرض قطّان
ساس الأيـــــــام شياطين مسلطــــةٌ
فـي كلّ مصرٍ من الوالدين شيطان
أبا العلاء موضوع الحلاج قادني الى موضوع  في منتهى الأهمية وذلك حين محاولتي حصر مؤلفاتك القيمة
لفت نظري كتاب بعنوان (القائف) استغربت الاسم وكانت مفاجأة لي إنك استقيته من كتاب "
إبن المقفع ، كليلة ودمنة"
وهو شبيه كما لاحظت في رسالة غفرانك بأنك تألف الحيوانات وتعطف عليها،وجعلتها تكلم إبن القارح بجولته ، والغريب الذي لفت نظري هو عدم ذكر سيرة إبن المقفع في معرض كلام ابن القارح عن الزندقة والإلحاد ، وكما نعرف إن "ابن المقفع " قتل بطريقة تأباها الفطرة الإنسانية السليمة ،لإن اتهم بالزندقة والإلحاد..والصفة الثانية التي يحملها إبن المقفع وتكون قريبة الشبه بما تحمله من أفكار، وهي إعمال قيمة العقل ويعلو العقل على كل قيمة أخرى ،ورأيت كذلك من صفاته من تهذيب الخلق والنفس وكان صاحب الاسلوب المميز المتسم بالوضوح والسهولة وعرف بالسهل الممتنع ، وكان متأثراً بأستاذه النابغة عبد الحميد الكاتب ، وفياً عادلاً ...ابذل لصديقك دمك ومالك ،ولمعرفتك رفدك ومحضرك ،وللعامة بشرك وتحنّنك ، ولعدوك عدلك ، واضنن بدينك وعرضك عن كل أحد
وتعددت الآراء في تمكن إبن المقفع بإجادة اللغة العربية وخصوصاً عند التعبير بجمل قليلة لا تسعفه في الإجادة ، وإن يعتبر هو وأستاذه عبد الحميد الكاتب عنواناً للكتابة الفنية وإن تفوق عبد الحميد بذلك بفصاحة اللفظ ، فهو أحسن من كتب العربية
مقتل إبن المقفع
قتل ابن المقفع إثر تعرضه لفتنة عندما كان يعمل كاتباً عند أعمام المنصور،(المنصور هو الخليفة العباسي الثاني ويعتبر مؤسس الدولة العباسية) حيث ناصرهم على أخذ الأمان من ابن أخيه وعدم قتله، ولكن ابن المقفع رأى نفسه متورطاً في هذا الخلاف العائلي وقام المنصور بقتله، وقد قيل أنه تم تقطيعه إلى أجزاء ثم تم حرقه وذلك في عام ( 142) للهجرة.
أما حياة ابن المقفع ...نعرضها كما دونها عميد الأدب العربي "طه حسين "في كتابه من حديث الشعر والنثر"
وإبن المقفع
مُحمّد عبد الله بن روزبة بن داود بن المقفع 106 – 142 هـ-724  م 759 م فارسي من غير شك ،وكان أبوه من عمال الحجاج على الخراج ، وكان مجوسياً . وظل ابن المقفع مجوسياً إلى أول الدولة العباسية ، وكان قد أتقن العربية وتثقف بثقافتها. ولا شك أن حظه كان عظيماً من الثقافة اليونانية، فهو أول من ترجم كثيراً من كتب أرسطو في المنطق والجدل والقياس والمقاولات . فكان إذاً عظيم الحظ من الثقافة العربية واليونانية والفارسية.
فكان في عصر الأمويين يشتغل بالكتابة : كتبَ لداود بن عمر بن هُبيرة ثم اتصل بعيسى بن علي عم المنصور ، وكتبَ له لحين موته.
وإبن المقفع أسلم في أيام العباسيين ، ولكن إسلامه لم يكن يظهر صحيحاً ولا خالصاً لله ، فلقد كتبَ في الزندقة كتباً كثيرة اضطر بعض المسلمين إلى أن يردوا عليها أيام المأمون ، ويقولون إن الزندقة هي التي قتلت إبن المقفع ، ويقولون بل قتله عهد كتبه لعبد الله بن علي أحرج صدر المنصور ، إذ ألزم الخليفة إن رجع أن تكون نساؤه طوالق ورقيقه حراً ، إلى غير ذلك ، فغضبَ المنصور ، وأغرى والي البصرة سفيان بن حبيب بن المهلب بقتله فقتله.
شناعة القتل
وكان قتله شنيعاً ، فيقال إنه ذهبَ إلى ديوان الحكومة في البصرة ، وأستأذن سفيان فأدخله في مقصورة ، وإذا في هذه المقصورة تنُّور . وقال له والله لأقتلنَّك قتلة يسير بذكرها الركبان
وأخذ يقطع أجزائه قطعة قطعة ويضعها في النار، وهو يراها  تحترق إلى أن مات.
والأرجح إن الذي قتل ابن المقفع ليس الزندقة ، ولم يقتله تشدده في الأمان. ولكن لابن المقفع رسالة أخشى هي التي قتلته ، لأنها توشك أن تكون برنامج ثورة ، وهي موجهة للمنصور ،لأن فيها ذكراً لأبي العباس (أبي العباس السفاح أول خلفاء الدولة العباسية واسمه يدل عليه )إذ يقول فيها:( وقد كان أبو العباس رحمه الله ) ونحن نعلم أن ابن المقفع مات أيام المنصور وإنه كان كاتباً لعيسى أخي عبد الله بن علي الذي ثار على المنصور ،وكلفه ضروباً من المشقة . هذه الرسالة تسمى  -رسالة الصحابة
سيدي فعلاً أشعر بالاشمئزاز من الطريقة الهمجية التي قتل فيها ابن المقفع ،ولا عذر لمن أساء إلى الخلق البشري بقتله ،مهما يكن قد اقترف من ذنب ، وهو لم يقترف ذنباً.
ونرجع إلى كتاب القائف الذي ألفه أبو العلاء على منوال كليلة ودمنة لإبن المقفع
يكتب الباحث جهاد فاضل عن كتاب "القائف" ما يلي
كتاب "القائف" ، ألفه المعري على منوال كليلة ودمنة لابن المقفع، أي أنه وضعه على ألسنة الحيوانات، ولو أنه وصلنا لربما وصل المعري إلى متلقين غير المتلقين النخبويين الذين يقرأونه عادة». ذلك أن كتاباً مثل كليلة ودمنة بإمكانه أن يصل إلى القارئ العادي كما يصل إلى أي قارئ آخر. ولعل المعري أراد عندما وضع هذا الكتاب أن يضطلع بمهمة تثقيفية وتنويرية على غرار المهمة التي ندب ابن المقفع نفسه لتحقيقها. ولكن "القائف" اختفى لسبب ما، ولم يبق منه سوى حكايات قليلة نقلها الكلاعي في "إحكام صنعة الكلام"(تعريف القدماء بأبي العلاء جمع وتحقيق بإشراف طه حسين/ القاهرة/ الهيئة العامة للكتاب عام١٩٨٦
كتب المعري
وعلى ذكر كتب المعري لاحظ كبار مفكري الأدب العربي ، إن للمعري كتباً موؤودة فرضت عليها الرقابة ولم يأذن بنشرها وما ذكره القفطي في كتابه (إنباه الرواة على أنباه النحاة) فقد أورد الخبر التالي :(وكان مرضه ثلاثة أيام ، ومات في اليوم الرابع ، ولم يكن عنده غير بني عمه، فقال لهم في اليوم الثالث : اكتبوا : فتناولوا الدوي والأقلام ، فأملى عليهم غير الصواب . فقال القاضي أبو محمد :أحسن الله عزائكم في الشيخ،فإنه يموت . فمات في غداة
ومن المرجح أنه أملى وهو طريح الفراش كتاباً لا نعرف عنه شيئاً سوى أن ما جاء فيه مناف للصواب ، فرأى بنو عمه أن من واجبهم إتلافه، ولو كان أبا العلاء قد أملى هذا الكتاب لغير أقاربه للتبريزي مثلاً أو لأبي الفتح ،أكانا أقدموا على إتلافه ؟ مهما يكن ، فإنه كتابه الأخير ، رغم بعده عن الصواب كما ارتأى أقرباؤه،
ويستغرب عبد الفتاح كيليطو كيف أن من ترجموا للمعري لا يذكرون هذا الكتاب  في قائمة مؤلفاته ، وما يدري لعله قد باحَ بسره الدفين ، ولعل هذا الكتاب الغريق هو الكتاب الذي نفتقده للخروج من متاهات أبي العلاء.
هذا بالإضافة لكتاب (القائف)  الذي أدرجناه في أول الحديث ، ويعتبر فقده خسارة للأدب العربي بكل رقيه وشفافيته.
وقفة مع أبي العلاء
أبا العلاء هل تسمح لي بوقفة ، أبدي فيها رأياً أتمنى أن لا يزعجك
قولي
في خضم تحقيق الدكتورة عائشة لرسالتك لفتَ نظري ما دونته عن صعوبة بحثها عن الأعلام المذكورين في رسالتك
مثلاً
وأعجب من هذا ، أن هناك أعلاماً كنتُ على يأس من تحقيقها  لولا أن استعنت بأستاذي أمين الخولي على فك رموزها
هل تعرف من هو الشيخ أمين الخولي؟
لايرد
الشيخ أمين الخولي(1895- 1966) من كبار علماء اللغة العربية ورئيس قسم اللغة العربية في كلية الآداب وهو أستاذ الدكتورة عائشة ومن بعد ذلك زوجها
ومناضل شارك في ثورة 1919 ونفي مع سعد زغلول إلى جزيرة سيشل ....
هل ترى من الذي فك رموز رسالتك ووضعها بين أيدينا لننهل من إبداعها؟
أراكِ ترمين لمعنى؟
لمعنيين
الأول أوضحنا من جهد الدكتورة عائشة ، والثاني كذلك ولكني أردت أن أوضحه أكثر
ساخرا وعارفاً ولكنه يسأل
ما هو؟
العون الذي قدمه الشيخ أمين الخولي لزوجته الدكتورة بنت الشاطئ ،وتَذْكُره بمنتهى الاعتزاز ، هنا نرجع إلى محبس النفس الذي تكلمنا عنه وأراكَ قد قصرتَ بحق نفسكَ بعزلها عن الفطرة الإنسانية ، التي بدونها لا يكون للحياة معنى
ونتمعن في إهداء الدكتورة عائشة كتاب رسالة الغفران كما يلي
إلى الذي علمني كيفَ أقرأ: أستاذنا أمين الخولي في ضمائرنا ، وقلوبنا ، وعقولنا
وإلى ابنتنا فقيدة العلم والشباب الدكتورة أمينة أمين الخولي مجاهَدة لوجدي عليها، وتحية
الذكرى ،إلى أن نلتقي.. عائشة
فترة صمت أشاع في المكان سكوناًموحشاً
فأراد الطيف أن يُرجع أبا العلاء إلى موضوع في منتهى الأهمية، بخصوص علاقة إبن القارح بعائلة المغربي، وتوبة إبن القارح.
وغالباً كانت رسالة ابن القارح إلى أبي العلاء سببها محاولة إبن القارح رد تهمة الجحود والنفاق عنه حين سمع بأن أحدهم سأل أبا العلاء في مجلسه هل تعرف ابن القارح ؟،فرد أعرفه سماعاً وهو الذي هجا أبا القاسم المغربي
وكان ابن القارح من أقرب الناس للوزير المغربي وحصل من عطاياه الكثير ،ولما تغيرت الدنيا على المغربي تغير معها إبن القارح وسنرى رسالة ابن القارح ورد أبا العلاء بخصوصها
نبذة عن حياة أبا القاسم المغربي تمهيداً لسؤال ابن القارح وجواب أبا العلاء
هو أبو القاسم الحسين بن علي بن الحسين بن علي بن محمد بن يوسف المعروف بالوزير المغربي ولد بمصر سنة 370 هج -980 ميلادية وبها نشأ وتعلم وسمي  الأديب الملقب بذي الرئاستين : الوزارة والكتابة
وأبوه أبو الحسن علي بن أبي عبد الله الحسين بن جوهر قائد القواد في جيش الحاكم الفاطمي
وجد الأسرة هو جوهر الصقلي  فاتح مصر وباني القاهرة والأزهر وأقام الدعوة للعبيديين الذين حكموا باسم الفاطميين
وعاش ابن القارح في ظل هذه الأسرة حين كانت الدنيا تدين لهم ، وتنعم بخيرهم وكان يشدو بفضلهم ومزاياهم ومآثرهم وعندما قلبت الدنيا عليهم وقتل الحاكم الفاطمي قائده أبا عبد الله الحسين بن جوهر وذلك في سنة 401 هج ويتشرد أبنائه في الدنيا ،هرب أبا القاسم إلى الشام وذلك  بمساعدة من بعض أبناء القرى في مصر وقصد "حسان بن المفرج الطائي"أمير فلسطين فأجاره وأمنه على حياته وعندما أصبح أبا القاسم هارباً مستجاراً ،  تنكر لهم إبن القارح وشتم أولياء نعمته واشتط في السباب ،
وملازمته لعائلة المغربي وانقلابه عليهم بعد أن زال عزهم وملكهم وكأننا نرى إن ذكرهم لأبي العلاء كان دفاعا عن نفسه من تهمة الخيانة ،لأن إبن القارح سمع أن ذكره قد جاء في مجلس أبي العلاء وكان تعليق أبو العلاء على ذلك بقوله :(اعرفه خبرا-ويقصد –سماعا- وهل هذا الذي هجا أبا القاسم المغربي)
وهل رد أبا العلاء يحتمل تفسيراً إلا إثباتاً منه خيانة  وغدر ابن القارح ومحاولة درء التهمة البشعة  وهي ليست تهمة بل إثبات لا يقبل الشك على نكران فضل عائلة المغربي عليه، أي بصريح العبارة إنه مثالاً الغدر والنفاق ، فأراد ابن القارح أن يبرئ نفسه عند حكيم المعرة ، وكان قد تبوأ مكانته الأدبية والإجتماعية والثقافية وأصبح ملأ السمع والبصر.
وكان أبا العلاء يعلم حين جاء ذكر ابن القارح إنه أديب حلبي خدم "أبا علي الفارسي" "وآل المغربي" وصفته الدالة عليه بنظر أبا العلاء هي هجاءه" أبا القاسم" التي لا يحتاج فيها إلى مزيد من التعريف بشخصية "إبن القارح"
إبن القارح يرجع إلى حلب
توبة إبن القارح
وعندما تهيأ " إبن القارح للرجوع إلى حلب  وهو في السبعين من عمره وقد نالت من صحته إغراقه في الملذات سمع رد أبا العلاء حين ذكر إسمه في مجلسه (بأنني أعرفه خبراً)
فأراد أن يبرئ نفسه أمام أبا العلاء بادعاء تمسكه بالفضيلة كما نص في رسالته
وأنا أستعينُ بعصْمةِ الله  وتوفيقه،وأجعلُهما مُعِينَيَّ على دفع شهَواتي أشك إليه عُكوفي على الأماني ، وأسأله فَما لمواعظ عبر الدنيا ، فقد عميت عن كلوم غيرها  بما جثم على خواطري من الشعَف ،(بها) ولست أجد مُنصفاً لي منها ولا حاجزا لرغبتي فيها عنها ، وأين ودائع العقولِ وخزائن الأَفهام يا أولي الأبصار ؟صفَحْنا عن مساوئ الدنيا إغماضاً لعاجلٍ مُونقٍ* التنغيص، وتوميُّ** إليه يدُ الزوالِ...
*(موفق) في ع: تحريف
** وتومي بتخفيف الهمزة وفي ع: (ترمي)
ص50-55
ويرد أبا العلاء
وأما إشفاق الشيخ –عَمَرَاللهُ خَلَده بالجلذَل ،وأراحَ سمعَه من كل عَذَل –فتلك سجيةُ الأَنيِس ،لايختصُّ بها أَخو الجُبْنِ عن الشعاعِ البئيس . ومن القُسوطِ تعرضُ بالقنوط :"ِ قُلْ يا عبَادِيَ الَّذينَ أسْرَفُوا على أنفُسِهِم لاتَقْنَطُوا مِنْ رَحمَةِ اللِه"(سورة الزمر آية 53)
كم من أديبٍ شرِب وطَربَ ثم تابَ ، وأجابَ العُتَّابَ .فقد يضل الدليلُ في ضوء القمرِثم يهديه الله بأحد الأمر،وكم إستُنفذَ من اللجِّ غريقُ فسلِمَ وله تشريق...
وربِّ خليع وهو فتى ،تصدَّر لما كبِر وأفتى ، ومغنِّ بِطُنْبُورٍأو عودٍ،قُدِرَ له توليِّ السعودِ، فَرقِيَ مِنَبّرا للعظاتِ ، من بعد ارسالِ اللَّحظات
ولعلهُ* قد نظر في طبقات المغِّنينِ فرأى فيهم "عُمَرَ بنَ عبدِ العزيز" و"مالك بن أنس" هكذا ذكر"ابنُ خُرْدَاذَبةَ **" فإن يكُ كاذباً فعليه كَذِبُه
توضيح
*القصة فيما قرأنا ، وقعت بين "حماد عجرد" وأبي حنيفة : الإمام الفقيه "قال أبو فرج الأصفهاني" كان أبو حنيفة الفقيه صديقا لحماد عجرد، فنسك أبو حنيفة وطلب الفقه تبلغ ما بلغ ، ورفض حمادا ، وبسط لسانه فيه، فجعل حماد يلاطفه وهو يذكره  
والحكايةُ معروفةُ أَن " أبا حنيفة ***" كان يشارب "حماد عجرد" وينادُمه ،فَنَسَك "أبوحنيفة" وأقامَ "حمَّادٌ "**** في الغَيِّ فبلغَهُ أَن " أبا حنيفة" يذمَّه ويعيُبه فكتب إليه "حماد"
إن كان نُسكك لايتم -بغير شتمي و انتقاصي
فاقعد وقم بي كيف شئت - مع الأَداني والأقصى
فلطالما بكيتني  -وأنا المُقيم على المعاصي
أيَّام تُعطيني وتأخذُ- في أباريق الرصاص
أليس الصحابة –عليهم رضوان الله – كلهم كانوا على ضلال ثم تداركهم المقتدر ذو الجلال ؟....
والتوفيق يجي من الله سبحانه وتعالى بإجبار ، فيما خوطب به النبي صلى الله عليه وسلم "ووجدك ضالاً فهدى"
**ابن خرداذبة : أبو القاسم عبيد الله بن خرداذبة ، نادم " المعتمد" وخص به ومن مؤلفاته أدب السماع ، جمهرة أنساب الفرس ، المسالك والممالك .الندماء والجلساء
***أبو حنيفة : النعمان بن ثابت ، الإمام فقيه العراق ،توفي 150 هج
**** حماد عجرد :أحمد بني نهشل بن دارم ، وقيل هو مولى ، شاعر عباسي محسن ، كان ينزل بالكوفة ، واتهم بالزندقة...
ص508و509
يعود أبا العلاء في توضيح توبة إبن القارح
وإذا تسامعت المحافلُ بتوبتهِ ، اجتمعَ عليه الشبانُ المقتبلون ، والأُدباء المتكهلون ، وكلُّ أشيب لم يبقَ من عُمره إلا (ظِمْ) حِمارٍ ، كما إجتمع لِسَمَرٍ أَصنافُ السُمّار، فيقتبسون من آدابهِ ، ويُصْغُونَ المسامعَ لخطابِه ، وجلس لهم في بعض المساجدِ"بحلب حرسها الله)،فإنَّها من بعد "أَبي عبد اللهة بنِ خالويه" عَطِلتْ من خَلخالٍ وِسوار ،ونارت من الأدب أشد النَّوار.
وإذا كان ذلك بتفضُّل اللهِ ،أَعَدّ معهُ خَنجّراً* كخنجرِ "ابنِ الرومّي"،أو الذي عناهُ "ابن هَرْمةَ"في قولِه :
لا أُمْتِعُ العُوذَ بالفِصالِ ولا – أبتاعُ إلا قريبةَ الأجَلِ
لا غَنمي في الحياةِ مُدَّ لها- إلا دِراكَ القِرَى ،ولا إبلي
كم ناقةٍ قد وَجَأتُ مَنحرضها – بِمستهلِّ الشُّؤْبوبِ ،أو جَمَلِ
فإذا جلسَ في مجلسِه الذي يلتقطُ أَهلُه زهرَ أسحار ، بل لؤلؤَ بِحار فيكون الخنجر قريباً منه، فإِذا قُضِي أَن يمرَّ ببابِ المسجدِ الكهلُ المرَقَّبْ الذي أراده
*يشير هنا إلى الخنجر الذي أعده "إبن الرومي" في مرضَ موته ،لينحر نفسه إذا اشتد عليه الألم
يلاحظ تمسك أبا العلاء بالرحمة الإلهية وهي التي تبقى للبشر وأي أحكام وضعية تقذف هذا في النار وذلك في الجنة فلا يؤمن بها ولا يعطيها أي إعتبار
ومن الملاحظ إن عصرنا الذي نعيش فيه هو تجسيد حي ، للمتاجرة بالدين واستغلال الأبرياء وغسل عقولهم ،بل إزداد غلواً وتطرفاً نتيجة تغيير وسائل الإعلام ،وسهولة الإتصال بالناس ولقد قام فريق مجند لهذا الغرض على طيلة سنوات حاولوا فيها أوطاننا إلى وكر للسلفية ، والتطرف وأساءوا فيها إلى الدين نفسه
علاقة إبن القارح بعائلة المغربي
بعد أن أوضحنا توبة ابن القارح ورد أبا العلاء عليها ،نعود إلى الموضوع الأهم والذي هو سبب كتابة إبن القارح رسالته إلى أبي العلاء وعلاقته بعائله المغربي ،  وأدركنا شرح مختصر عن عائلة المغربي وعلاقة ابن القارح بهم
يذكر إبن القارح في رسالته إلى أبي العلاء عن أبي القاسم المغربي ما يلي:وسأكتبها كما جاءت لأهميتها
بَلغني عن مولايَ الشيخ – أدام اللهُ تأييده – أَنه قال وقد ذٌكِرتُ له " أَعرفه خَبَرا . هو الذي هجا أَبا القاسم (بن) علي بن الحسين المغربي"
فذلك منه – أدامَ اللهُ عزه – رائع لي .خوفاً أن يستَشِرَّ طَبْعي ، وأَن يتصوَّرَني بصورةِ مَنْ يضعُ الكُفْرَ موضِعَ الشكْر. وهو بتعريفِ التنكير أَنفعُ لي عنده ، لجلالة قدره  ودينه ونُسْكِه ، وأَنا أُطْلِعُه طَلعَه ، ليعرف خَفضَه ورفعَه ، وفُراداه وجمعَه .
ويستمر ابن القارح في توضيح موقفه من الوزير أبا القاسم علي بن الحسين المغربي
كنتُ أَدرس على " أبي عبدِ اللهِ بن خَالَوَيه "  رحمه الله وأختلفُ إلى " أبي الحسن المغربي" ولما ماتَ"ابن خالويه" سافرتُ إلى بغداد
"ونزلتُ على " أَبي عليَّ الفارسي" وكنتُ أّختَلِفُ الى عُلَماءِ بغداد : الى " أبي سعيد السيرافي ، وعلي بن عيسى الَّرماني وأبي عبيد اللهِ المرزُباني ، وأبي حفص الكَتاني  صاحب أبي بكر  بن مُجاهِد ". وكتبتُ حديثَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، وبَلَّغْتُ نفسي أغراضَهاجهدي والجهدُ عاذر .ص56
يرد أبا العلاء عن العلماء الذي لقيهم إبن القارح
وأَما العلماءُالذين لقيَهم ، فأولئكَ مصابيحُ الناجيةِ،وكواكبُ الداجيةِ ،وإنَّ في النظرِ إليهم لَشرفاً، فكيفَ بمن اغترفَ من كل بحرٍ وجدَ غرفا ؟وإنما أقولُ ذلك على الإقتصار ، ولعله قد نَزفَ بحارهم بالقلمِ والفَهم ، وفتحوا له أَغلاق البُهم –جمع بُهمة وهو الأمرُ الذي لا يُهتدى لهُ –فاَخذَ عن (الكتاني*) سُورَ التنزيل ،وفازَ بثواب جزيل ، فكأنما لقَّنَهُ إياه الرسول ، وبدون تلك الدرجةِ يُبْلغٌ السُّولُ .
أو أخذها عن "جبرئيلَ"فلا غِيرَ ولا تبديل،وسهّلوا له ما صَعُبَ من جبالِ العربيةِ ،فصارت حُزُوُنةُ(كتاب سيبويه)عنده كالدِّماثِ، وغَنِيَ في اللُّجَجِ عن ركوبِ الأَرماث.
*في كل النسخ ( الكتابي) ويمكن أن تفهم –من بعد- على أنها نسبة إلى (الكتاب) أي القرآن الكريم ، إستظهاراً بقول" أبي العلاء " في الغفران ص 566 : وما عنيت بالكتابي من نسب إلى توراة وإنجيل ، دون من نسب إلى القرآن البديل.
غير أن المستشرق نيكلسون قرأها (الكتاني) وإن كان في مخطوطته بغير إعجام ، ثم أشارَ في هامشه إلى أن "الكتاني" الذي كان شيخ ابن حزم في المنطق توفي سنة 400 هج ،مذكور في ابن خلكان ، ولكن ليس هناك سبب لفرض أنه هو الشخص المعني هنا.
وإن صحت قراءة نيكلسون –وهي التي ربحناها- تعين أن يكون " الكتاني " هنا هو: عمر بن إبراهيم البغدادي، شيخ القراء في القرن الرابع،يوم آخر من قرأ على "ابن مجاهد"انظر رقم 3382 في (غاية النهاية لابن الجزري)ص 531
ملاحظة
رأيت أن أدرج نص ما كتبه أبا العلاء وتوضح الدكتورة عائشة وإدراج تفسير المستشرق نيكلسون لكلمة (الكناني) لنبين بكل وضوح استطرادات المعري التي تأخذنا بعيداً عن الرد المقصود وفي نفس الوقت توضيح الدكتورة عائشة وترجيحها لتفسير نيكلسون
ونرى الجهد الدؤوب الذي بذلته الدكتورة عائشة بتفسير كلمة واحدة ولقد إمتلاْت الرسالة بمختلف التفسيرات والترجيح كما رأته بنت الشاطئ
ثم يشرح إبن القارح علاقته بأبي القاسم المغربي
وبتولي الشرح يفضح إبن القارح نفسه في وقت كان يريد أن يبرئها فإذا رسالته عنوان لنفسيته وأخلاقه التي بدت واضحة لأبي العلاء بما لا يقبل الشك.
ثم سافرتُ إلى مصر ولقيتُ "ابا الحسن المغربي فألزَمَني أَن لَزمته لزوم الظَّل، وكنتُ منه مكانَ المِثل في كثرة الإنصاف والحنو والتحافِّ . فقال لي سراً: أَنا أَخافُ هِمَّة أَبي القاسِم أن تَنْزوَ به إلى أن يوردنا  وِرْداً لا صَدَر عنه . وإِن كانت الأَنفاسُ مما تُحفَظُ وتُكتَبُ ، فاكُتُبْها وطالعني بها"
فقال لي يوماً : " ما نرضى بالخمول ِالذي نحن فيه " قلت : وأي خمولٍ هنا ؟! تأَخذون من مولانا – خَلَّدَ اللهُ مُلكَه –في كل سنةٍ ستَّةَ آلافِ دينار ، وأَبوكَ من شيوخِ الدولة وهو معظَّمُ مُكرَّم " فقال: أريدُ أَن تُصارَ الى أَبوابِنا الكتائبُ والمواكبُ والمقانبُ، ولا أَرضى بأَن يُجرَي علينا كالوِلدانِ والنِسْوَان !"
فَأعدتُ ذلك على أبيه فقالَ : ما أَخوفني أَن يَخضِبَ أَبو القاسم هذه من هذه ! – وقبضَ على لِحْيتِه وهامتِه
وعَلمَ "أبو القاسم" بذلكَ فصارت بيني وبينه وَقْفَةُ ص57*
*يعني بما نقل ابن القارح إلى أبي الحسن المغربي من حديث ولده أبي القاسم
ويستمر ابن القارح في شرح موقفه من الوزير المغربي لأبي العلاء:
وأنفذ إليَّ القائد " أبو عبد الله ، الحُسينُ بنُ جوهر" فشَرفَني بشريفِ خِدمِته ، فرأيتُ " الحاكم*" كلما قَتلَ رئيساً أنفذ رأسَه إليه وقال: هذا عدُوي وعدُوُّكَ يا حُسَينُ
" فقلت : "مَنْ يَرَ يَوْماً يُرَ به ،والدهرُ  لايٌغْتَرٌّ به"
وعلمتُ أَنه كذا يُفعَلُ به.فاستأذنتُه في الحج فَأذِنَ ، فخرَجْتُ في سنة سبعٍ وتسعينَ ، وحججتُ خمسةَ أعوام وعدتُ إلى "مِصرَ "
وقد قَتله 1فجاءَني أَولادُه سَرَّا يرومون الرجوعَ إليهم، فقلتُ لهم :خير مالي ولكم الهرب ، ولأّبيكم ببغداد ودائع خمسمائة ألفِ دينار . فأهَربوا وأَهْربُ ففعلوا وفعلتُ.
وبلغني قتلهم بدمشق وانا بطرابلس ، فدخلتُ إلى أَنطاكية  وخرجتُ منها إلى مَلَطْيةَ وبها "المايَسْطرِيَّةُ ،(خولة بنت سعد الدولةِ *وخولة هي حفيدة سيف الدولة ، أبوها أَبو المعالي شريف  الملقب بسعد الدولة إبن سيف الدولة ، (ولى حلب بعد موت أبيه سنة356 وتوفي 381هج) فأقمتُ عندها إلى أَن وَرَدَ عَلىَّ كتابُ "أبي القاسم " فسِرت إلى ميافارقينَ فكان يُسِرٌّ حَسْواً في أرتغاءَ*(*من يتظاهربأّمر ويخفي سواه)
قال لي يوماً من الأيام: ما رأيتُكَ! قلتُ :أَعرَضَتْ حاجةُ؟
قال: لا ، أَردتُ أَن أَلعنكَ
قلتُ فألعنِّي غائباً!
قال: لا، في وجهك أَشفَى
قلتُ : ولم؟
قال: لمخالَفَتِكَ إياي فيما تعلَم
وقلت له ونحنُ على أَنسٍ  بيني وبينه:لي حُرُماتُ ثلاث:البلديةُ وتربيةُ أَبيه لي ، وتربيتي لإخوته .
قال: هذه حُرَمُّ مُهَتَّكَةُ: البلَديَّةُ نَسبُ بين الجُدران ، وتربيةُ أَبي لكَ
مِنَّةُ لنا عليكَ ، وتربيتُك لإخوتي بالخِلَعِ والدنانير.
أردتٌ أَن أقولَ له : "إستَرَحْتَ مِن حيث تَعِبَ الكرامُ " فخشيت جنونَ جنونِه ، لأَنه  كان جنوُنُه مجنوناً، وأَصَحُ منه مجنونٌ ، وأَجَنُ منه لايكون وقد أَنشِد:
جنونُك مجنونُ ولستَ بواحدٍ – طبيباً يداوي من جنونِ جنونِ
بل جُنَّ جِنَّانُه ورقَصَ شيطانُه:
به جِنَّةُ مجنونةُ غيرَ أنها- إذا حصلَتْ منه أَلَبُ وأَعقلُ
وقالَ لي ليلةً : أريدُ أَن أَجمعَ أَوصافَ الشمعةِ السَّبعةَ في بيتٍ واحد وليس يسنَحُ لي ما أَرضاه ، فقلتُ: أَنا أَفعلُ من هذه الساعةِ
قال: أَنتَ( جُذَيَلُها المحكَّكُ *)(وعُذَيْقُها المُرَجَّب)*الثمر المصون البعيد المنال
*الأصل الباقي من الشجرة بعد ذهاب فروعها والمحك :الذي يحتك به كثيراً
فأَخذتُ القَلَمَ مِن دَواتِه وكتبتُ بحضرته:
لقد أَشبهتني شمعةُ في صبابتي – وفي هَولِ ما أَلقى وما أَتوقَّعُ
نحولُ ، وحرقُ ، في فَناءٍ ووحدةٍ –وتسهيدُ عَيْنٍ ، واصفرارُ ،وأدمُعُ ص59و60
....
وكانَ "أبو القاسم" ملولاً ، والملول ربما مَلَّ الملالَ، وكان لا يَمَلُّ أن يَمَلَّ ، ويحقدُ حِقدُ مَنْ لاتلينُ كَبِدُه ، ولا تَنحَلُّ عُقَدُه
وقالَ لي بعضُ الرؤساء معاتباً :أنت حقودُ ولم يكن حقوداً
فقلت له: أَنتَ لا تَعرفُه، والله ماكان يُحنىَ عُودُه ،
وله رأَيُ يُزَيّنُ له العُقوقَ ، ويُمقَّتُ إليه رعايةَ الحقوق بعيد عن الطَّبعِ الذي هو للصَّدِّ صَدُود ، وللِتآلفِ أَلوفُ وَدود . كأنه من كِبرِه
قد ركِبَ الفَلَكَ واستوى على ذاتِ الحُبُك* . ولستُ مِمّن يَرْغَبُ في راغِبٍ عن وصْلَتِه ، او يَنزِعُ إلى نازعٍ عن خُلَّتِه** . فلمَّا  رأَيتُه سادراً
جارياً في قِلَّةِ إنصافي على غُلَوائه ، مَحوْتُ ذِكرَ عن صفحَهِ فؤَّادي
واعتَدَدتُ وُدَّه فيما سال به الوادي،:
ففي الناس إن رَثَّت حِبالُكَ واصل –وفي الأرضِِ عن دارِ القلى مُتحَوَّلُ(البيت للشنفري ، من لامية العرب المشهورة)
وأنشدتُ الرجلَ أَبياتاً أَعتذرُ بها في قطعي له (ويعني: أنشدت الرجل الذي عاتبني على قطعي لأبي القاسم المغربي)
.....
وبُغضي له*** –شَهِدَ اللهُ- حَياً وميتاً ، أوْجَبَه أَخذُه محاريب الكعبةِالذَّهبَ والفِضَّةَ . وضَرَبها دنانيرَ ودراهم وسَمَّاها "الكعْيِبةَ"
وأَنهب العربَ"الرَّملَة" . وخرَّب "بغداد". وكم دمٍ سَفَكَ، وحريم انتهكَ ،وحرة أرْمَلَ ،وصَبِيِّ أَيتم!
*ذات الحبك :السماء ذات الطرائق الحسنة، والحبك هي الطريقة في الرمل أو بين النجوم (انظر آية 7 من سورة الذاريات)
** الخلة ، بضم الخاء المعجمة وكسرها وهي الصداقة والإخاء
***يعني: لأبي القاسم المغربي ص 58 إلى -61
وسنرى رد أبا العلاء المعري عن توضيح إبن القارح علاقته بأبي القاسم المغربي وتبريره سبب ذمه بعد أن كان من مريديه وخاصته
ولو رجعنا إلى أول الرسالة لنقدر أن نحافظ على السياق ،وهنا أساس رسالة ابن القارح و
بَلغني عن مولاي الشيخ – أدام اللهُ تأييده- أنه قال وقد ذُكرتُ له
"أعرفٌه خَبَرا وهو الذي هجا أَبا القاسم (بن) علي بن الحسين المغربي"
فذلكَ منه –ادام اللهُ عزَّه – رائع لي . خوفاً أَن يستَشِرَّ طَبْعي، وأَن يتصورني بصورة من يضعُ الكُفْرَ موضِعَ الشكْر...ص55
وهنا رد أبا العلاء على توضيح ابن القارح بخصوص خلافه مع أبو القاسم المغربي
وأما إنحيازٌه إلى "ابي الحسن "-رحمه الله- فقد كان ذلك الرجلُ سيِّدّا ولمن ضَعُفَ من أهل الأدب مؤَيِّدا ، ولمن قوِىَ منهم وادَّا ، ودونَهُ مُحادّا وكان كما قال القائلُ:
وإذا رأَيتَ صديقَهُ وشقيقَهُ – لم تدرِ أَيُّهما ذوو الأَرحامِ... ص532
ويستمر أبا العلاء
وأما صديقه* الذي جدبَ عند السَّبْر،فهو يعرِفُ المثلَ :أَعرِض عن ذي قَبْر. استحقَّ دونَ الشخصِ ترابُ، فقد تقضَّت الآرابُ ،من لِيم في حالِ حياتِه، استحقَّ المعذرةَ في مماتِهِ. ولعلهُ نطقَ في معنى انبساط** لا وهو بالكَلِم ساطٍ ، ومَن غفرَ ذنبَ حيَّ وهويلحق به الأَداة ،فكيفَ لايَغْفِرُ له بعد الميتةِ وقد عَدِمَ منه الشَّذَاةَ ***وسلام على رَمْسٍ من مُخالس ، يُعْدَل بألفِ في المجالِس،وهو يعرِفُ في معنى البيت:
وآتي صاحبي حيثُ وَدعَّاه
أي أَزورُ قبرَه ص546
*-يعني "أبا القاسم المغربي" وقد أوسمة "(ابن القارح في رسالته هجاء قاسياً مراً ،ص 59-62
وجد به " عابه ، ومن معاني الصبر: اللون ، الهيئة، والشبه ، والعداوة (بمعنى عابه عند العداوة)
**-يشير إلى ما ذكره "ابن القارح"عن أبي القاسم " في قوله "...
فقال لي يوماً من الأيام : ما رأيتك قلت : أعرضت حاجة؟ قال: لا أردتُ أن ألعنك
،قلت: فالعني غائباً !
قال: لا ، في وجهك أشفَى !
وقلتُ : ولم ؟
قال: لمخالَفَتِكَ إياي فيما تعلَم*
وقلت له ونحن على أنس بيني وبينه :لي حرمات ثلاثة :البلدية ، وتربية أبيه لي، وتربيتي لإخوته .قال:هذه حرام
مهتكة : البلدية نسب بين الجدران
، وتربية أبي لك ،منه لنا عليك ،وتربيتك لإخوتي، بالخلع والدنانير .
أَردتُ أَن أقولَ له (اسَتَرحْتَ مِن حيث تَعِبَ الكرامُ )فخشيت جنونَ جنونِه ، لأَنه كان جنونُه مجن-وناً ، واَصَحُ منه مجنونُ : وأَجَنُّ منه لايكون . وقد أَنشِد:
جنونُك مجنونُ ولستَ بواجدٍ –طبيباً يداوي جنونِ جنونِ
بل جُنَّ جِنَّانُه **، ورَقصَ شيطانُه :
به جِنَّةُ مجنونةُ غيرَ أَنها-إذا حصلَتْ منه ألَبُّ وأَعقلُ
*لعله يعني مخالفته إياه حين هم والثورة على الحاكم
ص57
***- الشذاة : بقية القوة والشدة
ثم يسترسل أبا العلاء
وأما الذي أنكره من البَديةِ* ، فمولاي الشيخ مُكَرَّرٌّ في الأدبِ تكريرَ "الحسنِ والحسينِ" في "آل هاشم" والوشِم  المرجّعِِ بكفِّ الواشم  .وهل يُعجَبُ لَسجعةٍ من قُمريّ ، أو قطرةٍ
تسبِقُ من السحاب المري ؟ ولو بادَهَ**
خُزامي "عالجٍ" بالرائحةِ لجازَ أن
يَرعَفَ غضيضها ***أو البروق الوامضةَ
لما إمتنعَ أَن يُعجِلَ وميضها . وفي الناس من يكونُ طبعُه
المُماظَّةَ****، فيؤذِي الجليسَ ، ويكثر التدليسَ ،
وهويعلمُ أَنه فاضلُ ، لا ينضُلُه في الرمي مُناضِل .
والبديةُ ينقسم أَفانين َ، ويصرَّفُ للنَّفْرِ أَظانينَ547*****
فمنه القَبَلُ،****** ولعله فيه أَجري من "سبل"******* أو هو السَّبَلُ . والمرادُ ب"سَبَلَ " الفرسُ الأنثى المعروفةُ ، والسَّبَلُ: المطرُ
وبَديهُ التمليطِ ، ولا تجود الراسيةُ بالسَّليط
ويَدِيهُ الإعْنات ، وذلك المُوقظُ من السَّنات، وهو يختلف
كاختلافِ الأشكالِ ، ولا ينهضُ به ذو الوِكال
*- الحديث هنا عن " أبي القاسم المغربي
" إشارة إلى قول "ابن القارح " في رسالته
ص 55 وقال لي ليلة : أريد أن أجمع أوصاف الشمعة السبعة في بيت واحد ، وليس يسمح لي ما أرضاه
فقلت: أَنا أفعل من هذه الساعة ... فأخذتُ القلم من دواته وكتبت بحضرته:
لقد أشبهت  شمعة في صبابتي – وفي هول ما ألقى ،وما أتوقع نحو، وحرق في فناء ، ووحدة – وتسهيد عين ، واصفرار ، وأدمع سرعة الخاطر ، وتعطيني علم الغيب؟
وقلتُ: أنتَ ذاكر قول أبيك لي،ولك وللبيت الشاعر و(للمحسن) الدمشقي ، ونحن في الطارمة:
اعملوا قطعة قطعة بمن جوّد جعلتُ جائزتَه كَتْبَها فيها. فقلتُ:
بلغَ السماءَسُمُوُّ بي – ت شيدَ في أعلى مكانِ
بيت علا حتى تغوَّ –رَ في ذُراه الفرقدانِ
فانعمَْبه لا زلتَ مِنْ –ريْبِ الحوادثِ في أَمانِ
ص60
**-ضمير الفاعل في قوله :(ولو باده) لابن القارح
***-رعف رعفاً، باب نصر وفتح : سبق- و الغضيض هو الطري
****- المُماظَّةَ- المخاصمة والمشاتمة
*****- الأذانين : جمع ظن على غير القياس
******-القبل ، محركة : الارتجال – وقوله : (لعله) يعني
"إبن القارح" إشارة إلى ارتجاله وصف الشمعة
*******-سبل :اسم فرس قال"الجوهري" :هوإسم فرس نجيب في العرب، وأنشدوالجهم بن شبل من بني كعب بن بكر(أنا الجواد ابن الجواد ابن سبل"والمراد(بسَبَلَ) الفرسُ الأُنثى المعروفةُ كما والسَّبَلُ :
هو المطر
ويديهُ التمليط *، ولا تجود الراسيةُ بالسَّليط**
وبَدِيهُ الإعْنات*** ،وذلك المُوقِظُ من السِّنات، وهو يختلفُ كاختلافِ الأشكالِ ، ولا ينهضُ به ذو الوِكال****
*- التمليط : أن يقول شاعر نصف بيت ويتمه آخر- وفي (الأساس) : هو أن يقول الشاعر مصراعاًويقول الآخر :
املط ، أي إنجاز المشروع الثاني، وهو من أملاك الحامل، يقال ملط المليط:ولدته غير ذي تمام
**-السليط : يمكن أن يكون هنا الزيت الجيد والدهن
***-العينات تكليف غير الطاقة
****-الوكال ،بالفتح والكسر : الضعف والبلادة ..ص 548
أما "عبد الله بن خالويه" وإحضاره للبحثِ النُّسَخَ* ، فإنه ما عجزَ ولا أَفسخَ _ أي نسِيَ – ولكن الحازمَ يريدٌ إستظهاراً ، ويزيد على الشهادة الثانية ظهاراً:
أرى الحاجَاتِ عند "أبي خبيبٍ**"- نكِدْنَ ولا أميَّة في البلاد
*ويشير أبا العلاء بهذا إلى قول "ابن القارح" في رسالته :
حدثني أبو علي الصقلي بدمشق قال:كنت في مجلس "ابن خالويه " إذ وردت عليه من "سيف الدولة"مسائل تتعلق باللغة فاضطرب لها ودخل خزانته وأخرج كتب اللغة وفرقها على أصحابه يفتشونها ليجيب عنها، وتركته وذهبت إلى "أبي الطيب اللغوي"** وهوجالس وقد وردت عليه تلك المسائل بعينها بيده قلَمُ الحُمْرَةِ ،فأجاب به ولم يغيره ‘قُدرةً على الجواب .
وقال "أبو الطيب": قرأتُ على "أبي عُمَرَ "(الفصيحَ)* والمنطق)حِفظاً . وقال لي"أَبو عمر":"كنت أُعَلَّقُ اللغةَعن ثعلب على خَزَفٍ ، وأجلسُ على دِجْلَةَ أَحفظُها وأَرمي بها"
*(الفصيح)لثعلب ، و(إصلاح المنطق ) لابن السكيت ...
ص63
**أبو خبيب هو عبد الله بن الزبير بن العوام القرشي –
وأمه أسماء بنت أبي بكر، وخبيب إسم ولده الأكبر ولد بالمدينة في السنة الثانية للهجرة وكان أول مولود للمهاجرين بها ،شهد الجمل مع أبيه وخالته عائشة وكان شهماً ذا أنفة وفصاحة وبأس إلا أن به بخلاً، خرج على الأمويين وبويع سنة 64 هـ واجتمع على طاعته أهل الحجاز واليمن والعراق وخراسان ثم حاصره الحجاج وقتل وهو صاحب المقولة لوالدته أسماء أشيري علي بما أفعل فذكرت له قاتل ،لاتسلم نفسك لـ غلمان بني أمية فرد يمثلون بجثتي وكان قولها الشهير لايضر الشاة سلخها بعد ذبحها فقاتل إلى أن قال
** الطيب اللغوي : عبد الواحد بن علي-من أعلام الغفران
1 القاتل هو الحاكم باَمر الله ، والمقتول القائد الحسين بن جوهر
الصقلي ، قائد القوات في جيش الحاكم الفاطمي وأبوه جوهر  الصقلي الذي أخذ مصر وأقام فيها الدعوة للعبيديين
وقد قتل " الحاكم" قائده  أبا الحسين بن جوهر سنة 401 هجوم قتل معه قاضي القضاة/ابن الأثير حوادث سنة 401
*الحاكم :بأمر الله ، أبو علي منصور الفاطمي صاحب مصر والشام والحجاز والمغرب  ولد سنة 375 وولي الأمر بعد أبيه عبد العزيز ، وكان غريب الأطوار قتل في شوال 411 9090 هج
ومن
ضمن رسالة ابن القارح كما أوردنا قوله
فأستأذنتُه (يعني أبا الحسن المغربي) في الحج فأذِنَ ،فخرَجْتُ في سنة سبع وتسعين ، وحججتُ خمسة أعوام وعدتُ إلى"مِصرَ" وقد قَتله .(القاتل هو الحاكم بأمر الله ، والمقتول هو القائد الحسين بن جوهر)
فجاءَني أولادُه سراً  يرمون الرجوع إليهم ، فقلت لهم :خَيرُ مالي ولكم الهرب،ولإبيكم ببغدادَ ودائع خمسمائة ألفِ دينار ، فأهرَبوا وأَهْرَبُ  ففعلوا وفعلت .وبلغني قتلهم بدمشق ، وأنا بطرابلس فدخلتُ الى إنطاكِيَّةَ وخرجت منها الى ملطية وبها المايَسْطرِيَّةُ ، خولةُ بنتُ سعدِ الدولةِ  فأقمتُ عندها إلى أن وَرَدَ عَليّ كتابُ "أبي القاسم" فسرتُ الى ميا فارقين ، فكان يُسِرُّ حَسْوّا في إرتغاء .....
ص58
وكان رد أبي العلاء
وأما حِججُه الخمسُ فهو –إن شاء الله-يستغني في المَحشَر بالأُولى منهن ، وينظرُ في المتأخرين من أهل العلم ، فلا ريب أَنه يَجدُ فيهم من لم يحْجُج ، فيتصدق عليهم بالأربع .
وكأني به وعَمَاعِمُ الحجيجِ ، يرفعون التلبيةَ بالعجيج ، وهو يفكَّرُ في تلبيات العربِ وأنها جاءت على ثلاث أنواع .مسجوع لاوزن له ومنهوك ومشطور  ...
ثم يفسر أبا العلاء المسجوع والمنهوك والمشطور من ص 534- 544
وحول تساؤل إبن القارح حول خروجه من بغداد وتوجهه إلى مصر كما ذكر:
وأنا تعبت وحفظت نصف عمري ونسيت نصفه ، وذاك أني درست في بغداد، وخرجت منها وأنا طرق الحفظ
ومضيتُ إلى مِصرَ فأمرجتُ نفسي في الأَغراض البهيميةِ ،والأغراض الموسمية ، وأردت بزَعْمِي وخديعةِ الطبْعِ المُلِم غذاءُ النفسِ الشريفةِ وصَيقَلُ الأَفهامِ اللطيفة ،وأردت بزعمي و خديعة الطبع اللئيم أن يذيقها حلاوة العيش كما صبرت في طلب العلم والأدب .
وكنتُ أكتبُ خمسينَ ورقةً في اليومِ ، وأدرُس مائتين ، فصرتُ الآن أكتبُ ورقةً واحدةً وتَحُكَّني عيناي حكاً مؤلماً، وأدرسُ خمسَ أوراقٍ وَتكِلُّ ، ثم دُفِعْتُ إلى أوقاتٍ ليس فيها من يَرغَبُ قي علمٍ ولا أدب ، بل في فضة وذهب....ص63-66
ويرد أبا العلاء كما يلي:
وأما ما ذكرَه من ميلهِ في "مصر" الى بعض اللذات ، فهو يعرف الحديث :أريحوا القلوبَ تعِ الذِّكْرَ....
وكانَ ينبغي أَن يكون في هذا الوقت يضبِطُ ما معه من الأدبِ بدرس من يدرُسُ عليه، إذ  كانت السِّنُّ  لابدَّ لها من تأثير ....
والسُّكْرُ مُحَرَّمُّ في كل المِلَل ، ويقالُ إن الهندَ لا يُمَلِّكون عليهم رجلاًيشربُ مُسكِرَّا ، ويقولون : يجوز أَن يَحدُثَ في المملكةِ نبأ والملكُ سكرانُ ، فإذا الملك المتّضبعُ هَكْران(بمعنى إعتراه النعاس فهو هكران)
لُعِنت القهوةُ *، فكم تهبِطُ  بها رهوةُ ،لا خيرة في الخمْرِ ، توطِئ على مثلِ الجمر...
*القهوة : الخمر ، تقي صاحبها ، أي تذهب بشهوة طعامه ص 556
ويستمر أبا العلاء بشرح مضار الخمر وأوصافها واسمائها فهي: القهوة والشمول والبيئة والراح  والسلاف ... ص 554-556
ويختم أبا العلاء رده إلى إبن القارح كما يلي
وأنا أعتذِرُ إلى مولاي الشيخِ الجليلٍ من تأخير الإجابة ِ، فإن عوائقَ الزمنِ منعتْ من إملاء السوداءِ ،كأنها سوداءُ عَنَاهَا القائلُ:
نُبِّئتُ سوداءَ تنآني وأَتبعُها – لقد تباعدَ شكلانَا وما اقتربا
وجدتُها في شَبَابِي غيرَ مُطلِبَةٍ – فكيفَ واللرأسُ جَوْنُ ، تُسْعِفُ الطَلبا
وأنا مستطيع بغيره ، فإذا غابَ الكاتبُ ، فلا إملاءَ . ولا يُنكر الإطالَةَ عليَّ ،فإن الخالصَ من النُّضَارِ العَينِ ، طالما اشتُرِي بأَضعافِه في الزنةِ من اللُّجَين ، فكيف إذا كان الثمنُ من النُّمِيَّات ، في الطريق مَرمِيّات ؟
وعلى حَضْرِتِه الجليلة السلام يتبعُ قُرومَه* إفالُه **وتلحَقُ بِعُوذِهِ أطفالُه.
(***نجزت الرسالةُ والحمدُ لله ربَّ العالمين ، وحسبنا الله ونعم الوكيل ، وصلى الله على سِيدنا محمد النبي وآله الطيبين الطاهرين وسلّم).
*القرون : جمع قرن وهو الفحل إذا ترك عن الركوب والعمل ، السيد العظيم
** والإفال والأفائل: صغار الإبل
***أهي من إملاء أبي العلاء في ختام رسالته ، أم من إضافة الناسخ
أبا العلاء
يا أيها المستطيع بغيره ، كما وصَفتَ نفسك،على مدى شهور دخلتُ عالمك الباهي  عالمك الشاهق ، عالمك المذهل عالي الجناب والمقام
كنت جاهلة بالعبقرية العلائية ، غافلة عن قلب الحرير مختبئاً في ثنايا البيان ، ساهية عن غفرانك يضئ المداد.. كالماس على الأبيض الرائق
كلمات أنارت لي طريقك المرصوص كالدر المنضود (لا إمام سوى العقل) العقل الذي تجاهلنا قيمه ورقيه تكالبنا على فتاوى الجهل ، وغيبوبة الافتعال  و التدين الكاذب، لتبقى روحك متوهجة ، وقلبك نابضاً وثمار عقلك آن أوان قطوفها، ونتذوق عصيرها ولُباب عصارتها
هلّ لي أن أعبر لك عن رحلتي معك لشهور ، سهرت الليالي وطويت الايام إستطلعتُ فيها عالمك المفعم بالرقي الفكري والسمو الأخلاقي ،ممتزجاً مع أجمل بحور اللغة والفلسفة والإيمان الحقيقي بالرحمن الرحيم التي تعلو رحمته على جهل التدين الكاذب وغروره الأجوف والفتاوى التي تنهال على رؤوسنا لتتحول إلى أرصدة في بنوك الأجانب ،ولا يغيبوا العقل الذي رأيته إماماً ، ولا إمام سوى العقل ،نعم سيدي هذا الذي نحتاجه في حياتنا.
أبا العلاء لقد أشعل غفرانك جذوة المعرفة في عقلي ، وأجج نور الخيال ليسري مع حروف جاهدت حتى أفهمها،وأتمنى أن أكون جديرة بالكتابة عنها،
وشعرت بأنني جاهلة وقليلة الحيلة وبمجهود الدكتورة عائشة بنت الشاطئ وعميد الأدب العربي الدكتور طه حسين ، حاولت أن أفهم جزءاً يسيراً من بيانها الفريد ولي عذر وسبب بما لم أقدر أن أضمنه أو أدركه في بحور رسالتك
أعذرني سيدي بأمل أن يكون الفصل الثالث من لقائك بالطيف قد وفيت فيه بعضاً من فضلك علينا
زهوة في 15-8-2017
المراجع
-تحقيق رسالة الغفران / الدكتورة عائشة بنت الشاطئ-1-
2-الغفران دراسات نقدية/الدكتورة عائشة بنت الشاطئ-
3-تجديد ذكرى أبى العلاء /الدكتور طه حسين-
4-مع أبي العلاء في سجنه / الدكتور طه حسين-
5-من حديث الشعر والنثر /الدكتور طه حسين-
6- في الشعر الجاهلي / الدكتور طه حسين-
7- في السيرة المحمدية/ معروف الرصافي-
8- الطريق الى القراءة..الطريق إلى التحرر الذاتي /محمد بن علي المحمود-
-كتاب الأصنام / أبي المنذر هشام الكلبي -9
10-مقال للكاتب سعيد السريحي-
11-مقال تحقيق عن رسالة الغفران / للكاتب التونسي ،كريم الحفيان
12- مقالات عن المعري /عبد الفتاح كيليطو -
13- جديد في رسالة الغفران \دكتورة عائشة بنت الشاطئ-
-مقالات متفرقة على الإنترنت -14
هوامش لإستكمال الموضوع-
نبذة عن حياة المعري
أبا العلاء المعري هو أحمد بن عبد الله بن سليمان القضاعي التنوخي المعري (363 -449هـ)، (973 -1057 م.
أبو العلاء هولقبّ الأديب والفيلسوف والشّاعر أحمد بن عبد الله بن سليمان القضاعي من قبيلة تنوخ برهين المحبسين ) ، ويقصد به أنّه كان حبيس إصابته بمرض العمى الذي أصابه وهو في عمر الرابعة بسبب إصابته بمرض الجدري ، وحبيس البيت إذ أنّه وبعد أن عاد من بغداد قد اعتزل الناس، ولد أبو العلاء المعرّي في المنطقة الشمالية من سوريا في مدينة معرّة النعمان ، حيث يُنسب إليها ، وقد كان جدّه أول قاضٍ في هذه المدينة ، وعرفت عائلته بنظم الشعر ، وقد قرضه أبو العلاء وهو في الحادية عشرة من العمر
درس علوم اللغة والأدب والحديث والتفسير والفقه والشعر على نفر من أهله، وفيهم القضاة والفقهاء والشعراء، وقرأ النحو في حلب على أصحاب ابن خالويه ويدل شعره ونثره على أنه كان عالما بالأديان والمذاهب وفي عقائد الفرق، وكان آية في معرفة التاريخ والأخبار
مؤلفات أبي العلاء
ترك المعري أرثًا من المؤلفات ما بين النثر والشعر قارب عددها السبعين، ومن أبرز مؤلفاته في الشعر ديوان "سقط الزند"، ثم "اللزوميات.. لزوم مالا يلزم" فيه التزم المعري مالا يلزمه نظام القوافي، فضلًا عن "الدرعيات" وهو ديوان صغير طبع ملحقًا بالديوانين السابقين.  في النثر، ترك المعري عددًا من المؤلفات الهامة منها "رسالة الغفران" والذي يركز على الحضارة العربية الشعرية، وكتاب "فصول وغايات"، وفيه يقدم المعري مجموعة من المواعظ. فضلًا عن كتبه الأخرى مثل "الأيك والغصون"،"معجز أحمد عن المتنبي ""ذكرى حبيب عن أبو تمام" "عبث الوليد عن البحتري"، "رسالة الفصول والغايات"،
-       الدكتورة عائشة بنت الشاطئ
ولدت في مدينة دمياط بشمال دلتا مصر في منتصف نوفمبر عام 1913م، وتوفيت في1998ابنة لعالم أزهري، وحفيدة لأجداد من علماء الأزهر وروَّاده، وتفتحت مداركها على جلسات الفقه والأدب، وتعلمت وفقًا للتقاليد الصارمة لتعليم النساء وقتئذٍ في المنزل، وفي مدارس القرآن (الكُتَّاب)[1]. تركت بنت الشاطئ وراءها ما يربو على الأربعين كتابًا في الدراسات الفقهية والإسلامية والأدبية والتاريخية؛ فلها مؤلفات في الدراسات القرآنية والإسلامية أبرزها: التفسير البياني للقرآن الكريم، والقرآن وقضايا الإنسان، وتراجم سيدات بيت النبوة، وكذا تحقيق الكثير من النصوص والوثائق والمخطوطات. ولها دراسات لغوية وأدبية وتاريخية أبرزها: نص رسالة الغفران للمَعَرِّي، والخنساء الشاعرة العربية الأولى، ومقدمة في المنهج، وقيم جديدة للأدب العربي. ولها أعمال أدبية وروائية أشهرها: على الجسر، وسيرة ذاتية؛ وقد سجَّلت فيه طرفًا من سيرتها الذاتية، وسطَّرته بعد وفاة زوجها أمين الخولي بأسلوبها الأدبي الراقي تتذكر فيه صباها، وتسجِّل مشاعرها نحوه، وتنعيه في كلمات عذبة. كما شاركت في العديد من المؤتمرات الدولية في كل هذه المجالات، وقد جاوزت شهرتها أقطار الوطن العربي والإسلامي، وكانت كتاباتها موضوعًا لدراسات غربية ورسائل جامعية في الغرب، بل وفي أوزبكستان واليابان.


-الدكتور طه حسين / أوضحنا في الفصل الاول والثاني