الأحد، 7 مايو 2017

الفصل الثاني /أبا العلاء يحاور طيفاً



الفصل الثاني  /أبا العلاء-1 يلاقي طيفاً لميسون عوني في 1-4-2017

إنتهى الفصل الأول بأمل ملاقاة أبا العلاء  للحوار حول رسالة الغفران لنرى 
نظر الطيف ليستطلع
صفو الهدوء رائقاً يغمر المكان ،ويبث عبيراً شفيفاً ،لتعزف الورقاء لحناً يحير الطيف
ويجعله يتسائل بشجن
أبكت تلكم الحمامة أم غنت على فرع غصنها المياد
يا إلهي أي فلسفة مضمخة بالإحساس شعت على مر الزمان تحمله هذه الحروف المبدعة
وأي وصف في هذا العبقري ممن عاشوا زمانه قيل:
 لقيت بمعرة النعمان عجباً من 
العجب ،رأيت أعمى شاعراً ظريفاً ،يلعب الشطرنج والنرد ،ويدخل في كل فن من الجد 
والهزل ،يكنى أبا العلاء

الطيف متردداً يستطلع

ترى كيف مزاجه ،كيف حاله ،عرفته في الحوار الأول متقلباً،ولكنه رقيق القلب 
   يمتلئ عزة ورجولة يغمره الإحساس الراقي ،يجاهد بين إشعاع عقله وإحساس قلبه   
يا للخسارة 

كيف فرطت به بنات عصره وتجاهلن هذا الرقي والسمو الأخلاقي الرفيع  تجاهلن هذا العقل الجبار والعبقرية الفريدة ،حزينة لإنه عاش وحيداً ولم ينقل جيناته الى أبنائه وأحفاده
يا خسارة الوطن والأمة
يا إلهي كيف كان سيزهر الغصن من هذه الشجرة السامقة؟
كيفَ كان سينشر عبيرزهوره ويبثها، جمالاً ورقياً ،وحكمة
ترى كيف مزاجه بعد هذه الغيبة؟

مساء الخير سيدي

أين أنتِ ؟  حسبتك عجزتِ عن رسالة الغفران فأثرت الهرب
حاولت الهرب ،ولم أستطع ،كبلني غفرانكَ بسلاسل لم أستطع منها فكاكاً، خضت غمارها وغصت في معانيها ،قرأت عنها بمصادر أفذاذ الأدباء ،عجزت مرات ونجحت أوكما خيلَّ لي مرة واحدة ويكفيني فخراً إذا ألممت بعضاً منها..

أبا العلاء يستمع والطيف يتوجس

فترة صمت ساد حجرة الحكيم

هل تعرف سيدي، إشتقتُ إليك  لم أستطع مغالبة قلبي ،كنت محتارة بين ملاقاتك وبحثي عن رسالة الغفران لم يكتمل ،فسارعت الى لقياك وسوف تعذرني إذا لم أستطع ولن أستطع سبر غورها العميق ،وهاجس تملكني  بإنه سيمر الزمن وتطوى الأيام ، وتفوتني فرصة لقاءك ،وهي عندي أهم من رسالة الغفران ،لقائك فرصة ثمينة لا تعوض  إنها فرصة عمري ، وستكون خلاصتها اللؤلؤة التي تزين حروفي المتواضعة

أبا العلاء صامتاً

الطيف واجفاً هل من المعقول أن أبا العلاء لم يشتاق إليه ! كيفَ ذلك؟
هل اشتقت الي ؟
لم يرد
وحزم الطيف أوراقه ليغادر
شعرَ أبا العلاء بخشخشة الأوراق والطيف يطويها
أين أنتِ؟
- سأغادركيف لكَ أن لاترد عليَّ!
--هذه هي المرأة  لا تتمهل لا تصبر
- كرامة المرأه هي كيانها، ومرآة لفخرها حتى بجمالها
– إصمتي لحظة  لكي أتكلم
فترة صمت
-- إفتقدتك
صار وجودكِ معي جميلاً
أصبح للهديل معنى ،ولهفهة النسيم رقة، وللحروف عذوبة
– يا للجمال، هل من المعقول إن حلم الطيف قد لمس قلب حكيم الحكماء
أرى الحظ يلازمني
- هل تسمح لي بسؤال
-- قولي
-لا زلت تكره المرأة ؟
-- سأرد على سؤالك عندما ننتهي من رسالة الغفران
- تقصدعندما نبدأ برسالة الغفران
- نبدأ أم ننتهي ؟
نبدأ لإنه  ،ستعرف كم ظلمتَ المرأة
كيف؟
لإنه من حقق رسالة غفرانك ،هي سيدة منحها الله عقلاً مميزاً  وعلماً وافراً وهمة يعجز عنها الكثير
من هي؟
سأخبركَ عنها
لنرى!!
رسالة الغفران
مقدمة
 شهد القرن الخامس للهجرة ( العاشر الميلادي )وهو الزمن الذي عاش فيه أبا العلاء ترفاً في الطعام والمسكن والشراب وإنتشر اللهو الى حد  المجون والإستهتار وحصر الثروة بيد أقلية من الناس والأغلبية يعيشوا حياة الفقر مما أثار إستياء أبا العلاء وأوضح ذلك شعراً ونثراً وأفاض فلسفة وحكمة
لقي أبو العلاء من معاصريه ومن جاء بعده صنوفاً من التكفير والزندقة وألصقوا فيه أقوالاً لم يقلها من الإساءة الى الأديان وأنبيائها ،ولكننا كما يذكرمتخصصي دراسة أبا العلاء (لم نتعلم من الغرب كيف يتجاهلون سخافات شكسبير وفولتير ولو كتبت لإمتلأت منها الكتب)
ومن حسن الحظ
 إنه تصدى في وطننا العربي كثيرمن المتنورين لتوضيح خفايا هذا المفكر الألمعي وإظهار العبقرية العلائية التي تم تجاهلها ولم تدرس في مدارسنا وحرمت منها الأجيال التي أفسدها مدعي التدين الكاذب ، وتم تحليل أفكاره بالعمق وليس بالسطحية وإثارة الشك وذلك لتبرئته من صنوف التكفير التي إنهالت عليه
وساهموا بتوضيح شخصيته المتفردة وعزة نفسه،وإستعجاله الموت وزهده بطعامه وشرابه وتعففه من الإكتساب بشعره وأكتفى بغلة وقف تدر عليه ثلاثون ديناراً يعطي     نصفها لخادمه 


كتب أبا العلاء رسالة الغفرا ن في 424هج

في الثالثة والستين من عمره
المكان – معرة النعمان – سوريا
بعد رجوعه من بغداد ووفاة والدته
تحوي الرسالة على ثلاثة أركان
الأولى- رسالة علي بن منصورالمعروف بإبن القارح الى أبي العلاء
الثانية- يأخذ أبا العلاء إبن القارح بجولة الى عالم الجنة والجحيم
الثالثة- رد ابا العلاء على تساؤلات إبن القارح
بداية الرسالة الأولى
أرسل منصور الحلبي المعروف بإبن القارح ويكنى أبا الحسن  وهوأديب وشاعر ولد في  حلب عام 351هج وتوفي في الموصل 421 هج برسالة الى أبو العلاء المعري
وفيها يسأل إبن القارح أبا العلاء  عن الشخصيات الأدبية والفكرية و التاريخ والفقه والتصوف والادب والنحو والسيرة النبوية والزندقة

رد ابو العلاء برسالة الغفران

وقد بدأها المعري بمقدمة وصف فيها رسالة ابن القارح وأثرها الطيب في نفسه فهي كلمة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء، يقول:(ألم تر كيف ضرب الله مثلاً كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماءِ تؤتي أُكلها كل حين بإذن الله ربها) ثم استرسل بخياله الجامح إلى بلوغ ابن القارح للسماء العليا بفضل كلماته الطيبة التي رفعته إلى الجنة فوصف حال ابن القارح هناك مطعماً الوصف بآيات قرآنية وأبيات شعرية

(وقدوصلت (الرسالة*)التي بحرُها بالحِكّم مسجورُ ومَنْ قرأها مأجور ،إذ كانت تأمرُ بتقبّلِ الشرعِ ، وتَعِيبُ مَن ترَكَ أصلاُ إلى فرعٍ ، و ألفيتها مفتتحة بتمجيد ، صدر عن بليغ مجيد ، وفي تلك السطور كلم كثير وكله عند الباري –تقدس - أثير وغَرِقتُ في أمواجِ بِدَعِها الزاخرّة، وعجبتُ من إتَّساق عقودِها الفاخرة ومثلها شَفَع ونَفَع ، وقَّربَ عندالله ورَفَعَ ...)
(فقد غرسَ لمولاي الشيخ الجليل* –إن شاء الله -شجر في الجنةلذيذ إجتناء ...وتجري في إصول ذلك الشجر أنهار تختلج من ماء الحيوان والكوثر يمدها في كل أوان من شرب منها النغبة فلا موت .... ويمد إليها المغترف بكؤوس من العسجد ، وأباريق خلقت من الزبرجد...
*مولاي الشيخ الجليل  هوإبن القارح ويذكرها أبا العلاء بسخرية مبطنة
*رسالة إبن القارح إلى أبي العلاء
ص140 -  من رسالة الغفران للدكتورة عائشة بنت الشاطئ
الرسالة الثانية
أبا العلاء يأخذ إبن القارح بجولة في الجنة والنار
 وتخيل فيها إبن القارح بأرض المحشر، فيطلب منه الخازن رضوان صحيفة أعماله فيذكر له بأنه فقدها فيمنعه من دخول الصراط ، وهنا فكر إبن القارح بأن حسنانه في دنياه قليلة وعليه أن يبحث عن الشفاعة فيلتقي بالملائكة والصحابة ويطلب منهم أن يشفعوا له الى أن ينال شفاعة النبي محمد ص فيجد أعماله تستحق التوبة فدخل الجنة وأخذ يطوف فيها وينعم بخيراتها  ويجتمع هناك بشعراء الجاهلية والإسلام ثم ينتقل 
الى جنة العفاريت والجحيم وأخيراًالى الجنة وسنأتي بمحاولة توضيحها
الرسالة الثالثة  رد أبا العلاء على رسالة إبن القارح( وسيكون لها شرح منفصل)
ورسالة الغفران
 أصبحت تاريخاً ومرجعاً  لقضايا ومواضيع أثارت جدلاً على مر الزمن ، وتضمنت الردود التي تناقش بإسلوب مبطن ظاهره هزل وباطنه مواقف  تخص العقيدة والدين والشعر والأدب والجن والحيوانات  وتحطيم الخزعبلات  التي زرعهارجال الدين بمساندة رجال السلطة في أذهان
                      العامة وبين بإسلوب واضح إزدراؤه للنفاق وكتابة الشعرللتكسب وإراقة ماء الوجه لقاء عطايا وهدايا وبينا بعضاً منها (الفصل الأول أبا العلاء يلاقي طيفاً)  

أركان رسالة الغفران

المكان : أرض المحشر -
- أساس الموضوع  رغبة ابن القارح دخول الجنة
 - الحل شفاعة الرسول صلى الله عليه وسلم

شخصيات رسالة الغفران

-إبن القارح
-الخازن رضوان
-الخازن زفر
-حمزة بن عبد المطلب
-علي بن ابي طالب
-فاطمة الزهراء بنت النبي ص
-النبي الرسول ص
-ابراهيم أخو فاطمة الزهراء(وسنفصل حوار كل شخصية لاحقاً)

بقية الشخصيات
- ومعهم بما لا يعد ولا يحصى من الكتاب والشعراء والأدباءو المفكرين والنقاد  ورجال الدين ونخبة عصره من رموز المجتمع

مقدمة للرسالة
الدكتورة عائشة بنت الشاطئ-2
عرفتُ رسالة الغفران لأول مرة في عام 1938،إذ قرأتها في طبعة أمين هندية على أستاذنا الدكتورطه حسين وأنا وقتئذٍ طالبة بقسم الليسانس الممتازة وعانيت فيها أول الأمر ما عانيت إذ كان مجرد إقامة النص يكلفني شططاً
ولقد ظل النص  بعد كل ما بذلت له سقيماً مضطرباً في مواضع قلقاً في مواضع  أخرى ،ولم أستطع أن أخلص به مطمئن السياق ، أوأجلو غوامض معانيه ، وأذكر بأنني ظللت طويلاً أفتش في معاجم الأعلام عن (القادر بن الأحمر ، إبن جاد ،يزيد بن المهلهل، إبن العجان ،)

كما قلبت في ما نالته يداي من كتب اللغة ومفاهيم الألفاظ بحثاً عن ( الرفين، يوم العتر،العضرم ،سهمة ) ولم أطفر من بحثي بطائل

 

ألا ترى جهد بنت الشاطئ ومعاناتها في توضيح رسالتك؟

-مِن أين لكَ بهذه الأسماء ؟

--أسماء  عربية ذُكرت في الأشعار القديمة وأردت إحيائها

و قصدت أن يتخبط إبن القارح في دهاليز اللغة ويحتار في

تفسيرها!

 

قرأت هذا فعلاً بتفسير التخبط في اللغة

 

(وفتح بوابة الجحيم للشعراء والكتاب انطلاقاً من الاحتكام الى اللغة التي كانوا يكتبون بها. ففتح ابو العلاء المعري لابن القارح جحيم اللغة وتركه يتخبط بين دلالتها حين بنى

رسالته)-3

 

أبا العلاء يستمع والطيف يسترسل

 

-لماذا تحيره ورسالة الغفران هي رداً على رسالته بمعنى إن

رسالة إبن القارح تشكل مرجعية لرسالتك

 

و التي حفزتك  لرسالة غفرانك

 

ودلالته مثلاً هذا السؤال

 

قال المتنبي

 

أَذمُّ إلى هذا الزمانِ أُهَيْلَه

ويفسر إبن القارح

وهذا تصغير تحقير غير تكبيروتقليل غير تكثيرفَنَفَثَ مصدوراًوأظهر ضميراً مستوراً . وهو سائغ في مجاز الشعر ، وقائلُه غيرُ ممنوعٍ من النَّظْم والنثر، ولكنه وضعَه غيرَ موضعِه ، وخاطَب به غيرَ مُستَحِقِّه . وما يَسْتَحقُّ زمانُ ساعدَه بلقاءِ "سيف الدولة " أن يُطْلِقَ على أهْلِه الذمَّ

 

 

يرد أبو العلاء في رسالة الغفران على حديث إبن القارح بأن المتنبي إنما قال هذا البيت في "علي بن محمدبن سيار- بأنطاكية" قبل أن يمدح سيف الدولة ، فضلاً على أن المتبي كان مولعاً بالتصغير ، والشعراء مطلق لهم ذلك إنظر ص416 وما بعدها من رسالة الغفرات للدكتورة عائشة بنت الشاطئ

 

وهنا يتضح الرد برسالة الغفران بمعنى إن كلا الرسالتين مرتبطة ببعضها فلن تفهم الغفران بدون رسالة إبن القارح

-ولهذا أسأل حكيمنا ،لماذا ترد عليه بما لايعرفه ولا نعرفه؟

--لأزيل عن عقولكم الكسل والاتكال لتنقبوا وتبحثوا الى أن تصلوا...

- الدكتورة  عائشة بنت الشاطئ كما جاءفي مقدمة

 

 بحثها عن رسالتك ذكرت الجهد الذي بذلته لفك أسرار ها مثلاً

(أبوزيد - ص9 هو أبو زبيد " الطائي")

(وإبن جاد –ص164 وهو إبن رجاء "الحسن")

(وإبن العجان – ص184وهو إبن العجاج "رؤبة")

(يوم العتر – ص200 من قولهم لقي فلان يوم العتر)

 وتذكر بنت الشاطئ (وكنت في أول المحاولة أتهلل غبطة كلما حللت لغزاً من هذه الألغاز)

 

--ألا ترين مبلغ جهد الدكتورة عائشة الذي بذلته لفك ألغاز الرسالة وهذا جهد الباحثين الذي يثمر وليس قراءة

نصوص متيسرة لا تنفع باحثها ولا قارئها

 

-ولكن بنت الشاطئ كادت أن تصل الى مرحلة اليأس لولا

 

همتها وعلمها وتمكنها من أدواتها

 

--وهذا الذي قصدته فما حاجتي لإنصاف المثقفين وجهلة

المتعلمين

 

لحظةسيدي

 

أول مرة لم تسألني عن تعريف لشخصية لا تعرفها وخصوصاً كونها إمرأة

وأذكرك

 بأن عدائك للمرأة نُفي تبريره، وهنا نرى ماذا عملت الدكتورة عائشة بنت الشاطئ لدراسة وحل رموز رسالة الغفران

 وأضيف بأن الدكتورة بنت الشاطئ مصرية وعربية حتى النخاع

 

أعتقد من حقها عليكَ وعلينا أن نوجه لها الإجلال والإحترام والتقدير لهذا المجهود الخارق

 

 

--أبا العلاء

هذا بعضاً مما أردت به من رسالة الغفران

أن تشحث الهمم وينشط التفكير وهذا غير متاح إلا لإمثالها

-أمثال من؟

--أمثال الدكتورة عائشة بنت الشاطئ

 

-الدكتورة عائشة بنت الشاطئ شكراً لكِ بعلمكِ ومجهودكِ ومثابرتك إنتزعتِ للمرأة إعتراف أباالعلاء وتقديره

 

-نعود الى كتابها

تذكر د. بنت الشاطئ

بعد الإطمئنان لسلامة النص ولا يتم بغير الرجوع الى كتب اللغة لمعرفة اللفظ من دلالات يؤثر أبا العلاء إحداها عن الأخرى أوتفسير لم تحمله لنا المعاجم التي وصلت إلينا

 

مثل قوله (الحو – الجدي ) فيما قيل ( ما يعرف حواً من لو اي جدياً من عناق-ص156 ) المشهور في معنى الحو

واللو هو – الحق والباطل

 

ولاحظ نيكلسون* صعوبة التحقيق وقرر أن ينصرف عنها، ثم عاد إليها دارساً وباحثاً ومحلاً ، وإن أعاقته لمستشرق بعض التعبيرات التي لا يفهمها الا العربي المتعمق باللغة.

ولكن النتيجة(كما ترى بنت الشاطئ) تساوي عناء البحث أو لا تساويه وإن لم أهتدفي بعض الحالات ما أبغي من إكمال الشاهد ،فقد كان بحسبي ما أجد جدوى الاتصال بمرجع لم أكن اتصلت به من قبل، أو الاهتداء الى شاعر أومؤلف لم أقرأ له

أو الى جديد من المعاني أو الأساليب ولهذا قيمته ،الى جانب الرضى النفسي في الشعور بالبذل والعناء في هذا السبيل.

على أن ما وصلت إليه من تحقيق شواهد الغفران كان قدراً غير قليل وما زلت أطمع في أن أواصل الجهد للاهتداء إلى الأقل الذي لم أصل إليه

وما توفيقي إلا بالله ،عليه توكلت وإليه المنيب

 

*نيكلسون المستشرق المعروف -1868-1945ودرس رسالة الغفران ولم يستطع سبر غورها كان يتركها ثم يعود إليهاوأشتهر في بحوث التصوف وتعمق بها

 

أبو العلاء يستمع

والطيف يتكلم

 

-لم أكتفِ بقراءة  مقدمة الدكتورة عائشة عدة مرات وما كابدته مع رسالتك ، وقرأت كذلك معاناة غيرها الكثير الكثير

 

والكثير الكثير الذي كتبوا عنها هم نخبة كتاب ومفكري الأدباء العرب وأقتدى بها الغرب أيضاً

وأكثر الدراسات الغير وافية والغير واضحة ،غفلت عن تفسير رسالة إبن القارح فجاءت مبهمةالفهم

وإن أول من جعل رسالة إبن القارح  بداية للبحث في رسالتك كما ذكرناهي الدكتورة عائشة بنت الشاطئ

وأصبح كتابها مرجعاً وافياً لرسالتك

 

وأعيد الإشادة بالجهد الذي بذلته الدكتورة عائشة

بجملتها التي استرجعها مراراً

 

(وعانيت فيها أول الأمر ما عانيت إذ كان مجرد إقامة النص يكلفني شططاً)

أبا العلاء يستمع

أراكم في حيرة من أمركم

بل قل سيدي في حيرة من أمري
وكيف لاأحتار في تفسيرٍ كهذا ..
ومن الملفت للنظر إن الادب العربي الحديث لازال عاجزا عن تفسير وشرح «رسالة الغفران» او التمكن من تسهيل فهم اللغة التي كتبت الرسالة، وهذا دليل آخر على عبقرية المعري وتفوقه ورفعة شأنه


مكانة رسالة الغفران في الأدب العالمي ؟
المعري ودانتي

المعري إختار آل بيت النبي محمد عليه افضل الصلاة والسلام، سندا للاستغفار عندما طلب العفو والمغفرة من فاطمة الزهراء (ع) والاخذ بنصح الامام علي (ع)، الامر نفسه ينطبق على دانتي الذي التقى في الجنة اصحاب السيد المسيح (ع)، وشاهد من عذبوه في الجحيم. ربما العبرة الكبرى من قراءة النصين تكمن في ان الايمان بالله والجنة والنار مدعاة إلى طلب البشر من المولى تعالى المغفرة وتكفير الذنوب

ومن المعروف إن الأديب الإيطالي دانتي حاكى في كتابه( الكوميديا الإلهية)رسالة الغفران بعد مائتان وستة وأربعون عاماً 246من رسالة المعري إذ كتبها دانتي سنة 1308وإنتهى منها في 1321
مع العلم بأن رسالة الغفران لم تترجم الى أي من اللغات العالمية ولم يلتفت اليها في الوطن العربي إلا في مطلع القرن العشرين ويذكر  
عبد الفتاح كليليطو* في مقاله منامات المعري(كيف نفسر كونها صارت في مطلع القرن العشرين كتاب المعري الأكثر رواجاً ؟ الجواب يكمن في كلمة واحدة "دانتي" 
لولا دانتي لما إهتم أحد برسالة الغفران ،
لقد صارت محط عناية ورعاية منذ نظر اليها كرافد من روافد الكوميديا الإلهية وعندما عقد أسين بلاسيوس مقارنة بين العملين في فصل من كتاب مشهور تحدث فيه عن أوجه الشبه في تمثل كلا منهما للآخرة
وهذه المقارنة بين العملين أخرجت رسالة الغفران من عزلتها الطويلة
كتب دانتي الكوميدياالإلهية  بعد ثلاثة قرون من رسالة المعري إلا إنها السبب في إثارة الإهتمام برسالة الغفران للمعري)
*عبد الفتاح كليليطوباحث مغربي مشهور ،كتب بالعربية والفرنسية وتعتبر بحوثه مرجعاً

ويدرس كتاب دانتي الكوميديا الإلهية في معاهد الغرب ونحن حرمنا أجيالنا من ينبوع المعري ومن نعمة التفكير ليختاروا الصحيح ولا يُسجنوا في إفك التدين الكاذب الذي يبشر بالويل والعذاب في الدنيا والآخرة متناسين إن 
رحمة الله وسعت كل شئ

المعري والشاعر الإنجليزي ميلتون

-أثرت على الشاعر الإنجليزي جون ميلتون في قصيدته ( الفردوس المفقود ) و  ( والفروس المستعار)
وألف الفردوس المفقود في 1667 وهيفي 12 مجلد يتضمن كل منها على 800 بيت من الشعر
أبا العلاء والمستشرقون
 أما المستشرقون فقد اتفقوا تقريبًا على تقدير التميز الإبداعي للمعري في أعماله الشعرية والنثرية، واعتبر البعض أن كثيرًا من الأعمال الشهيرة كانت مستوحاة من أعمال المعري ومنها "الكوميديا الإلهية" لدانتي، و"الفردوس المفقود" للشاعر الانجليزي ميلتون،  وغير ذلك من الأعمال التي يُعتقد بأنها اقتبست من "رسالة الغفران" للمعري، التي عرفت في أوروبا مبكرًا وترجمت إلى القشتالية عام 1264م ، ومنها إلى اللاتينية والفرنسية ولغات أوروبية أخرى.

المعري والشعراء العرب المعاصرين

 أثر «رسالة الغفران» بدا واضحا على اعمال كثير من الشعراء العرب، فقد تأثرت بها قصيدة الشاعر العراقي جميل صدقي الزهاوي القصصية المطولة بعنوان «ثورة الجحيم»، و «شاطئ الاعراف» لمحمد عبدالمعطي الهمشري، و«بين النهايتين» لمحمد سعيد السحراوي... والاخيران من شعراء الجيل الثاني لحركة ابولو*(أبولو  *تأسست عام 1932وهي كلمة يونانية أبوللون ،وهو إسم لإله النور والشعر والموسيقي)
كما وكتب عنها الشاعر العراقي معروف الرصافي وكذلك الأديب عباس محمود العقاد وأخترت
محاكاة رسالة الغفران لشاعر العراق الكبير جميل صدقي الزهاوي*-4

ودارت الأحداث مع الشخصيات كما يلي
الشخصيات
-إبن القارح
-الخازن رضوان
-الخازن زفر
-حمزة بن عبد المطلب
-علي بن ابي طالب
-فاطمة الزهراء بنت النبي ص
-النبي الرسول ص
-ابراهيم أخو فاطمة الزهراء

وسيتم شرح مبسط لدور كل شخصية في دخول إبن القارح للجنة

يجعل المعري إبن القارح  يلتقي بعدد كبير من مشاهير الشعراء والأدباء واللغويين ليحاورهم في قضايا اللغة والأدب والشعر معبراً بذلك عن أفكاره
بإسلوب خيالي يعرف لأول مرة في الأدب العربي بعرضه لصور الجنة والنار والغيبيات ،متخذاً من قصة المعراج  والقرآن الكريم مثلاً بخيال يثير العجب والدهشة مستشهداً بالآيات والأشعار ودروب اللغة ليصف ويحير القارئ من إنتقاله من مكان الى آخر مستعملاً الضمائر ليزيد من إرباك القارئ
وبين ابن القارح في رسالته لأبي العلاء كرهه لجماعة من الشعراء والأدباء ويرى بأنهم سيدخلون النار من إهمالهم لبعض من واجبهم الديني وتطرق الى أخبار الزنادقة ويسأله في مسائل الأدب والنحو واللغة والدين والفقه ويرد أبا العلاء برسالته بخلق عالماً جديداً من الأدب قائماً على السرد والوصف مستعيناً بشخصيات من الجن والإنس والحيوان
ونرى كيف إستطاع المعري من خلال إطلاعه على أساليب الشعراء وحفظه لإشعارهم  بإسناد أو ترجيح أبيات من الشعر لشاعرها الحقيقي ، أو لنفس إسلوبه
ما قالت العرب كلمة لا يعرفها أبو العلاء!
حوارات الرواية لمئات من أبيات الشعر وضعت أبو العلاء سيد لغة العرب  بدون منازع
مثال للسرد وإبن القارح يتجول في الجنة
ويسأل من يراه في الجنة ، لماذا  أدخل الجنة؟ وأحياناً يكون السبب بيتاً واحداً من الشعر يستدعي الغفران

يتنزه إبن القارح في الدار الفانية فيركب نجيباً *من نجب الجنة ،(النجيب هو الجمل الكريم *) خُلِقَ من ياقوت ودُرَّ، في سجسج *(ليست صلبة ولا لينة*) بَعُدَ عن الحرِ والقَرِّ فيتنزه في الجنة على غير منهج ومعه شئ من طعام الخلود
ينظر الشيخ في رياض الجنة  فيرى قصرين مُنيفَين فيقول في نفسه ،لأبلُغنَّ هذين القصرين
فسأل لَمنْ هما؟(ص 182 من كتاب رسالة الغفران د.عائشة بنت الشاطئ)
فإذا قرب منهما رأى على أحدهما مكتوباً (هذا القصر لزهيربن أبي سُلمى المزني)
وعلى الآخر (هذا القصر لعبيد بن الأبرص الأسدي)
فيعجب ويقول  ، هذان ماتا في الجاهلية ، ولكن رحمة ربنا وسعت كل شئ
يبتدئ بزهير فيجده شاباً كالزهرة الجَنِيَّة كأنه لم يلبس جلباب هِرَم وكأن لم يقل في الميمية
سئمت تكاليف الحياة ومن يعش- ثمانين حولاً –لا أبا لك- يسأم


 ويقول

ألم ترني عمرت تسعين حجة – وعشرًاتباعا عشتها وثمانيا
،لم يرد هذا البيت  في(ديوان زهير بالعقد الفريد)
وروايته في العقد (بدا لي إني عشت تسعين حجة –تباعاًوعشراً عشتها وثمانيا

وسأل كيف أنت في الجنة؟
قال
فلا تكتمن الله في نفوسكم – ليخفى ومهما يكتم الله يعلم
يؤخرفيوضع في كتاب فيدَّخر – ليوم حساب أو يقدم فينقَم

وأوصيت بنيَّ (إن قام قائم يدعوكم الى عبادة الله فأطيعوه ، ولو أدركت ُ محمدًا لكنت أول المؤمنين *
 ثم ينصرف الى صاحب القصر الثاني عبيد بن الأبرص الأسدي
فيذكر لأبن القارح "لعلك تريد أن تسألني بم غفرَ لي
فيقول السلامُ عليكَ يا أخا بني أسدٍ فيقول وعليك السلام –وأهل الجنة أذكياء ، لا يُخَالُطهم الأغبياء  ! أألفيت  حُكماً للمغفرةِ مُوجِبا ولم يكن عن الرحمة مُحجَّبا ؟ فيقول عبيد : أخبُركَ أني دخلت الهاوية وكنت قلت في أيام الحياة :( وهذا البيت سبب الغفران)
من يسألِ الناسَ يحرموه – وسائلُ اللهِ لا يخيبُ
وسار هذا البيت  في آفاق البلاد فلم يَزل يُنشَدُ ويَخفُ عني العذابُ حتى أُطلقْتُ من القيودِ والأصفادِ ، ثم كررإلى أن شملني الرحمة ببركة ذلك البيت ،  وإنَّ ربنا لَغفُورُ رَحيم
فإذا سمِعَ الشَّيخُ –ثَبَّتَ اللهُ وطأتَه – ما قال ذاِنكَ الرَّجلان ، طَمِع في سلامةِ كثيٍر من أصنافِ الشُّعراء ص186 نسخة د . بنت الشاطئ


بالإضافة إلى ذلك ففي رسالة الغفران موقف من الأدب والأدباء نجده واضحاً في نوعية الأدباء الذين اختارهم أبو العلاء في مسيرة رسالته، ومن أقام في الجنة، من وضع في النار، كما في التفاصيل الأدبية واللغوية التي يدور حولها الحوار
ونلاحظ نوعاً جديداً من النقد الأدبي في رسالته هذه، فهو إلى جانب أمور الصرف والنحو يقوم بنوع من الدرس المقارن في الموضوع الواحد، فإذا مرت مثلاً فكرة أباريق الخمر في وصفه للجنان أردفها بذكر كثير من أبيات الشعراء في الموضوع نفسه ليتيح فرصة المقارنة
كما ونلاحظ ثقافة المعري العالية التي مكنته من هذا الخيال المذهل  والإتقان اللغوي الذي حير الباحثين والدارسين
مثلاً
يقول الأعشى ، وهو من شعراء الجنة ،
قلت لعلي
لقد كنتُ أؤمن بالله وبالحساب والبعث وأنا في الجاهلية فقال علي لرسول الله هذا أعشى قيس قد روى في مدحه فيك أنك نبي مرسل
فقال الرسول هل جائني في الدار السابقة فقال علي قد جاء ولكن صدته قريش وحبه للخمر فشفع له أن لا يقرب الخمر في الجنة
يؤخر، فيوضع في كتابٍ ،فيدَّخر
ليوم الحساب فيعجِّل لينقم
ويمثل الإيمان بوجود الله والحساب

*المحاورة كاملة في رسالة الغفران ص181 د. بنت الشاطئ



ودارت الأحداث مع الشخصيات كما يلي
الشخصيات
-إبن القارح
-الخازن رضوان
-الخازن زفر
-حمزة بن عبد المطلب
-علي بن ابي طالب
-فاطمة الزهراء بنت النبي ص
-النبي الرسول ص
-ابراهيم أخو فاطمة الزهراء


 تسلسل الأحداث

الشخصية الأولى في رواية الغفران
ابن القارح
أرسل منصور الحلبي المعروف بإبن القارح وهوأديب وشاعر ولد في  حلب عام 351هج وتوفي في الموصل 421 هج برسالة الى أبو العلاء المعري
وفيها يسأل إبن القارح أبا العلاء  عن الشخصيات الأدبية والفكرية و التاريخ والفقه والتصوف والادب والنحو والسيرة النبوية والزندقة
ويرد أبا العلاء برسالة الغفران

وهي عبارة عن قصة خيالية تخيل فيها أبو العلاء أن ابن القارح بأرض المحشر في يوم القيامة ،فيجد حسناته قليلة فيبحث عن شفيع يشفع له فيلتقي بالملائكة والصحابة ويطلب منهم الشفاعة عن طريق الشعر الى أن يصل الى سيدنا محمدص فيجد أعماله قد وصلت للتوبة
فادخل الجنة فراح يطوف فيها وينعم بطيباتها ، ويجتمع بطائفة من شعراء الجاهلية والإسلام  ويسألهم كيف نالوا الغفران ، ويعقد معهم المجالس الأدبية ، ثم ينتقل إلى جنة العفاريت ، فإلى الجحيم ، ومن الجحيم الى الجنة.

الشخصية الثانية

- الخازن رضوان
وإبن القارح والحوار الذي دار بينهما
يذكر إبن القارح

زينت لي النفس أن أنظم أبياتاً في رضوان خازن الجنة عملتها في وزن قِفا نَبِكِ حبيب وعرفان ووسمتها برضوان ثم ضانكت الناس حتى وقفت منه بحيث يسمع ويرى فما حفل بي ولا زلت أتتبع الأوزان حتى فنيتها  ولا أجد عنده مغوثة ثم دعوت بأعلى صوتي (يا رضوان يا أمين الملك الجبارالأعظم على الفراديس ألم تسمع ندائي إليك ويرد رضوان(إنك لغبين الرأي أتأمل أن آذن لك بغيرإذن رب العزة  هيهات هيهات وأني لهم التناوش من مكان بعيد)

فتركه وذهب الى
 
الشخصية الثالثة
 - الخازن زفر

لم أترك وزناً مقيداً ولا مطلقاً إلا وسمته له فما نجع

الشخصية الرابعة
–حمزة بن عبد المطلب رض
فجعلتُ أتخلل العالم فإذا برجل عليه نور يتلألأ  فقلت من الرجل؟ فقيل هذا (حمزة  بن عبد المطلب صريعُ وحشي )
فقلت لنفسي الكذوب الشعر عند هذا أنفق لإنه شاعر واخوته شعراء وكذلك أبوه وجَدّه  فعملت أبياتاً على وزن أبيات كعب بن مالك التي رَثَى بها حمزة وأولها
صفية قُومي ولا تَعجزي وبكى النساء على حمزة
وجئت فناديت يا سيد الشهداء يا عم رسول الله ص فلما أقبل أنشدته الأبيات فقال (ويحك أفي مثل هذا الموطن تجيئني بالمديح ؟ أما سمعت الآية (لِكُلِّ امْرِئ مَّنْهُمْ يَوْمَئذٍ شَأْنُ يُغْنيهِ)
فقلت بلى  سمعتها وسمعت ما بعدها
وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ (38) ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ (39) وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ (40) تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ (41) أُولَئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ (عبس وتولى)

فقال حمزة لا أقدر على ما تطلب ولكن أنفذ لك رسولاً الى إبن أخي علي بن أبي طالب ليخاطب النبي ص في أمرك

ثم
الشخصية الخامسة

رض –علي بن أبي طالب

فأظهرت الألم والجزع فقال أمير المؤمنين (لاعليك ألك شاهد بالتوبة فقلتُ نعم قاضي حلب فقال بمن يعرف ذلك الرجل ؟ فأقول بعبد المنعم بن عبد الكريم قاضي حلب فأقام هناك هاتف يهتف في الموقف
يا عبد المنعم بن عبد الكريم قاضي حلب ! هل معكعلم بتوبة علي بن منصور فلم يجبه مجيب الى المرة الثالثة يقول (نعم شهدت توبة علي بن منصور وأنا يومئذ قاضي حلب وأعمالها
فنهضت فذكرت لأميرالمؤمنين ما ألتمس فأعرض عني وقال (إنك لتروم ممتنعاً  ولك أسوة بولدأبيك آدم)

الشخصية السادسة

-فاطمة الزهراء إبنة النبي ص

إن مولاتنا فاطمة
 قد دخلت الجنة منذ دهر وإنها تخرج في كل حين مقداره أربع وعشرين ساعة
 من الدنيا الفانية فتسلم على أبيها وهو قائم لشهادة القضاء،ثم تعود لمستقرها في الجنان وإذا حان خروجها ونادى الهاتف غضوا أبضاركم حتى تعبر فاطمة بنت محمد ص
ثم إجتمع من آل أبي طالبٍ خلق كثيرمن ذكور وإناث ممن لم يشربوا خمراً ولا عرفوا منكراً،فلقوها في بعض السبيل ، فلما رأتهم قالت ما بال هذه الزرافة ؟ألكم حال تذكر؟ نحن بخيرٍ، إنا
نلتّذ بتحف أهل الجنة، غير أنا محبوسون للكلمة السابقة ،ولا نريد أن نتسرع الى الجنة قبل الميقات إذ كنا آمنين ناعمين بدليل قوله إن الذي سبقت منا الحسنى أولئك عنها مبعدون لا يسمعون حسيسهاوهم في ما إشتهت أنفسهم خالدون،لايحزنهم الفزع الأكبروتتلقاهم الملائكة هذا يومكم الذي كنتم توعدون
 وكان فيهم العلي  بن الحسين وإبناه محمد وزيدوغيرهم من الأبرار الصالحين ، ومع فاطمة عليها السلام إمرأة أخرى جرى مجراها في الشرف والجلالة فقيل من هذه؟ خديجة بنت خويلد ،ومعها شباب على أفراس من نور، فقيل من هم ، عبد الله والقاسم والطيب والطاهر
وإبراهيم بنو محمد ص، فقالت الجماعة التي سألت هذا ولي من أوليائنا قد صحت توبته فهوفي الجنة:
وفي المحصلة كادَ أن يحصل على
شفاعة النبي ص
،فوقفت فاطمة عند النبي محمدص فسأل من هذا الأتاوي ويقصد الغريب  وقالت له هذا رجل سأل فلان وفلان وسمت له جماعة من الأئمة الطاهرين فسأل عن عملي فوجد في الديوان الأعظم فشفع لي وختم بالتوبة

فلما إنصرفت الزهراء عليها السلام تعلقتُ بركاب أخوها إبراهيم وعبرت الصراط فوجدتني لا أتماسك وهنا أشارت الزهراء لأحد جواريها فجعلت تمارسني وأنا أتساقط فقلت يا هذه إن أردتِ سلامتي فأحمليني (زقفونة ) فقالت وما هي الزقفونة؟ قلت ، أن يطرح الإنسان يديه على كتفي الآخر ويمسك الحامل بين يديه  ويحمله وبطنه الى ظهره
فحملتني الجارية بسرعة البرق وأدخلتني الجنة وهنا قالت الزهراء عليها السلام لقد وهبناك هذه الجارية كي تخدمك في الجنان
فقال لي رضوان هل معك جواز ؟فقلت لا فقال لا سبيل
فتعلقت بأستار إبراهيم أخو فاطمة الزهراء فجذبني جذبة أدخلتني الجنة
إبراهيم ابن النبي   ومات وعمره ستة عشر شهراً  وهو أخ فاطمة  الزهراء والشخصية التي دفعت ابن القارح للجنة
وهنا عبر الصراط
عبور الصراط
فلما خلصتُ من تلك الطموش(جمع طمش وهو الناس) قيل لي " هذا الصراط فأعبر عليه فوجدته  خالياً لا عريب(لا أحد) عنده، فبلوت نفسي في العبور ، فوجدتني لا أستمسك ،فقالت الزهراء –ص-لجارية من جواريها، " يا فلانة أجيزيه"(إجعليه يعبر) فجعلت تمارسني(تعالجني) وأنا أتساقط عن يمين وشمال .
فقلت لها " يا هذه ! إن أردتِ سلامتي، فأستعملي معي قول القائل في الدار العاجلة
سِتّ إنْ أعياك أمري – فأحمليني زَقفونة".....سبق شرحها

إبن القارح يتجول في الجنة

قصة الأسد
أتدري من أنا أيها البَزيعُ* أنا " أسد القاصِرةِ**التي كانت في طريق "مصر "فلما سافرَ "عتبة بن أبي لهب " يريد تلك الجهة .... ص305 من غفران بنت الشاطئ
 
زَوَجَ النبي – صلى الله عليه وسلم – ابنته ( رقية ) الى عتبة بن أبو لهب بن عبد المطلب وكان ذلك قبل البعثة ، فلما جاءه عتبة وقال : يا محمد ، أشهد أني قد كفرت بربك وطلقت ابنتك ، فدعا الرسول الكريم ربه أن يسلط عليه كلبا من كلابه ، فخرج إلى الشام في ركب فيهم ( هبار بن الأسود ) حتى إذا كانوا بوادي القاصرة نزلوه ليلا فافترشوا صفا واحدا  فقال عتبة ، أتريدون أن تجعلوني في آخر الصف ؟ لا والله لا أبيت إلا في وسطكم ، فبات وسطهم  قال هبار ، فما أنبهني إلا السبع يشم رءوسهم رجلا رجلا حتى انتهى إليه فأنشب أنيابه في صدغيه ، فصاح عتبة ، أي قوم ، قتلتني دعوة محمد ،و لهذا السبب أدخل الأسد الجنة
*البزيع –هو الضريف الحلو
**أسد القاصرة ، سبع بوادي القاصرة ، وهي مسبعة بطريق الشام

( ويمر بذئب ويصيح فلحقتني بركة( النبي محمد صلى الله عليه وسلم -

 -إبن القارح يلتقي بذئب ،ويعرف سبب دخول الذئب الجنة

قصة الذئب

الأسلمي - هو أهبان بن أوس الأسلمي يكنى أبا عقبة ، أسلم ومات بالكوفة في صدر أيام  معاوية ، ويعرف بمكلم الذئب
*، و كان في غنم له ، فشد الذئب على شاة منها ،
فصاح عليه فاقعى على ذنبه وخاطبه  وقال الذئب ، تحول بيني وبين رزق ساقه الله إلي
  فمن لها يوم يشغل عنها ؟
فلحقتني بركة مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم   (ص306 من غفران بنت الشاطئ )
د خل الذئب الجنة
ويتجول إبن القارح في الجنة

إبن القارح وحور العين
ويخلو بحوريتين من الحور العين ،فإذا بهره ما يراه من الجمال ،قال أعزز علي بهلاك الكندي إني أذكر بكما قوله
كدأبك من أم الحويرث قبلها – وجارتها أم الرباب بمأسل
إذا قامتا تضَّوع المسك منهما –نسيمَ الصبا جاءت بريا القُرْنُفل
وأين صاحبتاه منكما لا كرامة لهما ولا نعمة؟ لجلسة معكما بمقدار دقيقة من دقائق الدنيا خير من مُلك آكل المرار وبني النضيربالحيرة ،وآل جفنة ملوك الشام
ويقبل على كل واحدة منهما يترشف رضابها ويقول:"إن امرأالقيس لمسكين مسكين ، تحترق عظامه في السعير وأنا أتمثل بقوله
كأن المُدام وصَوْب الغمام – ورِيح الخُزامى ونَشْر القُطُر
يُعَل به بَرْد أنيابها – إذا غرَّد الطائرالمٌستْحِر
فنستغرب إحداهما ضحكاً فيقول: "مم تضحكين؟" فتقول : فرحًا بتفضل الله
أتدري من أنا يا علي بن منصور ؟ فيقول:"أنتِ من حور الجنان اللواتي خَلقكن اللهُ جزاء المتقين ، وقال فيكن:( كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ) فتقول :"أنا كذلك بإنعام الله العظيم ! على إني كنت في الدار العاجلة أُعرف بحمدونة ، وأسكن في باب العراق بحلب .....
ص 64 من كتاب رسالة الغفران لكامل كيلاني

تحول الثمار والطيور الى حور العين
يصف أبو العلاء مجالس الأكل والشرب  والغناء في الجنة كون لها استمرارية لا تتوقف
(ويمر رفُّ من أوز الجنة ، فيقف إبن القارح ليرى! ومن شأن طير الجنة أن يتكلم
فيقول : ما شَأنَّكُنَّ ؟.....
ثم ينتفضن فيصرن جواري كواعب يرفلن في وشي الجنة ، وبإيدهن المزاهر،....فيعجب وحق له العجب، وليس ذلك ببديع من قدرة الله جلت عظمته....
الثمار
تتحول الثمارفي الجنة بمجرد رغبة أهلها الى حور عين كواعب أتراب، وتتناقش في الأدب وتستشهد بأشعار العرب وحسب رغبة ساكن الجنة تغيير مقاييس جسدها حسب هواه (كما فعلَ إبن القارح بين سجدتين)
شجر الحور
فَيَجئُ  به الى حدائِقَ لا يَعْرِفُ كُنهَها إلا اللهُ
خذ ثَمَرةُ من هذا الثمرِ فأكسرها فإن هذا الشجر يُعْرَفُ بشَجَرِ الحُور
فيأخذُ سَفَرْجَلةُ أو رُمَّانة ،أوتفاحة ..... فيَكسِرُها ، فتخرجُ منها جاريةُ حَْوراءُ عيناء تَبرقُ لِحُسنِها حُورِياتُ الجِنان .....ص288 غفران بنت الشاطئ
كما ويكفي أن يخطرببال ساكن الجنة ذكر الفقاع(البيرة)لتتفجرأمام أقدامه أنهار من البيرة فالجرعة منها أفضل من ملذات الدنيا
مأدبة في الجنة
ويبدوله أن يصنع مأدبة في الجنان ، يجتمع فيها من أمكن من شعراء الخضرمة والإسلام ،والذين أصلوا كلام العرب ، وجعلوه محفوظاً في الكتب ، ويخطر له أن تكون كمآدب الدار العاجلة ،إذ كان البارئ لايعجزه – جلت عظمته-أن يأتيهم بجميع الأغراض من غير كلفة ولا إبطاء ،أرْحاه على الكوثر تجعجع لطحن بُر الجنة ، وإنه أفضل من بُر الهذلي الذي قال فيه :
لا دَر دري إن أطعمتُ رائدكم – قرف الحني وعندي البُر مكنوز+
ويجس في صدره أرحاء تدور فيها البهائم ، فيَمْثُل  بين يديه ما شاء الله من البيوت فيها أحجار من جواهر الجنة ، تدير بعضها جمال تسوم في عضاة (شجر ذو شوك )الفردوس ،وأينق وصنوف من البغال والبقر.......
فإذا أجتمع من الطَّحن ما يُضن أنه كاف للمأدبة ،تفرق خدمه من الولدان المخلَّدين فجاءوا بالجداء وضروب الطيرالتي جرتِ العادة بأكلها،وسيقت البقر والغنم والإبل لتعتبط فأرتفعَ يعار المعز ونواح الضأن وصياح الديكة ، وذلك كله بحمدالله لاألم فيه ،وإنما هو جدمثل اللعب ،فلا إله إلا الله الذي إبتدع خلقه من غير روية وصوره من غير مثال.
فإذا حصلت النحوض فوق الأوفاض* قال : أحضروا من الجنة الطُّهاة الساكنين في حلب على ممر الأزمان ،.... فيأمرهم باتخاذ الأطعمة ، وتلك لذة  يهبها الله –عز سلطانه- بدليل قوله : وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ ۖ وَأَنتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (71) وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ(الزخرف) (72) لَكُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِّنْهَا تَأْكُلُونَ (73)
فإذا أتت الأطعمة افترق غلمانه الذين كأنها اللؤلؤ المنثور المكنون لإحضار المدعوين فلا يتركون في الجنة شاعراً إسلامياً ولا مخضرماً، ولا عالماً بشئ من أصناف العلوم ولا متأدبّا إلا  حضروه فيجتمع خلق كثير فتُوضَع الخون من الذهب والفواثير من اللُّجين ويجلس عليها الآكلون ، وتُنقل اليهم الصحاف
مجلس أُنس وغناء
فإذا قضوا الأرب من الطعام ، جاءت السقاة بأصناف الأشربة والمسمعات بالأصوات المطربة ، ويقول " علي بمن في الجنة من المغنين والمغنيات ، ممن كانةا في الدار العاجلة فقضيت له التوبة ،فتحضر جماعة كثيرة من رجال ونساء فيهم الغريض ومعبد وإبن سريح ،وإبراهيم الموصلي وإبنه إسحق.
هذا نموذج من مئات التشبيهات حفلت بها الرواية مما لا يتسع مقالاً لذكرها ورأيت كذلك أن أضع تفسيراً لكلمات تم شرحها لصعوبتها وغرابتها
لاد دري – ونستعملها بقولنا لله دره- وهنا لاكثر خيري أو لازكا عملي+
إذا- أطعمت نازلكم قشر الدوم مع وفرة ما لدي من القمح الزائد عن حاجتي
النحوض – المكتنز من اللحم كلحم الفخذ مثلاً
أما الأوفاض –خشب الجزارين يقطعون عليه اللحم ص60-69 من طبعة كيلاني لرسالة الغفران
*نرى هنا بكل وضوح الكلمات الصعبة التي أدرجها أبا العلاء

الخيال العلمي
إستخدم أبو العلاء الخيال في سرد الرواية مثل
أشجار الجنة عملاقة تذهب جذوعها من شرق الجنة لغربهاوتتكلم
الحيوانات في الجنة
يستطيع الإنسان في الجنة أن يرى ما يبعد عنه عدة سنوات ضوئية
 وفي الجنة تجاوز المعري  القوانين الرياضية المجردة من أي سياق وتجربة (نظرية الأرقام)-5
مثلاً
يرى المحتفلون في مآدب الجنة طاووساً أو أوزة يحلمون بأكلها كل واحد على طريقته لتصل مطبوخة في نسخ مكررة في اللحظة نفسها لكل صحن كما حلم بها ثم تتجمع عظامها وتعود الى نسختها الأصلية


قصة الأوزة مع إبن القارح

وتَمُرُّ إوَزَّةُ مثل البُخْتِيةِ ، فَيَتمنَّاها بعضُ القوم شِواءُ ، فتتَمَثَّل على خِوانٍ من الزُّمُردِ ، فإذا قُضِيَتْ منها الحاجةُُ، عادَتْ بإذنِ اللهِ إلى هيئةِ ذوات الجَناح . ويختارُها بعضُ الحاضرِين كَرْدَنَجاً *، وبَعضُهم مَعْمُولةُ بسُمَّاقٍ**.....
وهي تكون على ما يُريدون ،فإذا تكرَّرت بينهم قال " أبو عثمان المازني*"
ل"عبد الملك بن قريب الأصمعي**": يا أبا سعيد ، ما وَزْنُ إوَزَّة؟......
وتحدث مناقشة لغوية وتهكمية بين الإثنين مثل زيادة الهمزة وأصلها في أفعل وهل هي زائدة   .....وأستغرقت المناقشة على الهمزة صفحتين 
أبو عثمان المازني :بكربن محمد من بني مازن بن شيبان *
عبد الملك بن قريب الأصمعي**
*الكرده ناج هو الكباب
**سماق معروف وهو من التوابل ص 283 غفران بنت الشاطئ

إبن القارح مع الجن والعفاريت

فيركبُ (إبن القارح)بعضَ دوابِّ الجنَّةِ ويَسيرُ، فإذا هو بمَدائنَ ليستْ كَمدائنِ الجَّنةِ  ، ولا علّيَّها النورُ الشَّعْشَعانَّي، وهي ذاتُ أدْحالٍ*
(*جمع دَحل،وهو النقب الضيق الأعلى والواسع من أسفل يخزن فيه ماء المطر،وينزل عنده إذا قل الماء وقال التبريزي في الشرح.....
وضعت هذا نموذجاُ لمئات من الشروح والأضافات والإستعارات التي يحتار القارئ في فك رموزها والوصول الى معانيها
فيقول إبن القارح لبعض الملائكة : ما هذه يا عبد الله ؟ فيقول: هذه جنة العفاريت الذين آمنوا بمُحَمَّد صلَّى الله عليهِ وسلم وذُكروا في (الأَحْقاف) وفي( سورة الجِنِّ)وهم عَدَدُ كثيُرُ.....
فإذا هو بشيخ جالسٍٍ على بابِ مَغارةٍ، فيسلم عليه فيحسن الرد ويقول : ما جاء بك يا أنسي ؟ إنك بخير لَعَسى ،مالك من القوم سِي!
فيقول : سمعتُ أنم جنُّ مؤمنون فجِئتُ ألتمسُ عِندكم أخبارَ الجِنَّانِ....
...... فسَلْ عما بدا لَك
فيقول : ما إسمكَ أيها الشيخُ ؟
فيقول : أنا (الخيتعور) أحد "بني الشّيَصَبانِ" ولسنا من ولد" إبليس " ولكنا من الجِنَّ الذي يَسكنونَ الأرضَ قبل ولد " آدم"صلى اللهُ عليه
فيقول: أخِبِرني عن أشعار الجن ....
  وقد بلغني أنكم معشر الإنس تلهجون بقصيدة امريء القيس
" قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل"
وتحفظونها في المكاتب، وإن شئت أمليتك ألف كلمة على هذا الوزن على منزل وحومل وحومل: وألفاً منزله وحومِله" وكل ذلك لشاعر منا هلك وهو كافر وهو الآن يشتغل في أطباق الجحيم
هنا يأخذك أبا العلاء الى عالم الخيال ونرى المحاورة محلقة  ونابضة بإحساس المعاني والتفسيرات
ونلاحظ ، إنه ذكر بأن  الشعراء يعتمدوا على شعراء الجن بإملاء الشعر عليهم إذن هنا شعراء الجن هم المبدعين
*حاور أبا العلاء شاعراً من الجن بستة وستون بيتاً من الشعر

حديث في أقصى الجنة*
حديث الحطيئة
فيرى بيت في أقصى الجنة ،كأنه حفش*(بيت صغير جداً) أمة راعية ، وفيه رجل ليس عليه نور سكان الجنة ، وعنده شجرة قميئة ، ثمرها ليس بزاكٍ(لذيذ وتستعمل في بلاد الشام لحد الآن)
فيقول:يا عبد الله ! لقد رضيت بحقير
فيقول:والله ما وصلت إليه إلا بعد هياط ومياط* (إضطراب)وطراق من شقاء وشفاعة من قريش ، وددت إنها لم تكن .
فيقول من أنت؟فيقول: أنا الحطيئة العبسي فيقول: بم وصلتَ الى الشفاعة ؟فيقول: بالصدق فيقول:في أي شئ ؟ فيقول:في قولي
أبت شفتاي اليوم إلا تكلما – بهجرفلا أدري أنا قائله
أرى لي وجهاً قبح الله خلقه – فقبح من وجه ، وقبح حامله
فيقول: وما بال قولك :
من يفعل الخير لا يعدم جوازيه – لا يذهب العرف بين الله والناس
لَمْ يغفر لك به؟ فيقول ،سبقني الى معناه الصالحون  فنظمته ولم أعمل به فحرمت الأجرعليه ..
ملاحظة
إذا دققنا في المحاورة بين إبن القارح والحطيئة نلاحظ سمةالعدل التي ينشدها أبا العلاء في حياته في تحقيق شخصية الحطيئة لم يضعه في الفردوس ولكنه لم يضعه في الجحيم ولكن في بيت في أقصى الجنة
وهذا كما أراه إشارة واضحة لإيمان أبا العلاء بعدالة السماء ويقينه بالمغفرة الإلهية  ، التي لا يفتي بها دعاة التدين

الشعراء الذي وضعهم أبا العلاء في الفردوس
وشعراء الجنة منهم زهيربن أبي سلمى ،والأعشى ،وعبيد بن الأبرص ،والنابغة الذبياني،ولبيد بن أبي ربيعة
وحسان بن ثابت، والنابغة الجعدي ،الشماخ بن ضرار
ومن العصر العباسي كالخليل بن أحمد ،سيبويه ، ابن درستويه،أبو علي الفارسي،ألأصمعي
وفي جنة المغنين عشرة من العباسيين منهم ابن مسجح وابراهيم الموصلي
وفي جنة الرجزسبعة من الأمويين منهم:رؤبة بن الحجاج
.*ووضع الحطيئة في مكان قصي من الجنة

جولة إبن القارح في الجحيم
إبن القارح و إبليس
فيَطَّلِعُ فَيَرى  " إبليسَ" –لعنه الله- وهو يَضْطَربُ في الأغلالِ والَّسلاِسلِ ،....
فيقول الحمدُ للهِ الذي أمكَنَ منْكَ يا عَدُوَّ اللهِ وعدو أوليائِه ! لقد أهَّلكْتَ مِن بني"آدم" طوائفَ لايَعْلمُ عددها إلا اللهُ ، فيقول : مَن الرجل؟فيقول:انا فلان ابن فلان من أهلِ "حلب" كانت صناعتي الأدب ، أتقرب الى الملوك ! فيقول بئس الصناعة ....
أسألك من خبرٍ تُخْبِرُنيه : إن الخمرحُرمت عليكم في الدنيا وأُحلت لكم في الآخرة
فهل يفعل أهل الجنة بالولدان المخلدين ، فعلَ أهلِ القريات* ؟ فيقول:عليكَ البَهْلَةُ**
أما شغلك ما أنت فيه ؟ أما سمعت قول الله تعالى " ولهم فيها أزْوَاجُ مُطَهَّرة وهم فيها خَاِلدُون(من آية 25 من سورة البقرة)
*أهل القريات يعني قوم "لوط" عليه  السلام
** البهلة تعني عليكَ اللعنة
حديث إبن القارح مع بشار بن برد
إبليس والشاعر بشار بن برد
ويستطرد إبليس مستشهداً بشعر بشار بن برد وكان بشار يفضل إبليس عن آدم
إبْليسُ أفضلُ منْ أبيكم آدمٍ -   فتَبيَّنوا يا مَعشَرَالأَشرارِ
النارُ عُنْصُره ، وآدمُ طِينهُ – والطَّينُ لا  يَسمو سُمُوَّ النارِ
ويستطرد إبليس لقد قال الحقَّ ، ولم يَزَلْ قائِلُه من المَمْقُوتينَ
ص310 من غفران بنت الشاطئ
حديث إبن القارح في الجحيم مع
امرئ القيس، عنترة ،علقمة ،عمرو بن كلثوم،الحارث اليشكري،طرفة،أوس بن حجر*
أبي كبير الهذلي ،الأخطل،مهلهل،الشنفري، تأبط شراً
 وتضم المحادثة مع كل هؤلاء ألواناً من الشعر والحوار والتفسيرات مما يجعل المرء يقف حائراً أمام من يقول (مستطيعاً بغيره) فو كان مستطيعاً بنفسه ماذا كان سيكون إبداعه المذهل
عودة ابن القارح الى الفردوس
حديثه مع آدم

فيلقي أبن القارح آدم ، عليه السلام ،في الطريق فيخاطبه يا آبانا ، صلى الله عليك،قد روي عنك شِعرُمنه قولك :
نحن بنو الأرض وسكّانُها – منها خُلِقنا وإليها نعودُ
والسُّعدُ لا يبقى لإصحابِه – والنحسُ تمحوهُ ليالي السٌّعود
فيرد آدم إن هذا القول حق والذي نطقه الحكماء ،ولكني لم أسمع به حتى الساعة!

فيرد إبن القارح ، لعلك يا أبانا قلتَهُ ثمّ نسيت !
فقد علمت إن النسيان صفة إبن آدم وحسبك شهيداً على ذلك الآية المتلوة في فرقان محمد ص (بسم الله الرحمن الرحيم ولقد عهدنا الى آدم من قبل فنسي ولم نجد له عزماً)
فيقول آدم (أبيتم إلا عقوقاً وأذية ، كنت أتكلم العربية وأنا في الجنة ، فلما هبطتُ إلى الأرض نُقِلَ لساني الى السريانية فلم أنطق بغيرها الى أن هلكتُ ،فلمّا ردّني الله ، سبحانه وتعالى ، الى الجنّةعادت عليّ العربية !
فأي حين نظمتُ هذا الشِّعر ؟ في العاجلة أم الآجلة ؟
والذي قال ذلك يجبُ أن يكون قاله في الدّار الماكرة ،ألا ترى قوله (منها خُلِقنا وإليها نعود)؟فكيف أقول ذلك ولساني سرياني ؟
حديثه مع ذات الصفا
حديثه مع الحية مستغرباً فيقول:
"لا إله إلا الله ! وما تصنع حية في الجنة ؟فينطقها الله –جلت عظمته- بعد ما ألهمها المعرفة بهاجس الخلد، فتقول " أما سمعت في عمرك بذات الصفا،الوافية لصاحب ما وفيِّ ، كانت تنزل بواد خصيب ،وكانت تصنع إليه الجميل في ورود الظاهرة ، والغِب فلما ثمر بودها ماله .....
العودة الى الحوريات
حديثه مع الرجاز
نعيم الخلد
إبن القارح يعود الى الفردوس
ولو لاحظنا آخر فقرات (الغفران) عندما يعود إبن القارح من رحلته الى قصره في دار الخلود ويسمع نداء الثمرات له (هل لك يا أبا الحسن هل لك؟)لإستيعاب سخرية أبا العلاء من  نهاية العقل في الجنة
(يتكئ إبن القارح على مفرش من السندس ويأمر الحور العين أن يحملن المفرش الى سرير من سرر أهل الجنة وإنما هو زبرجد أوعسجد،ويكون البارئ فيه حلقاً من الذهب ،تطيف به من كل الأشراء ، وكل واحدة من الجواري المشبَّهة بالجمان واحدة من تلك الحلق
ثم يحمل الى محله بدار الخلود فكلما مر بشجرة نضحته أغصانها بماء الورد خلط بماء الكافور
وتناديه  الثمرات من كل أوب وهو مستلق على الظهر (هل لك يا أبا الحسن ،هل لك فإذا أراد عنقوداً من العنب أو غيره إنقضب من الشجرة بمشيئة الله وحملته القدرة الى فيه وأهل الجنة يلقونه بأصناف التحية ...
ولا يزال أبداً سرمداً ، ناعماً ......

سيدي لاأدعي بأني أعطيت رسالة الغفران حقها ورأيت أن أفرد لردك على أسئلة إبن القارح فصلاً ثالثا
أبا العلاء صامتاً لا يرد
أثقلتُ عليكَ سيدي
لم تثقلي عليَّ أثقلتِ على نفسك
صحيح  ولكنه ثقل محبب لا يجثم على القلب ولكن يغلفه بدفء يحفز العقل أن يبحث وينقب
وهنا هل تأذن بعودة الى مثيلك وتلميذك ؟
لنرى
يذكر طه حسين في كتابه ( في الشعر الجاهلي)والذي غيره تحت ضغط الرعاع الى (في الأدب الجاهلي) وحكيتَ لك عن هجومهم على جامعة القاهرة ليقتلوه(الفصل الأول من أبي العلاء يلاقي طيفا)
نعم أذكر، وهنا لي سؤال؟
لماذا غير عميد كم إسم الكتاب كما ذكرتِ من( في الشعر الجاهلي الى  في الأدب الجاهلي )(الفصل الأول من ابا العلاء يلاقي طيفاً) 
الطيف محرجاً وحاول تغيير دفة الحوار
أحاول على قدر إستطاعتي أن أبحث في مصادر ثقافتك الموسوعية
تعريف عام للثقافة
ومن لي غير العميد في التوضيح
يذكر الدكتور طه حسين
(إن الثقافة العامة المتينة ، التي لايستطيع أن يستغني عنها طالب الأدب كما لا يستطيع عنها طالب الكيمياء بل لا يستطيع أن يستغني كل إنسان يريد أن يعيش عيشة راقية في بيئة راقية . ولعل حاجة الأدب الى هذه الثقافة أشد من حاجة الدراسات الأخرى على اختلافها، فالأدب متصل بطبيعته اتصالاً شديداً بأنحاء الحياة المختلفة سواء منها ما يمس العقل وما يمس الشعور وما يمس الحياة المادية، والأدب بطبيعته شديد الحاجة إلى المقارنات والموازنات ، وليس من سبيل الى التعمق بالأدب على هذا النحو إلا إذا كان الطالب قد تمكن من هذه الثقافة المتينة الواسعة العميقة )ص18 في كتابه في الشعر الجاهلي

من أين تكونت ثقافة عبقري اللغة الفلسفة والأدب ؟
لا
يرد
الذي عرفته بأنك بدأت القراءة باكراً وفي الحادية عشرمن عمرك تقريباً
وكانت دراستك علوم اللغة والأدب والفقه والحديث والتفسير والشعر في اكثر من مدينة سورية، واستطعت أن تكون ثقافة موسوعية من خلال دراستك  للنحو والشعر والنثر والمذاهب والأدبيان وغيره
لايرد
وكان والدك أساس توجيه دراستك لعلوم اللغة والأدب والحديث والتفسير ،وقرأت النحو في حلب وانطاكية
لإنه كما عرفت من تتبع حياتك ونشأتك بأنك من أسرة مرموقة تنتمي
إلى قبيلة "تنوخ" العربية و التي يصل نسبها إلى "يَعرُب بن قحطان" جدّ العرب العاربةويصف المؤرخون تلك القبيلة بأنها من أكثر قبائل العرب مناقب وحسبًا، وقد كان لقبيلتك دور كبير في حروب المسلمين، وكان أبناؤها من أكثر جند الفتوحات الإسلامية عددًا
وليتسنى لنا التفصيل في مصادر ثقافتك  لنتتبع نشأتك من كتاب مثيلك
العميد يشرح
بدأ أبو العلاء درسه اللغويَّ في سن صغيرة  وبدأيقرض الشعر ولما يعدُ
إحدى عشر سنة  وارتحل الى حلب  ليسمع اللغة والآداب من علمائها الذين شهدوا ابن خالويه6- واخذوا عنه
ولقدكانت حلب في ذلك العصر إحدى حواضر الكبرى للمسلمين وسافر الى أنطاكية وكانت من حواضر المسلمين كذلك ويقال فيها مكتبة عربية تشتمل من نفائس الكتب فحفظ  منها أبا العلاء ما شاء الله أن يحفظ
وكما نعرف
ملأ سيف الدولة في عهده حلب بالكتب والتراجم والمجلدات النادرة  ومهماتكون قد خربت ولكن يبقى أثرها وهنا إستغرق أبا العلاء في كتبها ومجلداتها
أبا العلاء يستمع ولا يعلق
لماذا لا ترد
أتعتبرني وهماً أو أضغاثَ أحلام
من أينَ أتيت بهذا ؟
إلى الله أشكو أَّنني كُلَّ لَيْلَة –إذا نَمْتُ لَمْ اَعْدمْ طَوَارِقَ أوْهَامي
فإنْ كَانَ شَرَّاً فَهُوَ لَا بُدَّ واٌقِعُ – وإنْ كَانَ خَيْراً فَهُوَ أضْغَاثُ أحْلاَمِ
أحتار في التفسير
أهذا تشاؤم أم واقع أو قدر لابد أن نواجهه؟
أبا العلاء صامتاً لا يتكلم وكأن الأفكار قد أخذته من الطيف
تمسك الطيف بحبل الصبر متذكراً بأنه يخاطب أبا العلاء،كما ولاحظ  إمارات الضيق تكسو وجهه
هل تشعر بالوحدة سيدي؟
كنتُ رهين المحبسين ،وأكيداً أشعر بالوحدة؟
كنت رهين المحبسين وأضفت لها محبساً ثالثاً هو سجن النفس ،ولكنك لم تكن وحيداً
يؤم بيتك كل يوم الدارسين والباحثين بأكثر من مائتي شخص، فأي محبسٍ هذا ؟
محبس النفس ، هذا هو السجن الحقيقي ،أقوى من الجدران وأعتى من الأوهام
السجن الحقيقي انت الذي صنعته بنفسكَ عندما تمردتَ على قانون الطبيعة والفطرة الربانية برفضك للمرأة ومحاولتك الإساءة إليها بشعرك ونثرك وأحاديثك  ولهذا تشعر بالوحدة  لإنه سجنك وسط المئات من مريديكَ وتلامذتك
اراكِ رجعتِ لموضوع إنتهينا منه
وكيف لي أن أنتهي منه وهو أساس عذابكَ ومعاناتك ،حرمانك من التوجه الطبيعي للحياة هو سبب سجن النفس الذي أشرتَ إليه وأضفته الى رهين المحبسين
كانَ من الممكن أن تكتفِ بالمحبسين ولا تضيف لها سجناً ثالثاً
ولكانت الحبيبة قد خفت عنك سجنك وأزالت من نفسك الشكوك والأوهام التي سيطرت على حياتك، ولكتبت معك سيرة حياتك، كما سوزان طه حسين في كتابها رحلة حياتها مع زوجها
فترة صمت أشاعت سكوناً في المكان
لنعود الى مثيلك الذي لا أقدر تجاهل مسيرة حياته وكيف عا شها ؟وفي كل سطر أكتبه أو مصدر أقرئه أراني أعود إليه بشوق لإسبر غور حياتكَ وحياته، وهنا نعود اليه
لنرى كيف حدد العميد مصدر ثقافتك
قبل أن نعود للعميد خطر لي أن أسألك عن شخصيتين من مفكريناو شعرائنا
وفي ظني بأن لهما وللعصر الذي عاشا فيه سبقاً في تحديد مصدر ثقافتك
من هما؟
إخترت
الجاحظ وأبو نؤاس
ولماذا الجاحظ و أبو نؤاس ؟
الجاحظ  -لإنتهاجه إسلوباُ في البحث يقوم على الشك والعقل
وأبو نؤاس - يبدو إنه شاعر الخمر ولكنه علم من أعلام عصره
لتناقض الشخصيتين الواضح ولتشابه أحدهما معك وتناقض الثاني
نبدأ بالجاحظ
أبو عثمان عمرو بن بحر الكناني الفقيمي البصري
ولد في البصرة عام (255هج-159هج )وعاش في العصر العباسي الأول وبالتحديد في خلافة المهدي
 ويعتبر من كبار أئمة  الأدب ولقب بالجاحظ لجحوظ عينيه
والجاحظ من كبار المعتزلة وترك أثراًعميقاً في اللغة العربية من خلال انتهاجه إسلوباً بحثياًعلمياً كما يلي : الشك ، النقد، التجريب ، المعاينة بمعنى إنه استخدم العقل في الإستنباط والوصول الى النتيجة ومن أشهر كتبه البخلاء، الحيوان،النوادر ، وإن كان أهمهم البيان والتبيين
عَمَرَّ الجاحظ نحو تسعين عاماً وبدأ حياته فقيراً يعمل بالنهار وفي الليل يؤجر محلات الوراقيين ليلتهم سطورها ويغرق في تفاصيلها
وهنا نرى إن إختياري للجاحظ ،لإنه من المرجح إنه كان كذلك من مصادر ثقافتك لإن الجاحظ كان أديباً مثقفاً  أحسنَ القديم والجديد ، بالإضافة الى دراسته فلسفة اليونان وسياسة الفرس وحكمة الهند ، وكذلك التاريخ ، ثم تعزز إختياري لسببين ،العقل والمعتزلة
فلك من الجاحظ العقل ، وليس المعتزلة، أليس كذلك ؟
كذلك
لماذاتخالف المعتزلة؟
أخالف المعتزلة أشد الخلاف  في أهم أصل من إصولهم الأولى وهو تخليد صاحب الكبيرة في النار ولي في الغفران الذي أعارضهم فيه
فيذكر أبو العلاء (العفو من غير تحفظ ولا إقتصاد  ، وهنا يصور ما يمكن ان يقترف من الذنوب وما يمحي هذه الذنوب  من عفو الله في كلام رائع  لاينقصه من الشعر إلا الوزن
(لا أيأس من رحمة الله ، ولو نظمتُ ذنوباً مثل الجبال سوداً كأنهن بنات جمير ، ووضعتهن في عنق الضعينة كما ينظم صغار اللؤلؤ  فيما طال من العقود ، ولو سفكت دم الأبرار حتى أستنّ  فيه كأستنان الحوت في معظم البحر،.....
أرجوا المغفرة إن أدركني وقت التوبة قصير ....(ص229 من كتاب أبي العلاء في سجنه لطه حسين من كتاب الفصول والغايات لإبي العلاء
وهنا نلاحظ الفرق بين الغفران الذي ينشده أبو العلاء وبين تخليد صاحب الكبيرة في النار كما يراها المعتزلة
ونأتي الى أبو نؤاس
 ولد بالأهواز بالقرب من الحبل المقطوع سنة ست وثلاثين ومائة ومات ببغداد في سنة خمس وتسعين ومائة وكان عمره تسع وخمسين سنة -

إحترت في تسميتك له( بالحكمي)
إبحثي وسترين إن أحد أجداده إسمه الحكمي
الحسن بن هانئ الحكمي شاعر عربي من أشهر شعراء العصر العباسي. يكنى بأبي علي و أبي نؤاس و النؤاسي
تتفق معه في الخلاف مع المعتزلة وتختلف معه في شرب الخمر أليس كذلك؟
الخمرة التي لاتحبها لإنها كما ذكرتَ
يقول الناس أن الخمر تؤذي بما في الصدرمن همِّ قديم
ولولا أنها باللب تؤذي لكنت أخا المدامة والنديم(الفصل الأول من أبا العلاء يقابل طيفاً)
وأبو نؤاس يهيم فيها
منشداً
والخمر شئ لو أنَّها جُعِلَت مفتاح قفل البخيل لانفتحا
ومن ينسى للخمر وصفاً- الخمر ياقوتة والكأس لؤلؤة(الفصل الأول من أبا العلاء يلاقي طيفاً)
أما بالنسبة لرأيكما في المعتزلة
 فيوجد نوع من التشابه برفض المعتزلة ،ولكن لسبب يختلف
كيف؟
يذكر عميدنا توضيحاً لثقافة القارئ والدارس، لفتَ نظري هذا التوضيح  وحاولت أن أدرسه
 (ولأضرب لك مثلاً عربياً غير الذي قدمته لك : فهل تزعم أنك تستطيع أن تفهم همزية أبي نؤاس :

  
دَعْ عَنْكَ لوْمِي فإنَّ اللوْمَ إغراءُ              وَدَاوِني بالتي كانَتْ هيَ الداءُ

كيف لنا أن نعرف من يخاطب أبونواس؟ دع عنك لومي،

دون أن تعرف من يقصد (بدع عنك لومي ومن هو النظَّام خاصةً والمعتزلة عامة وما كان لهم من مذهب وقوة أيام إبي نؤاس) ؟
وكيف تستطيع أن تفهم قوله :
فقل لمن يدعي في العلم فلسفة – حفظت شيئاً وغابت عنك أشياء
إذا لم تعرف بأنه يخاطب النظَّام
كيف؟
كان أبو نؤاس صديقاً مقرباً لإبراهيم النظَّام  وهو كما تعرف من زعماء المعتزلة ، وكان النظَّام لا يقبل بسلوك أبو نؤاس ومعاقرته للخمر،ليقين المعتزلة إن شارب الخمرة إذا مات ولم يتب فهو خالد مخلد في نار جهنم ،إذن شرب الخمرة يعتبر من الكبائر في الإسلام  ،وهنا فصاحبها مخلد في النار، وأعتبر أبو نواس ذلك تعريضاً به وبأن إبراهيم النظًام  متطرف مسيء الى الدين وبأن لومه يغري آخرين للتعرض له
 وهنا إختلفوا وكتب أبو نؤاس شعراً ذهب مثلاً وصيتاً
 
دَعْ عَنْكَ لوْمِي فإنَّ اللوْمَ إغراءُ              وَدَاوِني بالتي كانَتْ هيَ الداءُ

صَفْراءُ لا تَنْزِلُ الأحزانُ ساحتها             لـوْ مَسَّها حَجَرٌ مَسَّتْهُ سَرَّاءُ

قـامَتْ بإبْـريقِها والليلُ مُعْتَكِرٌ              فَلاحَ مِنْ وَجْهِهَا فِي البَيْتِ لألأءُ

فَأرْسَلتْ مِنْ فَمِ الإبريقِ صَافِيَةً               كـأنَّمَا أخْذُها بالعَيْنِ إغفـاءُ

رَقَتْ عَنْ الماءِ حتى ما يُلائِمُها              لـطافةً وَجَفَا عَنْ شَكْلِهَا الماءُ

فلوْ مَزَجْتَ بِهَا نُوراً لمَازَجَهَا                 حَتَى تُولَدُ انْواُرُ  وأضواءُ

دارَتْ على فِتْيَةٍ دانَ الزمانُ لهُمْ              فمَا يصيبُهُمْ إلا بِمَا شاءُوا

لِتِلْكَ أبْكِي ولا أبْكِي لِمَنْزِلَةٍ                   كانَتْ تَحِلُ بِهَا هِنْدُ وأسماءُ
  
حاشا لدرة ان تبنى الخيام لها                 وأن تروحَ عَليْها الإبلُ والشاءُ

ويصل الى العتاب بل اللوم الواضح للنَظَّام

فقل لمن يدّعي في العلمِ فلسفةٍ              حَفِظْتَ شيئاً وَغابَتْ عَنْكَ أشيَاءُ
وتحليلاً
(وإذن أنت في فلسفة النظَّام وأنت متعمق في فلسفة المعتزلة ، وأنت مضطر الى ذلك إضطراراً ،مضطر الى ان تدرس التوحيد وإختلاف أهل السنة والمعتزلة فيه لتفهم خمرية من خمريات أبي نواس)كتاب في الأدب الجاهلي ص30
نحن أمام مراجع وعلماء في اللغة والشعر والأدب والفلسفة سبقت ،وأبدعت
أبو العلاء  : هذا صحيح كلا المرجعين لهما قيمتهما وقدرهما
هل لي أخبرك أمراً
قولي
فتشت  في رسالة الغفران عن الشاعر أوس بن حجر
530 - 620 م من شعراء الجاهلية وتقدمه قبيلة تميم على إنه شاعرها
ولماذا أوس بن حجر
ستتعجب حين أذكر لك السبب ، قرأت له شعراً أعجبني
ما هو
يا أيها النفس أجملي جزعاً – إن الذي تحذرين منه قد وقعا
وفي رسالة الغفران ذكرتَ عنه ما يلي
ويَلْفتُ عُنقه يتأملُ ، فإذا هو أوس بن حجر فيقول :يا أوس ، إن أصحابك لا يجيبون السائل فهل لي عندك جواب ؟ فإني أريد أن أسألك عن هذا البيت :
وقارَفَتْ وهيَ لَمْ تَجْرَبْ ، وبَاعَ لها – من الفَصافِصِ بالنُمِّىِّ سِفسِيرُ
فإنه في قصيدتك التي أَوَّلُها:
هل عاجِل مِن مَتاعِ الحَيَّ مَنظورُ- أَم بَيْتُ دَوّمةَ بعد الوَصْلِ مهجورُ
ويروى في قصيدة النابغة التي أولها
وَدَّعْ أُمَامَةَ والتوَّدِيعُ تَعْميرُ- وما وَدَاعُكَ مَنْ قَفَّتْ بهِ العِيرُ
وكذلك البيت الذي قبله :
قد عُرِّيَتْ نِصْفَ حَوْلٍ أَشْهُرَّا  جُدُدّا – تَسفي على رَحْلِها في الحِيرةِ المُورُ
وكلاهما معدود من الفُحول ، فعلى أي شئ يُحْمَلُ ذلك ؟ فيم تزلْ تعْجُبني (لاميتك)
التي ذكرتَ فيها الجُرْجةَ – وهي الخريطة من الأدم – فقلتُ لما وصفتَ القوْسَ( والجرجة ما يحمل فيها الزاد )
فيقول" أوس" :  قد بَلغني أَنَّ " نابغة بني ذُبيانَ " في الجنَّة *.......
*انظر،في صفحة (202) لقاء "إبن القارح " لنابغة بني ذبيان في جنة الغفران
ولقد دخلَ الجنةَ من هو شرُّ مني ، ولكنَّ المغفرة أرزاق ، كأنها النَّشبُ في الدار العاجلة (ص341 - 339 من غفران بنت الشاطئ
ما أسعدني أحببت بيتاً من الشعر قادني الى معرفة جميل
.
عصر أبا العلاء
(فحسبُنا أنَّ عصر أبي العلاء لم يُظلَّ الأمة الإسلامية حتى  كان قدتم نقلُ ما أورثَ اليونانُ من أنواع الفلسفة والحكمة ،فتُرْجْمتْ  لهاكتب أرستطاليس وأفلاطون ، أقليدس وبطليموس وجالينوس في الفلسفة الطبعية ، والرياضية، والإلهية ، والأدبية فكانت بين أيديهم كُتب أولئك الفلاسفة وما يتَّ بها في المنطق ، والطبيعة ، والطب ، والتشريح ،وفي الهندسة ، والعدد والهيئة ، وفي الإلهيات والسياسة والأخلاق ، كل ذلك كانَ في أيديهم ، يدرُسونه ويتفهمونه ، في المنازل والمساجد  وفي المدارس والأندية ، وفي قُصورِ الخلفاء والأمراء
فما كاد يأتي القرنُ الرابع ،حتى أثَّرتْ  هذه العلومُ في المسلمين آثارها فكان منهم الفلاسفة والحكماء والمتصرفون في كلِ فن من فنون العلم ومن أعلام هؤلاء الفلاسفة ، وما ألفوا من الكتب ، أشهرها فهرست إبن النديم ، وتاريخ الحكماء للقفطي ، والأطباء لإبن أبي أصيبعة
والفلسفة عند المسلمين صورتين مختلفتين
 كان القرن الرابع ممثلاً لهما أصح تمثيل :
الصورة الفلسفية الخالصة ، التي أطلق فيها للعقل حظه من الحرية ، فلم تقيده سياسة ، ولا عادة ولا دين
وأشهرهم أبو نصر الفارابي ، وأبو علي بن سينا وإبن سينا عاصرَ أبا العلاء ، وهما وإن لم يلتقيا ، فلا شكَّ في أن كليهما قد سَمع بصاحبه  
وهذه الصورة الفلسفية ظهرت ناضجة لإنها لم تتكلف موافقة الدين  ولا مصانعة السياسة
ثانياً
الفلسفة التي تكلَّفتْ ملاءمة الدين وموافقته في عصر أبي العلاء كثيرون لايمكن حصرهم ،
فمنهم الأشعري ، والجُبَّائي ، والإسفرائيني، والباقلاَّني وغيرهم)
وهنا لابد لنا من وقفة مع العميد وهو المعجب الأكبر بك ليحدد لنا صفة الفلسفة العلائية
(ولعلنا أول من ظفر بفهم الفلسفة العلائية ، ونحن نرى هذا الظفر نجاحاً عظيماً)
ويفسر طه حسين الأمر كالأتي
(ولسنا نرتاب في أن تعصب الفقهاء ورجال الدين على أبي العلاء ، هو الذي جمع حول صاحبها تلك الشبهة التي جعلته من أهل الجحيم غير أن ما يتصلُ بالدين ، من شعر أبي العلاء ، ليس شيئاً بالقياس الى الفلسفة العلائية ، التي تناولت أطراف العلم الإنساني ، وبحثت عن المظاهر العلمية للإنسان في حياته الخاصة والعامة، ولو إن فلسفة أبي العلاء عُرفت للناس كما هي ودُرست في مدارسهم درساً مفصلاً ، لكان للرجل  حال غير هذا الحال.)
بالرغم من كثرة من كتبوا عنه قديماً وحديثاً من العرب والأجانب ولكنهم لم يقدروا أن يفهموا فلسفته(ص233 من كتابه ذكرى تجديد أبا العلاء

مصادر الفلسفة العلائية
-دروس وتجارب الحياة
أبا العلاء درس حياة قومه درساً مستقصي ،انتهى به الى نقد كثير من الأخلاق والعادات ومن الأطوار والآداب التي لم ترقه (شعره في اللزوميات)
كما كان لوالده الأثر الكبير في توجيهه وتعليمه
مراجع دراسة أبو العلاء
-الفلسفة اليونانية
 وقد درسها في أنطاكية واللاذقية ثم أتقن دراستها في بغداد
-الفلسفة الهندية
وعرفها في بغداد
لقد فتح محمود سبكتكين المشهور بيمين الدولة وكان هذا الفتح سبب إنتشار الإسلام في بلاد الهند ، كما إن الفلسفة الهندية عرفت في بلاد المسلمين منذ فتحت السند في أيام بني أمية وكذلك الكتب الهندية التي ترجمت أيام المنصور ككتاب كليلة ودمنه ، وفي النجوم ،ككتاب السند هند،وفي الأساطير كبعض قصص ألف ليلة وليلة
ويذكر طه حسين بأن الفلسفة الهندية لم تؤثر في الفلسفة النظرية
لأبي العلاء فحسب بل كانت أشد الأشياء  ، تأثيراً في حياته العملية
-الفلسفة الفارسية
وعرفت عند إختلاط العرب بالفرس منذ أيام بني أمية وظهرت في الكتب الفارسية مترجمة أيام العباسيين بفضل إبن المقفع ،وبني نَوْبخت
وأبو العلاء قرأ الفلسفة الفارسية في الكتب وعاشر الفرس حين رحل الى بغداد
-كتب الدين
درس أبا العلاء الإسلام منذ نشأته في بلده واما اليهودية والنصرانية
فالأرجح إنه درسها في اللاذقية والمجوسية لم يحسنها الا في بغداد

سيدي بعد هذه الجولة مع إبن القارح كيف رأيته؟
أنتِ من يردعلى هذا السؤال
لاأريد أن أتجاوز
وتدعين بأنك حرة ولكنك تخافين
لا أخاف ولكن حكمك فوق كل الأحكام
أسمع رأيكِ على توبة إبن القارح؟
عندما نصل الى ردك على رسالته أعتقد بأنه من الممكن أن أكون رأياً
تنويه
وهنا لا بد أن أنوه إن هذا الذي كتبته هو غيض من فيض في بحور أبا العلاء

ملاحظة لابد منها
أتسائل
هل يستطيع العقل العربي أن يرتقي الى عبقرية أديب العروبة الأكبر و مفكر العقل الفريد وفيلسوف الواقع والخيال وأن نكف عن الجمود في أحكامنا بحشر الإيمان في كل مسالك حياتنا وأن نتخلص من الزاعقين ليل نهار يهددوننا بالويل والثبور وعظائم الأمور
لنقف أمام أبا العلاء ونعترف معه بأننا إنحدرنا الى هوة عميقة لم نستطع الى يومنا هذا أن نخرج منها !!
هل ترى سيدي إنني قدرت أن أنوه الى نُزراً من رسالتك ؟
سأخبرك حين البحث في الجزء الثالث من رسالة الغفران
أبا العلاء أعذرني سنؤجل القسم الثالث من رسالتك وهو الرد على تساؤلات إبن القارح الى وقت آخر
لماذا؟
أشعر بالإجهاد ، وخوفاً أن لا أعطي ردك على إبن القارح حقه ، رأيت أن أفرد له فصلا ثالثاً وكيف لا أفرد للمبدعين كالمتنبي والحلاج فصلاً كاملاً لإعرف أين وضعتهم وهل يستحقون الجنة أم الجحيم؟
هل هناك إثارة للمعرفة تساوي هذه المعرفة؟
أبا العلاءهل تسمح لي بأن أعبر عن شعوري بعد القسم الثاني من رسالتك فليس لي من الصبر لتأجيلها
قولي
حزني عليك وعلى أمتي كجذر نخلة غرسها نبوخذ نصر في جنائن أميديا، تشبثت بالأرض منذ الأزل وسيبقى للأبد ،وغفرانك كالجنائن غرست ولم تروى ، ضيعها *الجهل وعتم عليها الغباء
حزني عليكَ ،وعلى امتي كحزن شجرة الماغوط  يصف عذاب السياب**
***وحزن أمل دنقل على أمة تصالحت وغفلت
وإبداع  نزار، حين  إنطفأ قنديل الزيت العربي في ليلة شتاء****

و الجواهري مرتلاً من القلب حروفاً تتوهج وتضئ بهاء بغداد*****
 ******ووجع الصبا الغض في قلب محمود القافية مغادراً جنة الزيتون والبرتقال 
بجرح لا يندمل وعذاب أسرى أهلنا في فلسطين يمزق الأكباد
ألم لا يفارق المهج  يلهج بالشهباء والحدباء
وتعتق الحزن  شاهقاً، عميقاً ، مميتاً ،وتمثالك في المعرة قد هدمه الإرهاب
أودعك لهينة وقلبي لا يطاوعني أن أودعك ،ولكنك ستبقى نبتة زاهية في قلبي
أستودعك الله في جنانه الخالدة مغموراً بالرحمة  وتدثركَ عدالة السماء
زهوه في5-5-2017
الفصل الثالث من البحث في رسالة الغفران يأتي لا حقاً إن شاء الله
* نبوخذ نصر القائد العراقي الذي بنى الجنائن المعلقة لزوجته إميديا
** قصيدة الماغوط حزني طويل كشجر الحور لإنني لست ممداً الى جوارك لا تضع 
سراجاً على قبرك سأهتدي إليه 
***لاتصالح ولو منحوك الذهب أترى حين أفقأعينيك ثم أثبت جوهرتين مكانهما هل 
ترى؟هي أشياء لاتشترى
****نزار قباني ينعي عبد الناصر بقلب مثقل بالحزن
قتلناك يا آخر الأنبياء ليس جديداً علينا قتل الصحابة والأولياء
قتلناك يا جبل الكبرياء وآخر قنديل زيت يضئ لنا في ليالي الشتاء
*****
الجواهري يكتب حنينه الى بغداد
حييتُ سفحك يا دجلة فحيينا يا دجلة الخير يا أم البساتينا
حييت سفحك ظمأناً ألوذ به لوذ الحمائم بين الماء والطين
******محمود درويش واصفاً بدم القلب هجرتهم في أيام النكبةالكبرى
أرض البشر لجميع البشر كما تدعون إذن أين بيتي لصغير وأين أنا؟
الهوامش
1-تفصيل حياة المعري عند إكمال الجزء الثالث من الرسالة
2- الدكتورة عائشة بنت الشاطئ
ولدت  في مدينة دمياط سنة 1912م ووالدها من علماء الأزهر وتوفيت في 1998

نالت درجة الماجستير في 1941 عن الحياة الإنسانية لأبو العلاء، وثم الدكتوراه في بحث رسالة إبن القارح وذلك بإشراف الدكتور طه حسين والدكتورة عائشة بمؤلفاتها ومسيرتها العلمية غنية عن التعريف

1.   

3- الكاتب إبراهيم السريحي وبحثه عن رسالة أبا العلاء


4- ثورة اهل الجحيم لشاعر وفيلسوف العراق جميل صدقي الزهاوي(1863-1936)

5- الكاتب اليمني المعروف حبيب عبد الرب سروري في كتابه لا إمام سوى العقل
ابنُ خالَوَيْهِ 6-
( 
285هـ - 370هـ/899-980م)الهمذاني  هو أبو عبد الله الحسين بن أحمد بن حمـدان الهمـذاني، إمـام مبـدع في اللغة، عالم في النحـو والقراءات، وله شأن في قرض الشعر، أصله من همدان
دخل بغداد عام 314هـ، وتلقى علومه على كبار علماء اللغة والنحو والقرآن والحديث